(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
نظرًا لأهميّة الدّعايات الديمقراطيّة الأمريكيّة في السياسة الخارجيّة، ونظرًا لأهميّة إبراز التّمايز بين الحزب الديمقراطي الحاكم والجمهوريين، فإنّ الولايات المتّحدة تجنّبت اعلان الدّعم المفتوح للحكومة اليمينيّة المتطرّفة الصهيونيّة، وتحديدًا تجنّبت دعم ايتمار بن غفير، الذي أُدين في "إسرائيل" بالتّحريض ضدّ العرب، ورُغم ذلك، فإنّ البعثتَين البحرينيّة والإماراتيّة لم تفعل ذلك.
حيث دعت كلّ من البَحرين والإمارات إيتمار بن غفير، أحد أكثر حُلفاء نتنياهو تطرّفاً، إلى احتفالاتهما بالعيد الوطني في تل أبيب.
وقد تمّ إرسال دعَوات لجميع النواب الإسرائيليين، من اليسار واليمين، لكلا الحدثين، لكن إدراج بن غفير، واحتضان السفير الإماراتي الحار له بشكلٍ خاص، أثار الدّهشة وتصدّر عناوين الصحف في الكيان الصهيوني..
ونقلت وسائل الإعلام عن يشاي فليشر المحلّل الإسرائيلي قوله أنّ الإمارات والبحرين “تعترفان ببن غفير على ما هو عليه، وهو زعيم حزب القانون والنّظام، وليس زعيمًا عنصريًا، كما هو مذكور في وسائل الإعلام الغربية”.
ولهذا، فمن غير المُصادفات، أن يختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دولة الإمارات وجهته الأولى بعد عودته للحكم، حيث ذكرت القناة 14 الصهيونية، أنّ نتنياهو سيُغادر إلى الإمارات، في أوّل زيارة دبلوماسيّة له في حكومته الجديدة.
وأوضحت القناة أنّه سيُرافق نتنياهو في زيارته إلى الإمارات، زوجته سارة، ورئيس مجلس الأمن القومي الجديد تساحي هنغبي، ووزراء آخرون في الحكومة، وسيكون محور زيارة نتنياهو الملف الإيراني، وتوطيد علاقات التّطبيع والتّحالف بين "إسرائيل" والإمارات.
وقد كان الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان من أوّل المهنّئين لنتنياهو بتولّيه مَنصبه، مُعربًا عن تطلّعه إلى تعزيز علاقات البلدين خلال الفترة المُقبلة وذلك خلال اتّصال هاتفي بينهما.
واهتمّت وسائل الإعلام الدّولية بمحاولات الإمارات تلميع زعماء التطرّف في الكيان الصهيوني وتقديمهم على المسرح الخارجي رغم اعتبارهم منبوذين دوليًا على خلفية مواقفهم العنصريّة.
حيث أكّد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أنّ محاولات الإمارات إعادة تعريف وتلميع السياسي الإسرائيلي اليميني المتطرّف إيتمار بن غفير ستبوء بالفشل كونه شخصية غير مقبولة على الإطلاق في أوساط العرب العاديين.
ويشتَهر بن غفير كما هو معلوم، بآرائه السياسيّة المتطرّفة، والتي تشمل تأييد الحاخام الرّاحل المولود في الولايات المتّحدة “مائير كهانا”، وباروخ جولدشتاين، الذي قَتل 29 مصلّيا بالرّصاص في المَسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضّفة الغربيّة المحتلّة في عام 1994.
وفي عام 2007؛ أُدين بن غفير بالتّحريض العنصري ضدّ العرب ودعم “كاخ”، وهي مجموعة مدرَجة في قوائم الإرهاب الإسرائيليّة والأمريكيّة.
ومن تصريحاته، في مُقابلة مع القناة 13 الإسرائيلية؛ قال بن غفير إنّ "إسرائيل" يجب أن تُلغي السّلطة الفلسطينيّة وأنّ الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة يجب أن يعودوا إلى الحياة في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي، دون أن يكون لهم الحقّ في الحصول على بطاقات الهويّة الإسرائيليّة (البطاقات الزرقاء) أو التأمين الصحّي، ولن يكون لهم الحقّ في التّصويت ويجب أن يُديروا حياتهم في مجتمعاتهم دون السّلطة الفلسطينيّة، وأصرّ على أنّه سيضمّ جميع المستوطَنات في الضفّة الغربيّة وبعض المناطق من الخليل إلى الدولة الإسرائيليّة.
كما ذكر أنّه يجب على "إسرائيل" إنشاء وزارة هجرة “لتشجيع” الفلسطينيين على مُغادرة منازلهم، وستشجّع هذه الوزارة أي فلسطيني في الضفّة الغربيّة أو إسرائيل؛ “يكره أو لا يؤمن بالإسرائيليين” على المُغادرة.
وبالرّغم من كلّ هذه التّصريحات والمُمارسات العنصريّة، فقد التّقي محمد آل خاجة سفير دولة الإمارات في تلّ أبيب ببن غفير في حفل بمناسبة الذّكرى الـ 51 لعيد استقلال الإمارات.
هنا يبدو الأمر وكأنّه إقرار وموافقة إماراتيّة وبحرينيّة على مواقف بن غفير وحكومة نتنياهو، ولعلّ ما يفسّر هذا التواطؤ، ما كشفَه تحقيق للموقع الاستخباراتي الفَرنسي “إنتليجنس أونلانين” ، عن التغلّغل الأمني الإسرائيلي الشّامل في الإمارات بما في ذلك تعاقُد أبوظبي مع رؤساء المُخابرات السّابقين لتعزيز الأعمال الإسرائيليّة في الدولة الخليجيّة.
ولا شكّ أنّ منظّمة “دائرة الأعمال الإبراهيمية” التي نظّمت لقاءات تواصل بين مستثمرين إماراتيين وإسرائيليين في فندق هيلتون تل أبيب، في 6 ديسمبر/كانون الأوّل، في إطار تطوير التّعاون بين الجانبين، هي واجهة هذا التّعاون والتواطؤ وربّما بذرة توسيع عمليّات التّطبيع ليشمُل دوَلاً جديدة خليجيّة وغير خليجيّة.
وتُحاول الدّائرة، التي تُشارك بشكلٍ كبير في تطوير التّجارة بين "إسرائيل" والإمارات والمَغرب، إدخال المزيد من الشّركات الإسرائيليّة إلى سوق الأمن الإماراتي، وفقًا للتّقارير، وهو ما يؤكّد أنّها نواة لمشروع أكبر.
هنا يتخطّى الأمر نطاق التّطبيع والسّياسة ليَصل لنطاق التّحالف الاستراتيجي والأمني، وهو ما يبرز سؤالًا استراتيجيًا كبيرًا عن أمن الخليج وهل أصبح جزءًا من الأمن الإسرائيلي وهل تتعامَل الدّوَل العربيّة ودوَل الجوار بناءً على هذا المُستجد الاستراتيجي بما يحمله من تبِعات؟