طه العاني - الخليج أونلاين-
تفتقر أماكن إيواء العمال الوافدين في البحرين إلى أبسط شروط السلامة، رغم الإجراءات التي أعلنتها السلطات البحرينية خلال السنوات الماضية بشأن تحسين أوضاع هؤلاء العاملين.
وتؤكد المنامة أنها عملت على تطوير التشريعات والمعايير الوطنية الخاصة بشأن اشتراطات ومواصفات مساكن العمال، للارتقاء بمستوى السلامة والصحة المهنية بما يعزز سمعة المملكة الإقليمية والدولية في هذا المجال الإنساني.
قذارة وأوبئة
وفي 22 ديسمبر 2022 كشفت صحيفة بحرينية عن أوضاع مأساوية تشهدها المناطق التي يعيش فيها العمال الأجانب في العاصمة البحرينية المنامة، من حيث تدني مستوى النظافة وانعدام الخدمات.
ونشرت صحيفة "البلاد" المحلية مجموعة صور من مناطق سكن العمّال، وعلّقت عليها بالقول إنه "بعيداً عن شوارع العاصمة الرئيسة النظيفة، وفي قلب المنامة، تم رصد بعض من أنماط حياة العمال الأجانب".
وأشارت إلى أنهم يعيشون "في بيئات تتدنى فيها مستويات النظافة بشكل كبير بما ينذر بتفشي الأمراض، فضلاً عن غياب أدنى اشتراطات الأمن والسلامة في الأبنية التي يقطنها هؤلاء العمال الذين وفدوا بعاداتهم التي انطبعت في كل مكان".
مساكن متهالكة
وبيّن تقرير أصدره ديوان الرقابة المالية والإدارية بالبحرين في أكتوبر 2021 عن تسجيل عقارات متهالكة وغير آمنة مساكن للعمال الأجانب في العاصمة.
وكشف التقرير المتعلق بعمليات تنظيم سكن العمال عن عدم تحديد واعتماد الاشتراطات والمواصفات الصحية واشتراطات الأمن والسلامة الواجب توافرها في مساكن العمال الجماعية ونشرها في الجريدة الرسمية.
وبحسب التقرير، فقد تبين عدم وقوف أمانة العاصمة والبلديات الثلاث على أوضاع مساكن العمال الجماعية والتي تجاوز عددها 14 ألف مسكن بحسب بيانات هيئة تنظيم سوق العمل، كما في 31 يناير 2021، وذلك من خلال إصدار الموافقات على عقود الإيجار التي يكون محلها عقارات سكنية لغير غرض السكن العائلي.
وأشار التقرير إلى أن أمانة العاصمة والبلديات الثلاث لم تضع آلية تساعدها على التحقق من استيفاء المسكن قبل تسجيله في قاعدة بياناتها للاشتراطات بشأن المساحة المحددة لكل عامل، وارتفاع سقف الغرف في المسكن وعدد العمال في الغرفة الواحدة، ولا تقوم بالتحقق من مدى سلامة العقار من الناحية الإنشائية وخلوه من مخالفات البناء قبل تسجيله، وهو ما قد يؤدي إلى الموافقة على تسجيل مساكن متهالكة وغير صالحة للسكن، أو مساكن مخالفة للاشتراطات التنظيمية للتعمير.
وأكد التقرير وقوع 62% من مساكن العمال التي يوفرها أصحاب العمل لعمالهم في مناطق لا يسمح فيها بإنشاء مساكن للعمال طبقاً للاشتراطات التنظيمية للتعمير، فضلاً عن عدم التزام وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتنفيذ خطط التفتيش المعتمدة لمساكن العمال التي يخصصها أصحاب العمل لعمالهم.
وارتفع عدد العمّال الأجانب في البحرين عام 2021 لأول مرة وبنسبة 4% منذ جائحة كورونا، بعد أن توالت نسب انخفاض العمالة الأجنبية. وكشفت إحصائية صادرة من هيئة تنظيم سوق العمل أن إجمالي العمالة غير البحرينية بنهاية الربع الثاني من عام 2022، بلغ 563,332 عاملاً، بالمقارنة بـ534.091 عاملاً في الربع الثاني من العام 2021، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 5.5%.
شروط السكن
ويتنافى واقع سكن العمال في البحرين تماماً مع القرارات الحكومية ذات العلاقة، والتي اشترطت إجراءات صارمة تخص هذه المساكن، لكن يبدو أنها لم تطبَّق على أرض الواقع.
ونشرت صحيفة "الوسط" البحرينية، عام 2017، نصوص القرار الوزاري رقم (40) لسنة 2014 بشأن اشتراطات ومواصفات سكن العمال، والذي يلزم صاحب العمل الذي يقوم بتوفير وتجهيز مسكن لعماله، بإخطار وزارة العمل بموقع المسكن الذي يوفره لعماله، وعنوانه ومساحته، وعدد العمال المخصص لهم، وجنسهم، وذلك في مدة لا تتجاوز 15 يوماً من تاريخ توفيره للمسكن.
ويلزم القرار صاحب العمل بالقيام بالصيانة الدورية لكل مسكن وإجراء التصليحات العاجلة بهدف تعزيز الحالة الصحية والآمنة لمساكن العمال طبقاً للاشتراطات والمواصفات المنصوص عليها.
كما بين القرار المواصفات التفصيلية لغرف النوم ومساحاتها والأعداد التي تستوعبها كل غرفة، وتوفير الإضاءة والتهوية الجيدة، فضلاً عن مواصفات التوصيلات والتمديدات والصناديق الكهربائية.
ولم يغفل القرار عن الاشتراطات الخاصة بمكافحة الحريق، والحصول على شهادة سلامة من إدارة الدفاع المدني، وتوفير صندوق إسعافات أولية، بالإضافة للمواصفات التفصيلية للمطابخ ودورات المياه ومصادر مياه الشرب، ووسائل الصرف الصحي وغيرها.
حقوق ضائعة
كانت منظمة العفو الدولية قد تحدثت، في 11 أكتوبر 2022، عن انتهاك حقوق مجموعة واسعة من العمال في البحرين بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية.
وقالت المنظمة الدولية في تقريرها إن العمال الأجانب في البحرين معرضون للاستغلال بسبب الحقوق المحدودة المتاحة لهم في ظل نظام الكفالة، الذي يجعل بقاء العامل قانونياً في البلاد مشروطاً بعلاقته بصاحب العمل الكفيل.
وكانت شبكة محامون وراء الحدود (لويرز بيوند بوردرز) تُعد قضية جماعية لرفعها أمام القضاء الهندي بالنيابة عن عدد من العمال سعياً إلى الحصول على تعويضات لمئات المواطنين الهنود الذين اشتكوا من عدم حصولهم على أجورهم ومكافآت نهاية الخدمة، عندما فُصلوا من أعمالهم في البحرين خلال الإغلاق بسبب جائحة كورونا، من مارس إلى أكتوبر 2020، وأُجبروا على العودة إلى وطنهم دون تلقي كامل مستحقاتهم المالية.
وفي يونيو 2020، أفاد منتدى المهاجرين في آسيا بأنه تلقى مجموعة شكاوى بشأن سرقة الأجور من 43 عاملاً من نيبال كانوا يعملون في البحرين.
إمكانية الحلول
في هذا الإطار يشير الصحفي البحريني محمد الجدحفصي، في تحقيق نشرته شبكة (أريج) للصحافة الاستقصائية العربية عام 2020، إلى أن الجهات الرسمية في البحرين لم تكن غافلةً عن المشاكل المحيطة بمساكن العمالة الآسيوية الوافدة، حيث تناولتها الصحافة على مدى عقدين تقريباً.
ونوّه "الجدحفصي" إلى أن المجالس النيابية والبلدية استضافت العديد من النقاشات التي سعت لإيجاد حلول لهذه المشاكل، إلا أن النقاشات ما كانت تتجه إلى صحة العاملين الساكنين وسلامتهم، بقدر ما كانت تناقش احتماليات تعرض الأسر القاطنة بالقرب من مساكن العمال "العزّاب" لأخطار تهدد السلامة أو "الشرف"، أو حتى بسبب اختلاف الثقافات من حيث الملبس والمظهر العام.
وكشف عن مطالبة المجلس التنسيقي لمحافظة العاصمة عام 2016، بإنشاء مناطق سكن خاصة للعمالة المهاجرة بعيداً عن المناطق السكنية.
لكنه يضيف: "إلا أن لجنة الخدمات بمجلس النواب أعلنت، في نوفمبر من العام نفسه، رفضها لتحديد مناطق معزولة لسكن العمال خارج المناطق السكنية"، مبررةً رفضها بأن ذلك يؤدي إلى "آثار اقتصادية وأمنية سلبية"، وأنه يحتوي على "شبهة دستورية"، وهو الرأي الذي انحازت إليه الأجهزة الرسمية.