يوسف حمود - الخليج أونلاين-
على الرغم من أن قمة العُلا التي عقدت مطلع العام 2021 قد أنهت أزمة كبيرة بين دول الخليج استمرت سنوات، فإن الملفات العالقة بين قطر والبحرين ظلت معقدة، لكونها أبعد من الخلاف الذي نتج عن أزمة 2017.
ولم تتخذ البحرين خطوات فعلية للتقارب مع قطر باستثناء خطوات محدودة منها فتح المجال الجوي، فيما أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية والعلاقات بشكل كبير، كما أعادت الإمارات ومصر تلك العلاقات بشكل متزايد.
لكن مؤخراً بدا واضحاً اقتراب حالة الجمود بين البلدين من الانفكاك، خصوصاً أن مسألة النزاع الحدودي بينهما تعتبر موضع خلاف قديم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وقد بلغ ذروته في الثمانينيات، فهل تنتهي الأزمة مع تحرك البلدين للتقارب فيما بينهما؟
بدء التقارب
شهد مطلع العام 2023، تحركات متسارعة في إطار حل الخلاف بين البحرين وقطر، حيث أكد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، نهاية يناير الماضي، أهمية العمل على حل كل القضايا والمسائل بين بلاده وقطر.
وقبل ذلك بأيام، أجرى ولي عهد ملك البحرين، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، اتصالاً بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أكد خلاله ضرورة حل المسائل العالقة بين البلدين استناداً إلى علاقتهما الأخوية.
ومطلع فبراير 2023، جمع مقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض، وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ونظيره البحريني عبد اللطيف الزياني، حيث اتفقا على وضع الآليات والإجراءات اللازمة لإطلاق مسار المباحثات على مستوى اللجان الثنائية لإنهاء الملفات الخاصة المعلقة بينهما.
ووفقاً لوكالة الأنباء البحرينية "بنا"، فإن إطلاق المباحثات يأتي وفقاً لما تضمنه بيان قمة العلا بالسعودية في يناير 2021.
وشدد الجانبان على أهمية العمل والتعاون بما يعزز العلاقات الأخوية ويحقق تطلعات شعبيهما في الأمن والاستقرار والتنمية، ويدعم مسيرة العمل المشترك لمجلس التعاون.
وكان أغسطس من العام 2022 قد شهد لقاءً جمع أمير قطر مع العاهل البحريني للمرة الأولى منذ إنهاء الأزمة، على هامش "قمة جدة للأمن والتنمية".
أزمة البلدين
على الرغم من إتمام مصالحة خليجية شاملة، ودخول دول الأزمة في نسق تصالحي من يناير 2021، فإن الخلافات بين الدوحة والمنامة بقيت عالقة، إذ واجهتا مشكلات أظهرت صداها على سطح التصريحات الرسمية بين حين وآخر.
فالبحر الذي يفترض أن يمتد جسر المصالحة فوقه، شهد منذ المصالحة خلافات عدة حول الحدود التي بلغت في فترة من الفترات حد التقاضي الدولي.
وكان أبرز تلك الخلافات الأخيرة اتهامات المنامة لقطر باعتقال بحار بحريني اقترب من منطقة رأس لفان القطرية، في ديسمبر 2021، بعد أن "تعطل قاربه" بحسب ما قالت المنامة، لينقل بعدها إلى الدوحة ويتعرض للتحقيق قبل الإفراج عنه.
هذه الحادثة سبقتها أخرى بعد أربعة أيام من مصالحة العلا (يناير 2021)، عندما اتهمت المنامة جارتها باحتجاز بطلي كمال الأجسام البحرينيين، سامي الحداد ومحمد الدوسري، في عرض البحر واقتيادهما إلى المياه القطرية، لكن قطر حينها قالت إنهما تجاوزا المياه الإقليمية.
تفكيك ملفات الخلاف
يعتقد عبد العزيز محمد العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات، أن التقارب القطري البحريني، يأتي ضمن حالة من إعادة التشكل في المحاور والاصطفافات في المنطقة.
ويوضح قائلاً: "هناك تحالفات انتهت مهمتها ولم تعد قائمة، أو هي في طريقها للاندثار، وهناك محاور جديدة قيد التشكل، ولكن الحال الآن كما الحال سابقاً".
لكنه في ذات الوقت يؤكد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، وجود "نوع من الضبابية وغياب الشفافية والوضوح في التحركات الإقليمية بشأن هذه المحاور والتحالفات الجديدة"، مضيفاً: "المعلوم صراحة عن أسباب هذه الزيارات ودوافعها قليل".
ويرى أن قطر منذ اتفاق العلا في يناير 2021 "تسعى لتفكيك ملفات الخلاف مع كل دولة على حدة. حدث ذلك مع مصر والسعودية ويبدو الآن أنها تتجه بذات الطريق مع البحرين".
ويشير إلى أن كل المعطيات تؤكد "وجود دور سعودي كبير جداً لا يمكن تجاهله أو إنكاره".
لكنه يؤكد أن "تحركات قطر في سياستها الخارجية لتحسين علاقاتها مع دول الخليج تتم بالتوازي مع تمسكها بالحفاظ على سيادتها واستقلال قرارها".
وفيما يتعلق بالبحرين، أشار إلى أنها "قد تسعى لاستثمار علاقاتها مع الدوحة لتقليل المخاطر الناجمة عن إيران وتدخلاتها الواضحة في الشأن البحريني. وربما تخشى المنامة التي أقامت علاقات دبلوماسية وتطبيعية مع "إسرائيل" أن تتناثر عليها شظايا التوترات الأمنية الإقليمية بين طهران وتل أبيب، التي يتبادلها الطرفان عبر الطائرات والصواريخ والألغام البحرية".
وأضاف: "من ناحية أخرى ربما ترى قطر أن الفرصة مناسبة الآن لحلحلة بعض الملفات العالقة مع البحرين؛ كالحدود البحرية وحركة الطيران أو حتى بعض شخصيات المعارضة البحرينية".
ويأمل العنجري من قطر والبحرين وباقي دول الخليج أن تعمل على "مزيد من التوافق والتفاهم والتقارب، وتسوية خلافاتهم أياً كانت وفق نهج سلمي يلجأ للحكمة أولاً".
جذور الخلاف
وعاشت الدولتان خلافات حدودية تاريخية، وفي العام 1937، تمكنت حامية من القوات القطرية من استعادة السيطرة على منطقة الزبارة الواقعة في الناحية الشمالية الغربية من ساحل قطر.
في ذلك العام تدخلت بريطانيا التي كانت تفرض حمايتها على جزء واسع من الشاطئ الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وتمت تسوية النزاع وترسيم الحدود بين الجانبين.
وعاد النزاع بين الجانبين في عام 1986، حول أحقية كل منهما في المنطقة الأقرب لقطر، وتدخلت السعودية بمبادرة لحل الخلاف، إلا أن الخلافات عادت لاحقاً.
وفي 16 مارس 2001، قضت محكمة العدل الدولية بعد أن استمرت القضية لديها قرابة 10 سنوات، بأن تكون السيادة لقطر على منطقة الزبارة وجزيرة "جنان"، ومنها "حداد جنان" و"فشت الديبل"، والسيادة للبحرين على جزر "حوار" وجزيرة "قطعة جرادة".