كمال السلامي - الخليج أونلاين-
لم تُغادر العلاقة بين البحرين و"إسرائيل" مراحلها الأولى، بالرغم من مرور ثلاث سنوات على التطبيع الذي رعاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، منتصف سبتمبر 2020.
فبالرغم من مرور كل هذا الوقت، فإن العلاقة بين الجانبين، وفقاً للباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إيلان زيليت ويوئيل جوزانسكي، تسير في طريق مسدود؛ بسبب المعارضة الكبيرة في الداخل البحريني لاتفاق التطبيع، وكذا السياسات الإسرائيلية التي لم تتغير تجاه الفلسطينيين.
واليوم، تشهد هذه العلاقة تطوراً جديداً ربما يُحدث تأثيراً على جوهرها ومسارها، هذا التطور يتمثل في زيارة وزير خارجية "إسرائيل" إيلي كوهين إلى المنامة، ولقائه ولي عهد المملكة الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وكذلك افتتاحه المقر الجديد لسفارة "تل أبيب" في المنامة.
زيارة كوهين إلى البحرين أعادت قضية التطبيع ونتائجها ومآلاتها على البحرين إلى الواجهة، فما دلالة هذه الزيارة، وهل جنت البحرين فوائد من التطبيع بعد مضي ثلاث سنوات على الاتفاق؟
زيارة معلنة
إيلي كوهين وصل إلى البحرين بشكل معلن، مساء 3 سبتمبر 2023، وكان في استقباله وزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني، وافتتح خلال الزيارة المبنى الجديد للسفارة الإسرائيلية.
كما جرى التوقيع على مذكرتي تفاهم الأولى للتعاون المصرفي والمالي، والثانية في مجال الثقافة، إضافة إلى التوقيع على بيانين: الأول يتعلق بإنشاء برنامج تدريبي مشترك في مجالات البرمجيات والعلوم والهندسة، والآخر في مجال الشباب.
كما التقى الوزير الإسرائيلي بولي العهد البحريني، وخلال اللقاء نوقشت العلاقات الثنائية، وأهمية ترسيخ الأمن وتعزيز السلام ومساعي التنمية والازدهار في المنطقة، وفقاً لوكالة الأنباء البحرينية، إضافة إلى مناقشة التحديات الإقليمية والدولية.
وحظيت هذه الزيارة بحالة من الرفض في الأوساط البحرينية، حيث قالت المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع: إن "زيارة إيلي كوهين تشكل استفزازاً لمشاعر المواطنين البحرينيين"، معتبرةً في بيان لها، هذه الزيارة "محاولة يائسة ومرفوضة للتطبيع في المجالات الاقتصادية والتجارية".
بدورها قالت الباحثة والناشطة المجتمعية البحرينية مُنى عباس، لشبكة "بي بي سي": إن "إسرائيل" تستهدف بهذه الزيارة "تعزيز وجودها في بلد يمتلك قاعدة شعبية عريضة ترفض التطبيع"، مضيفةً: "هذه القاعدة الشعبية استطاعت أن تعبّر عن موقفها بوضوح في الشارع البحريني وفي مؤسسات المجتمع المدني، كما استطاعت أن توصّل صوتها في الداخل والخارج".
حاجة إسرائيلية
"علاقة إسرائيل بالدول التي طبّعت معها لا تتخذ طابع إعلان النوايا، وفي بعض الأحيان تصل إلى مرحلة من العلاقات التطبيعية، ولكن بطابع سري"، وفقاً للباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي.
وحول أهداف وأسباب الزيارة، يعتقد مكي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن "إسرائيل في هذه المرحلة بحاجة إلى نوع من تكريس التطبيع لعدة أسباب؛ ففي الواقع بعد الاتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب لم يتحول التطبيع إلى حالة من التواصل، ولم يكن فيه ما يجذب دولاً أخرى لهذا النمط من العلاقات، وظلت في إطار الكتمان، وليس هناك وضوح: سياحة غير معلنة، واتصالات أمنية وعسكرية".
وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن أحد مساعدي كوهين "وبخ" الزياني خلال لقائهما، وقال له: "لا يأتي عدد كافٍ من السياح البحرينيين إلى إسرائيل".
أما مكي فأشار إلى أن الزيارة "محاولة أيضاً لتكريس العلاقات أو التقارب العربي الإسرائيلي أمام الناخب الإسرائيلي من ناحية، وتأكيد وجود تطبيع باعتبار أن حقيقة مضي فترة طويلة بدون وجود هذا النمط من العلاقات أو الإعلانات ربما يجعل من التطبيع وكأنه لم يكن، أي إنه غير ذي معنى وغير ذي تأثير من الناحية النفسية"، مشدداً على أن "إسرائيل بحاجة إلى التطبيع لأغراض نفسية".
وبعد كشف "إسرائيل" عن الاجتماع السري بين إيلي كوهين ووزيرة الخارجية الليبية المعزولة نجلاء المنقوش في روما، يقول مكي: "ربما تلقت تل أبيب كثيراً من التوبيخ من الولايات المتحدة، وعليه أعتقد أنه حتى الدول التي كانت راغبة أو لديها شبه رغبة بالتطبيع أصبحت مترددة بعد هذا الكشف والفضح".
ولفت إلى أن "تل أبيب" "لا تتورع عن ذلك، ونتيجة ذلك ربما فكرت (إسرائيل) باستعادة زمام المبادرة بالعلاقات مع الدول العربية، من أجل تشجيع الدول الأخرى على سلوك هذا النهج، وهذا ربما يكون أحد الأسباب".
تطبيع مجاني وفائدة أمنية
وحول مكاسب البحرين من وراء اتفاق التطبيع قال الدكتور لقاء مكي: إن "الاستفادة ستكون أمنية بالدرجة الأولى"، لافتاً إلى أن "إسرائيل مصدر مهم للتقنية التجسسية، إلى جانب التعاون الاستخباري مع الأنظمة"، مؤكداً أنه "ليس هناك تبادل تجاري واسع، ولا اتفاقيات، ولا جوار جغرافي يمكن أن يشكل فائدة، وبالنسبة للبحرين والإمارات فالفائدة من العلاقات مع إسرائيل بالدرجة الأساسية أمنية واستخبارية".
وبخصوص انعكاس هذا التطبيع على القضية الفلسطينية، يعتقد أنه أن "أضرّ بالقضية الفلسطينية ولم ينفعها بشيء، لا سيما مع دول الخليج، حيث كان التطبيع مجانياً مع الإمارات والبحرين".
وشدد مكي على أنه "ليس هناك أي ثمن تدفعه (إسرائيل) على صعيد القضية الفلسطينية"، مضيفاً أن "إسرائيل لم تدفع أي تكاليف؛ ومن ثم فالانعكاس كان ضاراً للغاية على القضية الفلسطينية".
وأضاف: "هذا التطبيع شجع (إسرائيل) على المضي في سياساتها التوسعية والقمعية للشعب الفلسطيني بدون رادع، على اعتبار أن العرب الذين طبعوا معها موافقون على هذا التطبيع بدون أي تكاليف، فلماذا تستجيب للفلسطينيين إذا كان العرب غير مكترثين بذلك؟".
التهديدات الإيرانية
إيران أيضاً تبدو حاضرة في توجهات السياسة الإسرائيلية تجاه الدول المطبّعة، وفي المقدمة البحرين، وهذا ما ذهب إليه الباحث في الشأن الإقليمي والإيراني أحمد العناني، الذي أكد حرص "تل أبيب" على العلاقة مع المنامة.
وأضاف العناني، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين"، أن "إسرائيل" حريصة على العلاقة مع البحرين لكونها من أوائل الدول التي تواجه إيران، ولديها معها كثير من المشاكل.
وقال إن لدى "إسرائيل" أيضاً أسباباً أمنية تدفعها لتعزيز علاقاتها مع البحرين، مشيراً إلى "التنسيق الأمني في مواجهة التهديدات الإيرانية على السفن الإسرائيلية في بحر عُمان ومضيق هرمز"، لافتاً إلى أن لدى "إسرائيل استراتيجية مع الدول المطبعة ترتكز على أهمية الحفاظ على العلاقة معها لمواجهة إيران، وفي المقدمة البحرين والإمارات".
انعكاس سلبي
ونوّه بمساعي "إسرائيل" لتوسيع هذه العلاقة من خلال الدول المطبعة، حيث تسعى للتطبيع الكامل مع السودان، وكذا ليبيا، وأيضاّ مع السعودية، مشيراً إلى أن "كل هذه الأمور في مقدمة السياسة الإسرائيلية، لذلك يحافظ الجانب الإسرائيلي على علاقته مع الجانب البحريني".
وشدد على أن التطبيع العربي الإسرائيلي الحديث لم ينعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية، مضيفاً: "إسرائيل لم تحترم الدول المطبعة؛ ففي البداية كانت تقول إن هذا التطبيع من أجل إحلال السلام، لكنها في الحقيقة كانت تريد تحقيق مكسب سياسي لصالح حكومة نتنياهو، التي كانت حينها مهددة بالفشل".
وأشار العناني إلى أن الوضع يزداد سوءاً فيما يخص القضية الفلسطينية، قائلاً: "هناك حكومة يمينية من الأحزاب الدينية الصهيونية التي يترأسها نتنياهو، وبوجود إيتمار بن غفير"، وأشار إلى أنها تعمل على تهويد القدس، واقتحام باحات الأقصى، كما تزداد المستوطنات بشكل كبير، والقوانين العنصرية، مضيفاً: "كل هذه الأمور كانت بمنزلة انعكاس للتطبيع على القضية الفلسطينية".
وقال إنه ليس هناك سوى مصر والأردن تستطيعان التأثير في القضية الفلسطينية، بحكم علاقاتهما القوية ودورهما في عملية السلام، وتقريب وجهات النظر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.