متابعات-
حافظت الولايات المتحدة على علاقة أمنية رئيسة مع البحرين منذ عام 1947، وقد تجلى ذلك بوضوح في احتضان المنامة مقر الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، والعلاقات السياسية والعسكرية المختلفة.
ويعتبر الحوار الاستراتيجي بين المنامة وواشنطن أحد أبرز أدوات التفاعل بين الولايات المتحدة وشركائها التقليديين في الخليج؛ بما يسهم في تقييم وتعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة التحديات المشتركة.
لكن اعتزام الولايات المتحدة توقيع اتفاقية أمنية واقتصادية استراتيجية مع البحرين، بهدف رفع مستوى الالتزام الأمني الأمريكي تجاه المملكة، يؤشر على مستوى الاهتمام الأمريكي تجاه المنامة.
اتفاقية استراتيجية
تشهد العلاقات الأمريكية مع دول الخليج حالة عدم استقرار خلال السنوات الأخيرة، لكن يبدو أن واشنطن قد بدأت مؤخراً بالبحث عن طرق جديدة لكسب ثقة هذه الدول، كما هو الحال مع البحرين، خاصة مع وجود مقر أسطول عسكري كبير تابع لها.
فقد كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي (11 سبتمبر 2023)، أن الولايات المتحدة ستوقع مع البحرين اتفاقية أمنية واقتصادية استراتيجية ترفع مستوى الالتزام الأمني الأمريكي تجاه المملكة.
الموقع الأمريكي نقل عن مصادر -لم يسمها- قولها: إنه "من المتوقع أن يوقع ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الاتفاقية خلال زيارة لواشنطن هذا الأسبوع"، كما سيلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وفق الموقع.
وأضاف أن "الاتفاقية الاستراتيجية الأمريكية البحرينية قيد الإعداد منذ أكثر من عام، وتتضمن الالتزام بالتشاور وتقديم المساعدة إذا واجهت البحرين تهديداً أمنياً وشيكاً".
وذكر أن "الاتفاقية ستكون ملزمة قانوناً، وستتضمن التزاماً أمنياً، وتحدد الخطوط العريضة للشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والبحرين، إضافة إلى التعاون حول التقنيات الموثوقة".
وتزامناً مع ذلك، زار وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، واشنطن وأجرى اجتماعاً مع السيناتور بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بحضور السيناتور جيم ريش، نائب رئيس اللجنة.
فقد بحث الجانبان خلال اللقاء، علاقات الصداقة التاريخية والشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين الصديقين، وما حققه التعاون الثنائي بين البلدين من إنجازات متميزة على الأصعدة السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية والتنموية كافة، وسبل التنسيق المشترك على الصعيد السياسي والدبلوماسي تجاه مختلف التحديات التي تواجه المنطقة.
وفي حين لم يتضح ما إذا كانت الزيارة تتعلق بالاتفاقية المرتقبة، تمت مناقشة "أوجه التعاون المشترك القائم بين البلدين؛ للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها لما فيه خير شعوب المنطقة والعالم، وتأكيد أهمية مواصلة التعاون والتنسيق لتكريس الشراكة الاستراتيجية، وتوسيع آفاق التعاون الثنائي في مختلف المجالات الحيوية محل الاهتمام المشترك بما يخدم مصالح البلدين"، بحسب بيان الخارجية البحرينية.
تقارب مستمر
تقول البحرين في تصريحات لمسؤوليها بمحافل مختلفة، إن استمرار ازدهار العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، "يترجم عمق الروابط التاريخية الممتدة منذ عقود، والمساعي المشتركة لتحقيق مصالح البلدين".
ورغم أن التوقيع المرتقب ذو أهمية للبحرين، فإنه لا يتضمن التزام المادة الـ5 على غرار حلف شمال الأطلسي، والتي كانت تتطلب من الولايات المتحدة أن تتعامل مع أي هجوم على المملكة بمنزلة هجوم على أمريكا، حسب "أكسيوس" نفسه.
بالمقابل تقول واشنطن إن الشراكة الوثيقة بين البلدين تعكس نية تعزيز الأولويات المشتركة التي تبني مستقبلاً آمناً وسالماً وأكثر سلماً ومستقبلاً أكثر ازدهاراً.
وبدأ توسيع الاهتمام الأمريكي بالبحرين منذ ديسمبر 2020، حينما جرى الحوار الاستراتيجي الأول بين البلدين، في حين عُقدت النسخة الثانية من الحوار في فبراير 2022، لتُستكمل اللقاءات بعقد اللقاء الثالث في يوليو الماضي.
وفي الاجتماع الأخير، أكد البلدان استمرار انعقاد "الحوار الاستراتيجي" بينهما، واعتبراه "نجاحاً في تعزيز علاقاتهما المشتركة وارتقائها في مختلف المجالات، أبرزها الأمنية والسياسية".
كما صدر في ختام الاجتماع بيان مشترك أكد فيه الجانبان أهمية الحوار الاستراتيجي لتفعيل الالتزام الدائم للولايات المتحدة الأمريكية ومملكة البحرين بالأمن الثنائي والإقليمي، والازدهار الاقتصادي المشترك والعلاقات بين الشعبين والمبادئ الداعمة للنظام الدولي.
الذهاب لما هو أبعد
يشير الخبير الأمني والعسكري العميد مخلد حازم، إلى أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين "تعود إلى سنوات طويلة، ورسخت وفق عقيدة كارتر (الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر)، والتي اعتبر فيها منطقة الخليج جزءاً من البعد الاستراتيجي للولايات المتحدة، وحماية أمن الخليج جزء من حماية الأمن القومي الأمريكي".
ويرى حازم أن مملكة البحرين "ذهبت إلى أبعد من ذلك، من خلال تحرير هذه الاتفاقية مع أمريكا بصورة أكثر توسعاً في مجالات عدة ليس فقط في المجال الأمني، بل في المجال الاقتصادي والأمني والمعلومات".
ولفت في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أنه يُنظر إلى البحرين بعد الاتفاق الإبراهيمي على "أنها من الدول التي يجب حماية أرضها وحدودها تجاه أي إرهاب قد يضرب الأمن الداخلي البحريني، أو تقترب من الحدود أي أعمال إرهابية وعصابات متطرفة".
ويضيف: "قبل فترات، سعت أيادٍ خارجية إلى زعزعة الأمن واستقرار البحرين، لذلك ربما هذا الأمر في الإطار ذاته".
كما يلفت إلى وجود جلسات حوار مستمرة بين الجانبين منذ أكثر من عام، تم خلالها "وضع خارطة الطريق لكيفية توقيع هذه الاتفاقية".
وتابع: "كان كل ذلك لتضمن البحرين آلية في التعامل مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي قوي لها، خصوصاً أنها من الدول الصغيرة التي تتطلب حمايتها من دولة كبرى كالولايات المتحدة".
ويؤكد أن هذه الجلسات "تطرقت إلى كثير من الأمور كالتبادل التجاري والأمني والمعلومات"، مضيفاً: "آن الأوان لتوقيع الاتفاقية مع واشنطن والتي ستعطي أماناً ورؤية للبحرين بأنها ستضمن حليفاً استراتيجياً أمنياً إذا ما تعرضت للإرهاب".
ويوضح أن ذلك سيتم "ضمن أطر يتم الاتفاق عليها وليس كما هو متفق عليه بين دول الناتو"، مؤكداً في الوقت ذاته أنها "شراكة ثنائية فقط بين البحرين وأمريكا".