كمال السلامي - الخليج أونلاين-
بينما يترقب العالم ثمار مباحثات الأيام الخمسة التي أجراها الحوثيون في الرياض، جاء هجومهم على القوات البحرينية في الحدود السعودية ليضع تلك المحادثات ونتائجها قيد المزيد من التكهنات.
ومن الواضح أن الهجوم لن يؤثر جوهرياً على ما تم التوصل إليه في المحادثات، بين وفد الجماعة والجانب السعودي، لكنه بلا شك يُعطي لمحة أكثر وضوحاً حول الطريقة التي يتعامل بها الحوثيون مع الاتفاقات والمفاوضات.
وبالرغم من الاعتذار المبطّن الذي أبداه مُتحدث الجماعة وكبير مفاوضيها، محمد عبد السلام، إلا أن محللين أكدوا لـ"الخليج أونلاين"، أن المستقبل سيكون مليئاً بالحوادث المشابهة، لكون الحوثيين جماعة مليشاوية، لا تحترم المعاهدات.
تفاصيل الهجوم
بطائرات مسيرة استهدف الحوثيون موقعاً لقوة الواجب البحرينية، في المنطقة الحدودية بين السعودية واليمن، ما أدى إلى مقتل ضابط وجندي، وإصابة آخرين.
وقالت القيادة العامة لقوات دفاع البحرين، في بيان لها، الاثنين 25 سبتمبر، إن الضابط والمجند قُتلا، وأصيب آخرون، خلال تأديتهم واجبهم الوطني، ضمن قوات التحالف العربي.
وجاء في البيان: "جرى ذلك العمل العدائي الغادر بقيام الحوثيين بإرسال طائرات مسيرة هجومية على مواقع قوة الواجب البحرينية المرابطة بالحد الجنوبي على أرض المملكة العربية السعودية الشقيقة رغم وجود توقف للعمليات العسكرية بين أطراف الحرب في اليمن".
أسف حوثي
كبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، ربط الهجوم الذي استهدف قوة الواجب البحرينية بما أسماها "الخروقات المستمرة من قبل التحالف في منطقة الحدود".
وقال محمد عبد السلام، في تصريح لوكالة "رويترز"، إن انتهاكات الهدنة "أمر مؤسف"، مشيراً إلى مقتل 12 من مقاتلي الجماعة خلال شهر واحد على الحدود بين اليمن والمملكة.
وشدد "على أهمية الدخول في مرحلة السلام الجاد، وصولاً إلى تثبيت الوضع العسكري بالكامل، بحيث تتوقف الخروقات من جميع الأطراف وتتحقق متطلبات السلام الشامل والعادل".
من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، العميد الركن تركي المالكي، إن الهجوم الحوثي "عمل عدائي غادر، في سياق الأعمال العدائية خلال الشهر الماضي باستهداف إحدى محطات توزيع الطاقة الكهربائية وأحد مراكز الشرطة بالمنطقة الحدودية".
وأضاف المالكي، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس": "مثل هذه الأعمال العدائية والاستفزازية المتكررة لا تنسجم مع الجهود الإيجابية التي يتم بذلها سعياً لإنهاء الأزمة والوصول لحل سياسي شامل".
وأكد رفض قيادة القوات المشتركة للتحالف للاستفزازات المتكررة من قبل الحوثيين، واحتفاظها بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
تضامن واسع
الهجوم الحوثي على قوة الواجب البحرينية في الحدود بين السعودية واليمن لاقى تنديداً دولياً، وتضامناً واسعاً مع الحكومة البحرينية.
وفي هذا السياق، أعربت الخارجية السعودية في بيان لها عن استنكارها للهجوم الغادر الذي تعرضت له قوات دفاع البحرين على الحدود بين المملكة واليمن، داعيةً إلى "وقف استمرار تدفق الأسلحة لمليشيا الحوثي الإرهابية ومنع تصديرها للداخل اليمني، وضمان عدم انتهاكها لقرارات الأمم المتحدة".
كما أدانت سلطنة عُمان الهجوم الذي تعرضت له قوة دفاع مملكة البحرين المرابطة على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وأكدت تضامنها مع المنامة.
بدوره نعى الأمين العام للجامعة العربية الضحايا البحرينيين، مستنكراً استمرار الهجمات الحوثية الغادرة، برغم التزام الحكومة الشرعية بالهدنة، ووقف إطلاق النار، محمِّلاً الجماعة مسؤولية استمرار معاناة اليمنيين.
من جانبه قال أمين عام مجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي: إن "الاعتداء الحوثي يتنافى مع الاتفاقيات الخاصة بوقف إطلاق النار المعلن عنها سابقاً".
منظمة التعاون الإسلامي قالت على لسان أمينها العام، حسين إبراهيم طه، إن مثل هذه الأعمال الاستفزازية لا تنسجم مع الجهود الإيجابية المبذولة سعياً لإنهاء الأزمة في اليمن.
كما اعتبرت الخارجية الإماراتية، في بيان لها، هذا الهجوم "استخفافاً بجميع القوانين والأعراف الدولية، مما يتطلب رداً رادعاً"، داعيةً المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حاسم لوقف هذه العمليات.
بدورها أعربت الخارجية الكويتية عن إدانتها واستنكارها للهجوم الحوثي الغادر، معربة عن تضامنها الكامل مع البحرين.
وأدانت الخارجية المصرية الهجوم الحوثي على القوات البحرينية، واصفةً إياه بـ"الهجوم الإرهابي"، مؤكدةً تضامن مصر الكامل مع مملكة البحرين، جراء هذا الهجوم.
المغرب كذلك دانت، على لسان خارجيتها، العمل الإرهابي الآثم، الذي استهدف القوات البحرينية في الحدود مع اليمن، معربة عن تضامنها مع البحرين، في حين أجرى وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك، اتصالاً بنظيره البحريني عبد اللطيف الزياني، عبّر فيه عن الإدانة الشديدة للهجوم الحوثي وقدم التعازي في الضحايا.
الهجوم والمفاوضات
ويأتي هذا الهجوم بعد أيام من زيارة وفد حوثي إلى السعودية، ولقائه بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، في إطار المساعي المبذولة لإيجاد حل للأزمة اليمنية، كما يمثل خرقاً لجهود السلام.
ولأول مرة منذ بداية الحرب، يعقد الحوثيون مفاوضات علنية مع مسؤولين سعوديين، في العاصمة الرياض. ومساء 19 سبتمبر، التقى وزير الدفاع السعودي بوفد الجماعة الذي يرأسه محمد عبد السلام، قبيل ساعات من مغادرة الوفد إلى صنعاء للتشاور.
وقال وزير الدفاع السعودي إن اللقاء جاء لاستكمال الجهود الرامية لدعم مسار السلام في اليمن، مؤكداً أن بلاده "حريصة على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار؛ للتوصُّل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة".
الهجوم الحوثي على القوات البحرينية في الحدود بين اليمن والسعودية، يعكس طبيعة الجماعة الإرهابية، ويؤكد أنها تفتقر إلى الوعي السياسي، ولا تعترف بالمواثيق، وفقاً للخبير العسكري السعودي عبد الله القحطاني.
وقال القحطاني، لـ"الخليج أونلاين": "هذا هو الإرهاب، وهذه هي أعمال منظمات الإرهاب، أي منظمة إرهابية ليس لديها وعي سياسي، ولا حتى سلوك إنساني، ولا تعترف بالمواثيق، ولا تعترف بأي شيء".
ولفت إلى أن هذا الهجوم متوقع من أي منظمة إرهابية، مؤكداً أن الدول "لا تسلك هذا السلوك، وهي تفاوض، أو هي في بيئة سلام جديدة، ولديها أسلوب ومعرفة في الانتقال من مرحلة إلى مرحلة".
وأضاف القحطاني أن هذا الهجوم "ليس مستغرباً وقد لا يكون الوحيد مستقبلاً"، معتقداً "أن جميع الدول، خاصة الدول التي لديها الخبرة الكافية في مواجهة الإرهاب، كالمملكة العربية السعودية وأشقائها الذين يحاربون الإرهاب، قادرون على التعامل مع هذه التصرفات أياً كانت".
وحول التأثير الذي يمكن أن يلقيه هذا الهجوم على المفاوضات، قال القحطاني: "لا شك أن الحادث سيؤثر على سير المفاوضات، لكن بقدر معين، وفي سياق التحقيقات التي لا يعلمها أحد حتى الآن، أو التبرير من الطرف الآخر، هذه الأشياء قد لا يستطيع أحد الدخول أو الحديث فيها، لأنها معلومات، والمعلومات لا تملكها إلا دول أو المعنيون بالأمر".
وشدد على أن "الإرهاب سيبقى طويلاً يُهدد الدول ويُهدد الحدود، يستهدف رجال الأمن، والقوات المسلحة، والآمنين، والحضارة والثقافة"، مضيفاً: "هذا لن ينتهي، ولنا فيما يجري في أفغانستان وسوريا والعراق ولبنان، عبرة".
تكتيكات حوثية
بدوره قال الخبير العسكري اليمني محمد الكميم، إن لدى اليمنيين تجارب مع جماعة الحوثي الإرهابية تمتد لأكثر من عشرين عاماً، لافتاً إلى أن الجماعة "تستخدم نفس الأساليب والتكتيكات؛ أسلوب المراوغة، والتسويف واستعراض القوة، والقيام بالمعارك والهجمات المتقطعة، وأسلوب التخدير".
وأضاف الكميم لـ"الخليج أونلاين": "الهجوم على الحد الجنوبي للسعودية أحد تلك الأساليب"، لافتاً إلى أن الجماعة تريد من وراء الهجوم إرسال رسائل ضغط وابتزاز للمملكة ودول التحالف.
وقال: "لدينا تجربة 20 سنة مليئة بالخداع واللف والدوران والكذب، وهناك عشرات الاتفاقات التي تمت مع الحوثين، وفي الأخير لم يلتزموا بأيٍ منها، بل على العكس، كانوا يعتبرون تلك الهُدن والاتفاقات فرصاً للاستعداد وإعادة الجاهزية، ثم الانقضاض مرة أخرى على الجبهات".
وشدد الخبير العسكري اليمني على أن "ما حصل في الحدود السعودية هو عمل متعمد، يريد الحوثيين من ورائه إيصال رسالة للسعودية، بأنه يجب أن تخضع للسلام الذي تريده الجماعة، كما أن الهجوم رسالة للداخل، لرفع معنويات أنصار الجماعة، بعد صدمة الانكسار الذي بدا عليه وفد الجماعة في الرياض، وقبولهم بالسعودية كطرف وسيط"، مؤكداً أن "الجماعة لن تخضع للسلام على الإطلاق".
خسائر البحرين في حرب اليمن
شاركت البحرين ضمن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن منذ انطلاق عاصفة الحزم، في 26 مارس 2015، ومنذ ذلك الحين سقط عدد من الجنود البحرينيين ما بين قتيل وجريح.
ووفقاً لرصد أجراه "الخليج أونلاين"، فقد بلغ عدد قتلى البحرين في اليمن 11 قتيلاً وعدد من الجرحى، آخرهم ضابط وجندي، قتلا يوم الاثنين، 25 سبتمبر 2023.
وفي 26 يونيو 2020، أعلنت قوة دفاع البحرين مقتل وكيل أول جمعة مبارك سالم، خلال مشاركته ضمن قوات التحالف العربي.
وفي 4 سبتمبر 2015، قتل خمسة جنود بحرينيين بهجوم صاروخي نفذته قوات الحوثي على أحد المواقع في محافظة مأرب شرق اليمن.
وفي أواخر ديسمبر 2015، قتل ثلاثة جنود بحرينيين، وأصيب آخرون، بهجوم، لم يتم الكشف عن تفاصيله حينها، وقع على الحدود بين اليمن والسعودية.