مرتضى حسين / ذا إنترسبت - ترجمة الخليج الجديد-
يبدو أن حرب "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية وتدحرجت إلى مواجهة شاملة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من جبهة، قد حولت "اتفاقات أبراهام" التي فاخرت الولايات المتحدة بتحقيقها بين تل أبيب ودول عربية وخليجية إلى "دمار كبير"، وإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن تتحمل الجانب الأكبر من هذا التدهور.
ما سبق كان خلاصة مقال نشره موقع "ذا إنترسبت"، والذي قال إن تجاهل إدارة بايدن للظروف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما الوضع في غزة، هو الذي تسبب في اندلاع "أعمال العنف" هذا الأسبوع، وهي الأعمال التي تتوسع باستمرار وتهدد بدخول أطراف إقليمية بها، وهو ما يجعل واشنطن مسؤولة عن تداعيات ما يحدث، وأهمه تدمير اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والخليجية.
تجاهل غزة
وأوضح كاتب المقال، مرتضى حسين، أن الإدارة الأمريكية ظلت تركز في سياستها للمنطقة على توسيع نطاق "اتفاقيات أبراهام" للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، معتبرا أن بايدن استثمر الكثير من الموارد ورأسماله السياسي في ذلك المنحى.
وقال إن فرضية الأمر الواقع كانت وراء تلك الاتفاقيات، وهي محاولة بادر بها الرئيس السابق دونالد ترامب وقادها صهره جاريد كوشنر، لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، و"ذلك ببساطة عبر تجاهل الفلسطينيين والتعامل معهم كأنما لا صلة لهم بالموضوع".
انهيار الاستراتيجية
ومضى بالقول إن "أحداث السبت" تكشف أن هذا النهج القائم على "إغفال" ما هو فلسطيني، قد انهار الآن، وأن التوقعات بأن الفلسطينيين سيستسلمون للموت البطيء -وهو الافتراض الذي من الواضح أن بايدن استمر في تبنيه- لم يكن واقعيا على الإطلاق، على حد قوله.
واستشهد المقال بحديث ليوسف منير، الباحث غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن، قال فيه: "إذا انتبهت إلى التصريحات العلنية لكل الحكومات في الشرق الأوسط فلطالما ظلت تشدد منذ سنوات على ضرورة الاهتمام بالقضية الفلسطينية ذلك لأنه لا يمكن تجاهلها".
وانتقد منير سياسة إدارة بايدن قائلا إنها تتجاهل الوضع المأساوي على الأرض، ربما أكثر من أي إدارة أمريكية أخرى، واصفا ذلك بأنه "جهل متعمد ينطوي على عواقب مدمرة للغاية".
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قد أشاد في مناسبة عامة يوم 29 سبتمبر/أيلول، بسياسة الإدارة في المنطقة، واصفا الأوضاع في المنطقة بأنها "أكثر هدوءا اليوم مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن".
لكن منير سخر من سوليفان، لافتا إلى أن "الجهل والغطرسة" التي دفعته للإدلاء بتصريح كهذا "أمر صاعق".
وأشار مقال "إنترسبت" إلى أنه "طالما كانت هناك تحذيرات من أن الأوضاع في القطاع بمثابة قنبلة موقوتة، فقد ظل أهالي غزة يرزحون تحت وطأة حصار دائم لأكثر من عقد ونصف العقد، دون بارقة أمل في عملية دبلوماسية تلوح في الأفق، ناهيك عن التوصل إلى حل. وقد ظل هذا اليأس يتراكم طيلة السنوات التي سبقت حرب السبت طوفان الأقصى".
مبادرة يحيى السنوار
ومضى حسين بالقول إن الولايات المتحدة آثرت الجلوس على الهامش، فيما تم اقتراح عملية دبلوماسية خارجة عن المسار، إلا أنها تعثرت.
وكشف أن قائد حركة "حماس" في غزة، يحيى السنوار كان قد بعث في عام 2018 رسالة باللغة العبرية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يطلب منه فيها أن يُقدِم على "مخاطرة محسوبة" بالموافقة على هدنة طويلة الأمد.
وكان من شأن تلك الهدنة، بحسب الكاتب، أن توقف إطلاق الصواريخ من غزة تجاه إسرائيل، بشرط إعادة إعمار بنية القطاع التحتية، غير أن نتنياهو رفض الفكرة، ومع ذلك لم تمارس واشنطن أي ضغط ملحوظ عليه.
اتفاقيات حالمة بالسعودية والإمارات
وتابع: "ظلت حكومتا ترامب وبايدن غير مهتمتين بتفاقم الأوضاع في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، بينما كان الدبلوماسيون الأمريكيون يذهبون إلى الرياض ودبي وأبوظبي وهم يحلمون هناك باتفاقيات اقتصادية وسياسية جديدة مبهرة لتسويقها على أنها منجز داخلي لتلك الإدارات".
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: "لقد حاول الفلسطينيون والإسرائيليون والمسؤولون في الدول المجاورة منذ فترة طويلة التحذير من الكارثة الوشيكة التي تحدث الآن، وحذروا من أن الوضع الراهن الفاسد في غزة يقترب من إنتاج صراع جديد وأكثر دموية".
وأردف: "إدارة بايدن ليست مسؤولة بشكل أساسي عن الرعب الذي يحدث الآن، ولكن نظرا للدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة، فإنها تستحق بلا شك نصيبا كبيرا من اللوم".
ومضى قائلا: "إن الصراع الذي نشأ على عدة خطوط صدع حضارية ودينية وإيديولوجية وعنصرية كبرى كان يستحق موارد دبلوماسية حقيقية واهتماماً من الولايات المتحدة، بدلاً من السعي وراء مشاريع الغرور التي تركز على كسب نقاط في السياسة الداخلية".
وبمجرد توقف إراقة الدماء في نهاية المطاف، فمن غير الواضح مقدار ما يمكن إنقاذه.