يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تملك دولاً عربية خصوصاً تلك التي لديها علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، خيارات كثيرة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين، من بينها طرد السفراء وإغلاق السفارات وقطع العلاقات.
لكن ومع مرور 13 يوماً على المجازر المرتكبة ورغم الضغوطات الشعبية الواسعة في بعض الدول العربية المطبعة كمصر والأردن والمغرب، إلا أن هذه الدول ومن سار في فلكها لم تعلن أي خطوة جدية ضد "إسرائيل" على عكس مواقف سابقة اتخذت خلال عقود سابقة.
كولومبيا التي طردت سفير "إسرائيل" رداً على مجازرها بحق الفلسطينيين، وضعت الدول العربية المطبعة في موقف محرجٍ خصوصاً وأن أي خطوة ستقوم بها ربما سيكون له تأثير على سير التطورات في غزة، ما يطرح تساؤلات مفادها هل ستذهب هذه الدول إلى خطوة كهذه، أم أنها ستلتزم الصمت وتتجاهل مطالب الشعوب العربية؟.
تجاهل لافت
تتواصل الحرب على غزة في يومها الـ13 منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، ومعها يتزايد عدد الضحايا ويتفاقم الوضع الإنساني في القطاع، وسط إدانات خجولة من الدول العربية والإسلامية، وغياب التحرك الجدي لوقف العدوان.
وحتى منتصف نهار اليوم الـ13 من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 3785 شهيداً والمصابين إلى أكثر من 13 ألف جريح فيما دمر الاحتلال 4821 مبنى سكنياً كلياً، تضم 12,845 ألف وحدة سكنية، وتضررت نحو 121,000 ألف وحدة سكنية جزئياً منها 9,055 وحدة سكنية غير صالحة للسكن.
وأمام كل هذه الخسائر البشرية والهدم الكبير الذي طال البنى التحتية، وقفت الدول العربية المطبعة مؤخراً في حرج كبير؛ فبعدما كانت تدعي أن التطبيع سيكون حلاً للفلسطينيين وسيكون حماية لهم من الانتهاكات المستقبلية، أصبح في الحقيقة دعماً وقبولاً مباشراً لهذا العدوان والانتهاك.
ووجدت الدول المطبعة أنفسها في موقف بالغ الحرج، في ظل فشلها في إيجاد مبرر لتقاربها مع "إسرائيل"، أمام الرأي العام في بلدانها، على الرغم من المطالبات باتخاذ خطوات جادة لوقف هذا العدوان.
واكتفى الأردن بإلغاء قمة رباعية كانت ستجمع الملك عبد الله الثاني بالرئيس الأمريكي والفلسطيني والمصري في عمّان (18 أكتوبر 2023)، بعد الهجوم المروع على مستشفى المعمداني بغزة، والذي أسفر عن مجزرة كبيرة راح ضحيتها نحو 500 شهيد.
غضب شعبي وخوف إسرائيلي
وبعد ساعات من هجوم الاحتلال على مستشفى المعمداني، حاول متظاهرون أردنيون غاضبون اقتحام مقر السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية بالعاصمة الأردنية عمّان، احتجاجاً على المجزرة.
واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن الأردني والمتظاهرين في محيط مقر السفارة والذين كانوا احتشدوا في مظاهرة انطلقت عقب المجزرة الإسرائيلية، واتجهت إلى مقر السفارة الإسرائيلية.
وفي السياق، قدم برلمانيون أردنيون مذكرة نيابية، لطرح الثقة بحكومة بشر الخصاونة في حال لم يطرد السفير الإسرائيلي من البلاد، وجاء في المذكرة "نطالب الحكومة بطرد السفير الإسرائيلي فوراً، وذلك تحت طائلة طرح الثقة بالحكومة في حال لم تستجب لطلب مجلس النواب بطرد السفير الصهيوني".
وشارك الشعب المغربي في تظاهرات في 52 مدينة على مدار أيام الحرب الأولى، دعماً لفلسطين وقطاع غزة، الذي يتعرض لقصف إسرائيلي مكثف ومتواصل، كما طالبوا بطرد سفير "إسرائيل"، فيما خرجت تظاهرات محدودة في مصر داعية لقطع العلاقات مع "إسرائيل".
وعلى ضوء تلك الاحتجاجات قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، (18 أكتوبر)، إن وزارة الخارجية الإسرائيلية قامت بإجلاء طواقم سفارتي "إسرائيل" في مصر والمغرب بسبب المظاهرات على الأوضاع في غزة، مشيرة إلى أن عملية الإجلاء تنضم إلى حالة التأهب القصوى المعلنة في جميع السفارات الإسرائيلية حول العالم.
لا علامات جادة
يؤكد المحلل السياسي مأمون أبو عامر، أن "لا مؤشرات أو علامات جادة تشير إلى أي موقف قد تتخذه الدول المطبعة، نظراً لهول المجازر المرتكبة وتجاهلها كل ذلك على الرغم من عدم احتياج بعضها لأي علاقة مع الاحتلال".
يشير أبو عامر في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أنه خلال الحروب السابقة "اتخذت الدول المطبعة مع (إسرائيل) أو فتحت مكاتب علاقات معها، خطوات بتجميد هذه العلاقات وطردت السفراء وسحبت سفرائها".
لكن وعلى الرغم من مرور 13 يوماً على الحرب، يرى أنه "لا يبدو أن ثمة شيء يؤكد أنها تتجه لأي خطوة إزاء ذلك، خصوصاً الإمارات والبحرين والمغرب والتي لا تحتاج أساساً إلى أي علاقات مع (إسرائيل) بعكس مصر والأردن بسبب حساسية الموقف والحسابات المختلفة".
ويضيف: "هذه الدول قادرة أن تتعامل مع جيرانها وغيرها بدون (إسرائيل)، ودون أي علاقات، لكن واضح أن الدول الثلاث تتجاهل ذلك في مؤشر سلبي لهذه الحكومات تجاه القضية الفلسطينية".
وتابع: "لم تتقدم خطوة واحدة تجاه مطالب شعوبها وتجاه الأمة العربية والإسلامية"، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي إلى "عزل هذه الأنظمة الحاكمة عن شعوبها والأمة، كما أن التاريخ سيسجل هذه اللحظات التاريخية ضدها".
وعلى الرغم من أمله في أن تستفيق هذه الدول "في هذا الوقت قبل أن ينتهي الموقف وتسيل مزيد من الدماء في غزة"، إلا أنه يرى أن هذه الدول "قضت أن تكون في الموقع المعادي للموقف الشعبي العربي".
ويلفت إلى مطالبة من وصفهم بـ"المطبعين" في الاجتماعات العربية "بإدانة المقاومة وليس إسرائيل وتحميلها المسؤولية"، متسائلاً في الوقت عينه "كيف سيطردون سفراء إسرائيل؟".
مطالبات واسعة
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ارتفع الصوت الخليجي المطالب بطرد السفراء الإسرائيليين، حيث أكد د. حمود النوفلي، الأستاذ المشارك بجامعة السلطان قابوس، في رسالة لحكام العرب أن "شعوبكم تطالبكم باتخاذ موقف شجاع أقله سحب السفراء، والتلويح بقطع الغاز والنفط عن الدول الداعمة للكيان".
أما الناشط راشد السعيدي، فرأى أن الخيارات أمام القادة العرب لوقف إبادة غزة كثيرة منها، "غلق المجال الجوي أمام طائرات الكيان وتكبيدها خسائر اقتصادية فادحة، وسحب السفراء للدول المطبعة مع الكيان".
أما حساب يعرف نفسه بـ "عضو سابق بالمجلس الوطني الاتحادي، و عضو سابق بالمجلس الاستشاري لإمارة الشارقة" فقال إن "كولومبيا دولة غير عربية ولا إسلامية وبالرغم من ذلك شعرت شعوراً إنسانياً من هول الجرائم الوحشية"، متسائلاً: "ماذا ينتظر العرب بعد هذه الوحشية؟".
أما عبد الله العمودي، فيؤكد ضرورة "أن يكون هناك مواقف حكومية جادة بدلاً من التصريحات وبيانات الشجب والاستنكار التي لن تغير من الواقع شيئاً، منها وقف تصدير النفط والغاز، وسحب الاستثمارات الخارجية، وسحب السفراء".
وبدوره تسائل طارق سعيد، "ماذا لو قرر كل العالم العربي والإسلامي سحب سفرائه من كل الدول الأوروبية وأمريكا التي أيدت الاحتلال الصهيوني".
أما الشيخ علي المحروقي، أمين عام مجلس الشورى سابقاً في عُمان فقال إن "المطلوب موقف جاد حازم، الآن نحن معنا جيوش وسياسات ثابتة على الأقل سحب السفراء".
من التاريخ
منذ بدء العلاقات بين مصر و"إسرائيل" عام 1973، سحبت القاهرة سفيرها من "تل أبيب" عدة مرات؛ فأثناء حكم الرئيس حسني مبارك، عام 1982 تدهورت العلاقات بين الجانبين بسبب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وظلت السفارة المصرية في تل أبيب بدون سفير حتى العام 1986.
ومرة أخرى في العام 2000، حيث غاب السفير المصري عن تل أبيب لمدة 5 سنوات بسبب أحداث المسجد الأقصى والانتفاضة الثانية ومرة ثالثة أثناء حكم الرئيس محمد مرسي عام 2012 احتجاجاً على شن "إسرائيل" غارات جوية واسعة على قطاع غزة، وعاد بعدها بثلاث سنوات.
بعد ثورة 25 يناير في مصر، قتلت "إسرائيل" جنوداً مصريين على الحدود بين البلدين في أغسطس 2011، ليقتحم متظاهرون مبنى السفارة الإسرائيلية في 9 سبتمبر 2011، وأجبروا الدبلوماسيين على المغادرة.
وفي سبتمبر 2015، عاد الدبلوماسيون الإسرائيليون للعمل من السفارة الإسرائيلية في القاهرة بعد تعيين القاهرة سفيراً لها في "تل أبيب" قبلها بعدة شهور.
أما الأردن ورغم بعض التوترات بين البلدين، لكنها لم تصل إلى قطع العلاقات على الرغم من مطالبات وتصويت مجلس النواب الأردني، وكان أبرز الأزمات عام 1997، حينما هدد الملك الحسين بإلغاء المعاهدة مع "إسرائيل" إذا لم تقدم الترياق للسم الذي حاول عناصر من الموساد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، قبل أن يقدم الترياق لاحقاً لعمّان.