متابعات-
تحظى القمة العربية المرتقبة في المنامة، والمقرر لها في السادس عشر من مايو القادم، بأهمية كبيرة وسط تصاعد التوترات الإقليمية والقضايا الحاسمة التي تواجه العالم العربي.
أول قمة عربية تعقد في البحرين، ينتظرها ملفات غاية في السخونة، تتزايد أهميتها بتزايد توترات الأحداث في المنطقة، فمن ناحية لا تزال الأزمة في غزة تلقي بظلالها على المنطقة والعالم، ودخلت التوترات بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران لتزيد الإقليم اشتعالاً.
ولعل تصريحات رئيس مجلس النواب في البحرين، أحمد بن سلمان المسلم، عن القمة المنتظرة، تأتي في سياق ما وصفه بـ"رؤية المملكة في دعم العمل العربي المشترك"، وهو ما يشير إلى أن المنامة تضع للقمة المنتظرة التعاون والأمن والسلام كأولويات.
وقد جاءت زيارة ملك البحرين، الملك حمد بن عيسى، لكل من مصر والأردن لتؤكد رغبة المملكة في إنجاح القمة والخروج بقرارات فاعلة ترقى إلى مستوى التحديات التي تمر بها المنطقة، لا سيما أنه بحث مع زعيمي البلدين ما يخص القضية الفلسطينية وخطر تداعيات التوترات الأخيرة، ومن ثم ضرورة وضع سياسة عربية واضحة لوقف التصعيد بمنطقة الشرق الأوسط وضمان السلام والأمن والاستقرار الإقليمي.
وفي هذا الإطار أكدت السفيرة المصرية في المنامة، ريهام عبد الحميد، لوكالة الأنباء الرسمية "بنا"، أهمية القمة العربية المنتظرة، وضرورة التنسيق الدائم والوثيق بين البحرين وكل الدول العربية وخاصة مصر، من أجل بلورة مواقف عربية موحدة، والتأكيد على وحدة الصف.
وكان ملك البحرين قد أرسل برسالة خطية للملك سلمان بن عبد العزيز، تسلمها نيابة عن الملك، بصفته رئيس القمة العربية السابقة، استعرض فيها القضايا التي تهم البلدين وتناولت سبل التعاون في المجالات كافة، ورغم عدم إعلان تفاصيل تخص القمة في الرسالة، فإنها جاءت تزامناً مع استعدادات المنامة لها، وبعد أيام من توزيعها دعوات لجميع القادة العرب لحضورها.
ورغم أن أجندة القمة لم تعلن بعد فإنه من المتوقع أن تكون القضية الفلسطينية والحرب في غزة في صدارة مناقشات القادة العرب، كما ينتظر أن يكون من ضمن أولويات قادتها ضمان الأمن الإقليمي، في ظل التهديدات الأمنية المختلفة التي تواجه المنطقة.
وعلى الصعيد نفسه، ونظراً للتطورات الجيوسياسية في المنطقة، ينتظر أن يقف القادة العرب ملياً عند النفوذ المتزايد لإيران، وتحركاتها وأذرعها في المنطقة التي تهدد سلامة التجارة والملاحة للدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، إلى جانب الأزمة الإنسانية في اليمن وسوريا.
قمة الأمل والتحديات
ويرى الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن القمة العربية المرتقبة في المنامة "ستكون قمة مهمة بامتياز"، ويرجع ذلك إلى الملفات المهمة التي تنتظر القادة العرب، وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والتهديد باجتياح رفح، والانتهاكات المتزايدة على الضفة الغربية.
ويضيف المحلل السياسي السعودي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن التطورات الأخيرة بين الكيان الإسرائيلي والنظام الإيراني والقصف المتبادل بينهما منذ مطلع الشهر الجاري، والرد عليه، الذي كان آخره القصف الإسرائيلي، يوم الجمعة، على إقليم أصفهان المعروف باحتوائه على العديد من المواقع النووية الإيرانية، يشكل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة العربية.
وينظر آل عاتي بعين التفاؤل لهذه القمة؛ "نظراً لديناميكية الدبلوماسية البحرينية وتكاتف العمل العربي الخليجي لإنجاح القمة"، يضاف إلى ذلك "طبيعة العلاقات القائمة بين الكتل العربية والكتل النظيرة، سواء الغربية أو الإقليمية والمنظمات الدولية".
وإذا كان الملف الأبرز الآن، وبعد القمة الأخيرة في الرياض، هو ملف العدوان الإسرائيلي على غزة، نظراً لتصعيد العنف على المدنيين في غزة والأزمة الإنسانية المستمرة، لا سيما أن القمة العربية الــ 32 في الرياض قررت تشكيل لجنة وزارية لمتابعة الأزمة في القطاع، فإن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من التوترات والتحديات التي تواجه الفلسطينيين، وخفض التصعيد في المنطقة سيكون الملف الأبرز لقمة المنامة.
غزة لا تنتظر حلاً
وفي هذا الإطار يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدوحة، أديب زيادة، إن القمة العربية المرتقبة لن تخرج عن الخطوط العريضة التي خرجت بها قمة الرياض العام الماضي، "فاللجنة التي تم تشكيلها والتي كان من المفترض أن تعمل على الصعيد الدولي والإقليمي من أجل وقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ووقف جرائم الإبادة الجماعية التي كانت ترتكب، ولا تزال، إلا أن النتيجة كانت صفرية، رغم اتفاق 57 دولة عربية وإسلامية وعربية على وقف العدوان، والنتيجة أن الاحتلال لا يزال يمارس مجازره بحق المدنيين".
وطالب "زيادة"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، بعمل جاد من قبل قادة القمة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، والعمل بكل الطرق لتحريك وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية، ووقف الإبادة الجماعية لشعب غزة، ومن ثم وقف خطة التهجير التي يعمل عليها الاحتلال من خلال أدواته الخشنة بإرهاب المدنيين.
وأكد أنه "إن لم تتحرك قمة المنامة في هذه الملفات فيما يخص القضية الفلسطينية، فلن تخرج القمة المنتظرة عن حال القمم العربية السابقة التي بات المواطن العربي لا يعول عليها وينظر إليها نظرة استخفاف".
وعلى الرغم من ذلك فإن الأوضاع التي تنعقد فيها القمة تدفع إلى مواقف أكثر جدية من القادة العرب، "إذ ينتظر الشارع العربي، الذي سبق قادته بخطوات، أن يعزز التضامن من القدرات لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، فالقمة تعقد في ظروف استثنائية وفاصلة تاريخية تستوجب عملاً جاداً للوقوف أمام هذه التحديات"، وفق "زيادة".
قمة "غاية في الاستثنائية"
ويعلق الأكاديمي والباحث في الشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، على الظروف التي تعقد فيها قمة المنامة بأن "كل القمم العربية تعقد في ظروف استثنائية، لكن القمة هذه المرة أمام ظروف غاية في الاستثنائية، إذ إن الأمة العربية والمنطقة بأكملها أمام منعطف تاريخي، فهناك مقتلة بشعة من الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة"، معتبراً أن "مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر 2023 تختلف كلياً عما سبقها، فالمنطقة تواجه استحقاقات استثنائية وتاريخية".
وعن الاستحقاقات التي تواجهها قمة المنامة، قال الغيلاني لـ"الخليج أونلاين": إن "المسار الذي كانت تسير فيه المنطقة في علاقتها مع "إسرائيل" تبدلت المعادلة الجيوسياسية بعد السابع من أكتوبر، إذ إن الجميع أيقن أن "إسرائيل" ليست الدولة التي يمكن الاعتماد عليها في تثبيت أمن المنطقة، كما أن الحالة الشعبية الداعمة للمقاومة التي تشكلت، ستكون عاملاً في المعادلة الجيوسياسية للمنطقة".
ويرى الغيلاني أن هذه الحالة التي نشأت بعد السابع من أكتوبر "جعلت الجهات الداعمة للمقاومة أكثر جرأة على الاحتلال، وإن كانت مواقفها متفاوتة، لكنها في النهاية متماهية مع الحالة الشعبية المساندة للمقاومة، لكنه مع ذلك يشكل تبايناً بين الدول العربية وهو ما سينعكس على المقرات والمخرجات المنتظرة من قمة المنامة".
وفي سياق الحديث عن المواجهة التي بدأت بين إيران و"إسرائيل"، قال الغيلاني: إن "هذا معطى هام أمام قادة العرب في القمة، إذ إن المواجهة هذه مباشرة وليست عبر وكلاء، ما يعني تدشين مرحلة جديدة لإدارة الصراع بينهما؛ فعلى القمة العربية أن تواجه هذا المعطى، فهي معنية به، وخاصة دول الخليج، ومن ثم ستنعكس على البيان الختامي للقمة".
بيان تقليدي
وبالحديث عن مخرجات القمة، قال أديب زيادة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدوحة: إنها "لن تخرج عن سابقاتها من القمم السابقة، وأن الضريبة الكلامية ستدفع والبيانات ستخرج في إطار المناشدات للقوى الكبرى وأمريكا والمجتمع الدولي دون أي حراك حقيقي للدول الوازنة في المنطقة".
فيما رأى الأكاديمي والباحث في الشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، أن بيان القمة "سيتضمن العبارات الكلاسيكية المعتادة، من قبل تخفيض التصعيد والدعوة لوقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات، لكن على مستوى التداول الداخلي ستكون التباينات حاضرة رغم البيان الدبلوماسي الرسمي".