يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، في ظل حرص قادة هذه الدول على تعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات، وذلك رغم الانزعاج الأمريكي من هذا التقارب، خصوصاً مع الحرب المستمرة في أوكرانيا.
وبدت زيارة ملك البحرين إلى موسكو، في خضم الصراع المستمر في أوكرانيا، وتطورات المشهد في المنطقة، تشير إلى ما يمنحه الطرفان من أهمية لشراكتهما واحتياج كل طرف للآخر في المجالات كافة.
وربما ترى دول الخليج في تراجع اهتمام واشنطن بأمن الشرق الأوسط خطراً وجودياً على أمنها، ودفعت تلك الآثار الأمنية في المنطقة الناتجة عن صراع القوى العظمى، دول الخليج لتطوير علاقاتها مع الدول المنافسة للولايات المتحدة، ولا سيما الصين وروسيا.
زيارة لافتة لروسيا
في الـ22 من مايو 2024، وصل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إلى موسكو، في زيارة لافتة لزعيم خليجي إلى روسيا وسط التصعيد العسكري والسياسي بين أمريكا والدول الغربية من جهة، والكرملين من جهة أخرى.
وبلقاء عقد في الـ23 من مايو، دعا ملك البحرين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى دعم مؤتمر سلام دولي في المنامة، معتبراً أنه "لا قيمة لهذا المؤتمر من دون دعم روسيا".
وتوجه ملك البحرين بكلمات لافتة إلى بوتين قائلاً: "أصدقاؤكم العرب يكنون لكم كل المحبة والتقدير لدور روسيا في تعاطفها مع القضايا العربية العادلة"، مشيراً إلى أن الهدف من الزيارة "تطوير التعاون في مختلف المجالات الثنائية.. كذلك من أهم أهداف الزيارة هو إطلاع فخامتكم على نتائج القمة العربية".
وعقب زيارة موسكو، سيزور ملك البحرين الصين بناء على دعوة من الرئيس شي جين بينغ، للمشاركة في الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون العربي الصيني.
وأوضحت وكالة الأنباء البحرينية "بنا" أنه سيجري في بكين أيضاً "مباحثات مع الرئيس الصيني تتصل بعلاقات التعاون المشترك بين البلدين الصديقين والتطورات الإقليمية والدولية الراهنة، ونتائج القمة العربية الـ33 التي استضافتها مملكة البحرين، في 16 مايو الحالي".
التقارب مع بكين وموسكو
وتولي مملكة البحرين وروسيا أهمية كبيرة لتعزيز العلاقات بينهما، وتطوير أوجه التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات، ومنها التعاون العسكري.
وللبلدين مشاريع مشتركة في المجال العسكري التقني، كما أطلقتا لجنة للتعاون في هذا الإطار، ووقعتا في عام 2014 اتفاقية ضمن برنامج التحديث والتطوير لقوة دفاع البحرين بهدف تعزيز التعاون والتنسيق العسكري.
وفي 2015، وقع الجانبان اتفاقية تهدف لتنمية وتقوية علاقات التعاون العسكري، وبعدها بعام واحد أُبرمت اتفاقية مشابهة، وقعها من الجانب البحريني حينها وزير شؤون الدفاع يوسف بن أحمد الجلاهمة، ومن الجانب الروسي سيرغي شويغو وزير الدفاع.
وتؤكد البحرين وروسيا سعيهما إلى تعزيز وتطوير أوجه التعاون الثنائي في هذا المجال، وهو ما ناقشته زيارة وفد روسي إلى المملكة، في أكتوبر الماضي، جرى خلالها تأكيد عمق العلاقات بين البلدين.
أما مع الصين فقد عملت دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها البحرين، وعلى مدى العقدين الماضيين، على زيادة العلاقات الاقتصادية السياسية والأمنية بينهما.
تنويع العلاقات ومؤتمر السلام
عن زيارة ملك البحرين إلى روسيا يشير الباحث في العلاقات الدولية، أحمد مولانا، إلى حرص المنامة على تنويع علاقاتها الخارجية.
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" بقوله: "تأتي علاقتها مع واشنطن بالدرجة الأولى، إذ إن فيها مقراً للأسطول الأمريكي، لكن دول الخليج عموماً، ومن ضمنها البحرين، حريصة على تنويع علاقاتها الخارجية دون المساس بعلاقتها مع الولايات المتحدة".
ولفت إلى أنه ضمن تنويع العلاقات جاءت زيارة ملك البحرين للصين وروسيا، مبيناً في الوقت ذاته أن "الصين من أكبر مستوردي النفط من الخليج، ومن أبرز المصدرين للبضائع إلى الخليج".
كما أشار إلى زيارة الرئيس الصيني للسعودية وحضوره قمة لمجلس التعاون الخليجي، مضيفاً: "لذا فحدوث زيارات من ملك البحرين لموسكو أو بكين يندرج ضمن هذا التوجه الخليجي".
بدوره يرى الكاتب والإعلامي البحريني جواد عبد الوهاب، أن هذه الزيارة تأتي في إطار ترؤس البحرين للقمة العربية، التي قررت في مؤتمرها الأخير في المنامة عقد مؤتمر دولي للسلام.
وبناء على ذلك فإن الزيارة التي قام بها الملك البحريني إلى روسيا، حسب عبد الوهاب، "هدفها الأولي هو دعوة الرئيس بوتين لحضور هذا المؤتمر وأخذ موافقته على ذلك".
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه على هامش هذه الزيارة طرحت البحرين عدة ملفات تتعلق بالعلاقات الروسية البحرينية ووقعت عدة اتفاقيات تجارية ودبلوماسية بين البلدين.
أما الأمر الأهم، بحسب عبد الوهاب، فيتعلق بما طرحه ملك البحرين وطلبه من الرئيس بوتين، وهو "التوسط لدى إيران من أجل إعادة العلاقات بين البلدين".
ومخالفاً لما طرحه الباحث مولانا بشأن هذه الزيارة، يقول الكاتب البحريني، إن "زيارة الملك للصين وغيرها ليست لها علاقة بنهج جديد في العلاقات أو ما يسمى بمنهج تنويع العلاقات الدولية كالذي انتهجته المملكة العربية السعودية ودول أخرى".
وأرجع ذلك إلى أن البحرين "لا تمتلك ذلك الثقل السياسي والاقتصادي الذي من خلاله تستطيع أن تقفز قفزات من هذا الطراز".
التوازن الدولي
وخلال الأعوام القليلة الماضية، وفي خضم حالة عدم اليقين الدولية، أصبح لدى دول الخليج القدرة على تحقيق توازن دقيق بين الشركاء القدامى والجدد.
وشكلت الحرب الروسية- الأوكرانية، وحرب غزة، جرس إنذار استراتيجي لجميع دول العالم، مفاده أن النظام الدولي بعد هذه الحرب والصراعات المحتملة لن يكون كما قبلها، وأن نظاماً متعدد الأقطاب بدأ يلوح في الأفق، وهو ما يحتم على الدول مراجعة حساباتها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية.
وبالنسبة لدول الخليج العربي فإن عمليات إعادة التقييم بدت معقدة بشكل متزايد، حيث بات عليها الموازنة بين الحليف التقليدي الأمريكي والقطب الآخر المتمثل بالصين وروسيا.
وعلى الرغم من التقارب مع إيران فإن دول الخليج ترى أيضاً أهمية الدورين الروسي والصيني في كبح جماح طهران، خاصة إذا انهار الاتفاق النووي (نهائياً) وتحولت الدولة الفارسية إلى نموذج كوري شمالي جديد في المنطقة.