يوسف حمود - الخليج أونلاين-
مرت العلاقة بين البحرين وإيران بمراحل عديدة، أهمها بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وصولاً إلى التوترات بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة، التي تزامنت مع الأزمة الخليجية الإيرانية.
وظلت العلاقات البحرينية الإيرانية متوترة على مر السنين، مع اتهامات متكررة من المنامة لطهران بالتدخل في شؤونها الداخلية.
وفي أعقاب هذه التطورات، أخذت علاقات المنامة وطهران في التحسن مؤخراً بشكل متصاعد، وكان للتقارب السعودي الإيراني دور مهم فيها، وقد توج ذلك بتصريحات لافتة مؤخراً من ملك البحرين، وبإرسال وفد للتعزية في مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
تصريحات لافتة
بالتزامن مع زيارته إلى موسكو (23 مايو 2024)، قال العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، خلال اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن المنامة تتطلع إلى تحسين علاقاتها مع طهران.
وقال: "لقد كانت لدينا مشاكل مع إيران، لكن الآن لا توجد أي مشاكل على الإطلاق. لا يوجد سبب لتأجيل تطبيع العلاقات مع إيران"، بحسب وكالة أنباء البحرين الرسمية "بنا".
وأضاف: "نحن نفكر في حسن الجوار مع جيراننا بصورة عامة، وهم بلا شك كذلك، نحاول أن تكون بيننا وبينهم علاقات طبيعية دبلوماسية تجارية ثقافية، ولا شك مرة أخرى في دعم فخامتكم لهذا الأمر، وهذا شيء مرحب به من جانب أهل البحرين عموماً، ومن جانبي شخصياً".
واستطرد قائلاً: "بصورة عامة فإن العلاقات بين جميع الدول تعتبر جيّدة، ولكن فقط بخصوص حل المشاكل بين إيران والبحرين فإنه في الواقع لا تعتبر مشاكل".
ولفت إلى أنه "لا يوجد أي سبب يدعو للتأجيل (الاتفاق مع إيران)، ونريد لأهل البحرين محبّة إيران ولهم تاريخ مع إيران، وهناك زيارات أيضاً إليها، ونصبو إلى أن تتطور الحياة والتنمية والتجارة بصورة إيجابية".
وسارعت إيران للتعليق على التغير بالخطاب البحريني، حيث أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، عن شكر بلاده للمواساة التي أبداها العاهل البحريني، مؤكداً أن طهران ستأخذ في الحسبان تصريحاته حول تحسين العلاقات بين البلدين.
وبيّن أن إحدى ثمار السياسة الاستراتيجية الموجهة نحو الجوار التي اتبعتها الحكومة الثالثة عشرة، والتي أكد عليها الراحلان الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، كانت "إزالة سوء التفاهم وتعزيز العلاقات مع الجيران".
دبلوماسية العزاء
وقد عكس الحضور الخليجي اللافت في مراسم عزاء الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، اهتماماً لدى الطرفين بتطوير العلاقات التي شهدت توتراً على مدى أكثر من 4 عقود منذ قيام الثورة في إيران.
ولم تقتصر وفود دول الخليج إلى طهران على السعودية وقطر والكويت والإمارات وعُمان، فحتى البحرين التي لا تزال في حالة قطيعة دبلوماسية مع إيران، بعثت وزير خارجيتها عبد اللطيف الزياني.
وقالت وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية، إن زيارة وزير الخارجية البحريني للبلاد هي الأولى منذ 13 عاماً، مشيرة إلى أن ملك حمد بعث برقية تعزية للمرشد الإيراني علي خامنئي.
وكان لافتاً في تشكيل وفد البحرين، التي ليس لديها سفير في طهران، أنه ضم سفير المملكة في سلطنة عمان جمعة الكعبي، فلطالما نهضت مسقط بدور الوسيط الموثوق للمفاوضات مع إيران، سواء مع الدول الخليجية أو مع دول أخرى، إذ تتمتع بعلاقات تاريخية مع الدولة الفارسية، إلى جانب الشراكة الجغرافية بمضيق هرمز، أحد أهم منافذ النقل البحري في العالم.
تجنب التوترات
يرى الباحث السياسي المتخصص في العلاقات الإيرانية الخليجية عدنان هاشم، أن من مصلحة إيران ودول مجلس التعاون الخليجي الوصول إلى تهدئة إقليمية، وتجنب التوترات، "وهو أمر اتجهت له الرياض وأبوظبي قبل المنامة".
ويتحدث هاشم حول وجود مقر الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، ومقر عمليات "حارس الازدهار" الجارية في المنطقة لصد هجمات الحوثيين الموالين لإيران، مشيراً إلى أن وجود هذه القوات في البحرين "يجعلها مصدر توتر دائم للأمن القومي الإيراني".
وأكد لـ"الخليج أونلاين" أن هذا التوتر قد يأتي "خاصة مع عدم جنوح البحرين إلى مصالحة مع النظام في طهران من أي نوع، وهو أمر تختلف فيه عن الإمارات".
ويشير إلى أنه منذ شهر أبريل الماضي، بعد التصعيد الإيراني/الإسرائيلي، "كثف الاستراتيجيون والإيرانيون رسائلهم التحذيرية لدول المنطقة التي توجد فيها قواعد عسكرية أمريكية وغربية من استخدام أراضيها لمهاجمة إيران، والبحرين أضعف دول المنطقة عسكرياً؛ لذلك تبحث عن ضغوط روسية على طهران من أجل تطبيع العلاقات".
ويعتقد أن صناع القرار في دول مجلس التعاون وإيران "يعرفون جيداً حساسية اللحظة على أمن المنطقة، وأن أبسط المتغيرات والسياسات المشحونة بالفعل يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية يصعب تلافي تأثيرها على مستقبل الجوار، فمهما كانت الخلافات فإن عليهم إدارتها باعتبار تشاركهم الجغرافيا وأمنها الإقليمي".
بدوره يرى الكاتب والإعلامي البحريني جواد عبد الوهاب، أن ملك البحرين بطلبه هذا "يكون -وبذكاء- قد ألقى الكرة في الملعب الإيراني".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: "أي متلقي لجملة الملك سيعتقد مباشرة أن مشكلة العلاقات بين الجانبين هي في طهران نفسها".
العلاقات والتوترات
استمر توتر العلاقات البحرينية الإيرانية على مر السنين، مع اتهامات متكررة من المنامة لطهران بالتدخل في شؤونها الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بأفراد الطائفة الشيعية، التي تقول طهران إنهم يتعرضون "للظلم" في المملكة السنية.
وفي 2015، استدعت المنامة السفير الإيراني اعتراضاً على "التدخل" في شؤون البلاد، بعد تصريحات للمرشد دعا فيها إلى "نصرة المظلومين" في البحرين.
وقطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في يناير 2016، بعد قرار مماثل من حليفتها الكبرى السعودية، وذلك رداً على هجوم على سفارة الرياض لدى طهران وقنصليتها بمدينة مشهد من قبل إيرانيين محتجين.
ورحبت المنامة بالاتفاق الأخير بين الرياض وطهران، إذ أعربت وزارة الخارجية عن أملها في أن "يشكل خطوة إيجابية على طريق حل الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية كافة بالحوار والطرق الدبلوماسية، وإقامة العلاقات الدولية على أسس من التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى".
وكانت طهران والرياض قد أبرمتا اتفاقاً تاريخياً، في مارس من العام الماضي، بوساطة صينية، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، بعد 7 سنوات من التوتر الدبلوماسي والعسكري في المنطقة مع دعم كل منهما لأطراف إقليمية مختلفة.
ولا شك في أن العلاقة بين إيران والبحرين تكتسب بعض الخصوصية، ففي المملكة مجموعات شيعية نشطة سياسياً أكثر من غيرها، فضلاً عن إعلان المنامة المتكرر ضبط خلايا إرهابية مرتبطة بطهران، خلال الأعوام الماضية.
كما أن التقارب البحريني الإسرائيلي لم يرُق لطهران التي تعتبر نفسها عدواً لدوداً لتل أبيب، حيث انتقدت الخارجية الإيرانية افتتاح المبنى الجديد لسفارة الاحتلال بالمنامة، في 4 سبتمبر الماضي، مؤكدةً على لسان المتحدث باسمها، أن "أي تطبيع مع كيان الاحتلال يتناقض مع المسؤوليات الإنسانية والأخلاقية والدولية تجاه دعم حقوق الشعب الفلسطيني"، وفقاً لوكالة "تسنيم" الإيرانية.