هاني الفردان- الوسط البحرينية-
تنص المادة الرابعة من الدستور البحريني باب اﻟﻤﻘﻮﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ على أن «(...) الحرية واﻟﻤﺴﺎواة واﻷﻣﻦ واﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻀﺎﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺗﻜﺎﻓﺆ اﻟﻔﺮص ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ دﻋﺎﻣﺎت ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﻜﻔﻠﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ».
تكلمنا كثيراً في مسألة نشر صور المتهمين، ورغم قناعتنا التامة، بأن نشر صور المتهمين قبل إدانتهم في المحكمة يعد «مخالفة» صريحة لنص دستوري، وهو ما تؤكّده أيضاً المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة رسمية معينة.
في التقرير السنوي للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أكّدت المؤسسة أن «الحق في التمتع بضمانات المحاكمة العادلة مازال عرضة للانتهاك» في البحرين، وذلك من خلال نشر صور المتهمين قبل إدانتهم.
نيابة الجرائم الإرهابية أعلنت الأربعاء (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) على لسان رئيسها المحامي العام أحمد الحمادي عن انتهاء التحقيق في واقعة تشكيل فرع لجماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون (ما يسمى بـ «تنظيم داعش»)، وإحالة أربعة وعشرين متهماً إلى المحكمة المختصة منهم ثمانية متهمين محبوسين وستة عشر هاربين، واتهامهم بإنشاء فرع لجماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون وتولي قيادة بها والانضمام إليها وحيازة الأسلحة والتدريب على استعمال الأسلحة والمفرقعات تنفيذاً لأغراض إرهابية وكذا الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي للدولة بالقوة والتهديد.
كما أعلنت نيابة الجرائم الإرهابية عن «أن ثمانية من المتهمين خططوا للإعداد لعمليات انتحارية داخل دور العبادة في البحرين»، وهي مسألة خطيرة جداً تتطلب أيضاً «إحاطة المجتمع بالإجراءات الأمنية ولطمأنته والتهدئة من روعه» في ظل تزايد أعمال التفجيرات التي تطال دور العبادة في الشقيقة المملكة العربية السعودية ووصولها دولة الكويت أيضاً.
مبررات نشر صور المتهمين من قبل الجهات الرسمية تتم وفقاً لنص قانوني (المادة 246 المعدلة بقانون العقوبات) التي تجيز للنيابة العامة نشر صور وأسماء المتهمين بحسب ما يتوافق والصالح العام، حتى وإن لم يصدر حكم نهائي؛ وذلك لإحاطة المجتمع بالإجراءات الأمنية لصد الأعمال التخريبية، ولطمأنة المجتمع وتهدئة روع المواطنين والمقيمين، ومراعاة للمصلحة العامة.
هل قضية نشر تغريدات يمكن أن تعد مسألةً خطيرةً تُنشر بسببها صور وأسماء متهمين (كان ذلك في يوم الثلثاء 27 يناير/ كانون الثاني 2015) إذ نشرت صور وأسماء تسعة متهمين اتهموا بـ «إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي»، وهل ذلك النشر كان لـ «طمأنة المجتمع وتهدئة روع المواطنين والمقيمين»، فيما الإعلان عن «خلية إرهابية» وإعدادها لعمليات انتحارية داخل دور العبادة في البحرين وحيازة الأسلحة والتدريب على استعمال الأسلحة والمفرقعات تنفيذاً لأغراض إرهابية وكذا الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي للدولة بالقوة والتهديد، لا يستحق نشر صور واعترافات المتهمين؟!
مبدأ «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، موجود في كل قوانين العالم. وحق الإنسان المتهم الذي كفلته مادة دستورية لا يشوبها غبار، ولا يمكن الجدال فيها أو تأويلها، فقد نصت الفقرة (ج) في المادة (20) من الدستور على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون»، وكذلك الفقرة (د) من المادة نفسها، على أنه «يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً».
نشر صور المتهمين في منظور المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان «انتهاك لضمانات المحاكمة العادلة»، وأكّدت أن ذلك «يمسّ الكرامة الإنسانية للمتهم، حيث أن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان تثبت بشكل قاطع لا لبس فيه، أنه يجب على القائمين على إنفاذ القانون سواء في جمع الاستدلالات أو مرحلة التحقيق الابتدائي، أو أثناء نظر الدعوى أمام القضاء، أو حتى السلطات العامة في الدولة، عدم التعبير عن آرائها علانيةً فيما يتعلق بذنب المتهم قبل أن تتوصل المحكمة إلى حكم نهائي في الدعوى، بل يجب منعها من إثارة الشبهات مسبقاً حول أشخاص ينتمون إلى جماعة عرقية أو أثنية أو طائفية بعينها، إذ إن هذين (الأمرين) النشر وإثارة الشبهات، من شأنهما التأثير مباشرةً في الرأي العام، مما يولد قناعةً تسير في ذات الاتجاه لدى المحكمة المنظورة أمامها الدعوى».
موقفنا واضح، فنحن ضد نشر أسماء وصور المتهمين أينما كانوا ومن أي طرف، ولكن يبقى السؤال: لماذا نشر أسماء وصور المتهمين، لا يطبق على الجميع رغم تشابه القضايا؟