حمد العامر- الايام البحرينية-
تحبس دول مجلس التعاون انفاسها حول ما يجري حولها، بعد ان تفاقمت الانقسامات التي اصابت ثوابت الأمة العربية وسيادتها الوطنية وتجاوزت حتى الحد الأدنى للاتفاق حول سياساتها وتعاليم دينها، لتخيم عليها بعد 1400 عام خلافات حادة حتى على ابسط الأشياء كمواعيد عطل أعيادها ورأس السنة الهجرية والتاسع والعاشر من عاشوراء.. اذاً ماذا تبقى؟ وماذا نحن فاعلون كأمة عربية فيما يجري من حولنا؟ امام هذا المد الهائل وغير المسبوق من المخططات والمؤامرات التي تهدد استقلالها وسيادتها ووجودها. لقد وصلت الأمة العربية - للأسف - الى مرحلة وقفت فيه عاجزة عن حل مشاكلها في بيت العرب (الجامعة العربية) بعد ان سمحت للولايات المتحدة الامريكية وروسيا وايران ان تتدخل في شؤونها الداخلية وتتلاعب في مستقبل أجيالها !!. ألم يحن الوقت بأن نتبصّر من حولنا كخليجيين في البحث عن طوْق النجاة الذي وضعه أمامنا منذ ديسمبر عام 2011 الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بالانتقال من مرحلة التعاون الى الاتحاد الخليجي وهو التطور الطبيعي جدا لأنجح تجربة وحدوية عربية قامت منذ اكثر من ثلاثين عاما.
مما لا شك فيه ان التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط نتيجة المتغيرات الاقليمية الجديدة، اعادت رسم خريطة القوى والتحالفات في المنطقة، وبالنظر الى الموقف الامريكي والروسي من هذه المتغيرات وتنامي مصالحهما والخلاف القائم بينهما حول اهم الملفات في المنطقة وخاصة ملف الأزمة السورية الذي يعتبر في نظري مفتاح حل أزمات المنطقة بالطريقة التي تريدها القوتان العظميان وليس تبعاً لما نحن نريده كدول عربية او خليجية. فهم يتحدثون عن طبخة سياسية بين الأمريكان والروس بعد الزيارة السرية التي قام بها الرئيس بشار الأسد الى موسكو واجتماعه مع الرئيس بوتين التي تقوم على قبول بقاء الأسد ونظامه (رمزياً) لفترة لم تحدد يتنحى بعدها فور تشكيل هيئة الحكم الانتقالي ومباشرة عملها.الا ان كل شيء في نظري سيبقى جامداً ويعتمد على الموقف الروسي الذي لم يتغير منذ بدء الأزمة.
لذلك فان اي اجتماع سيعقد لحل الأزمة السورية سوف يصطدم بالموقف الروسي ولن يصل الى حل والسبب في ذلك ان روسيا لا تعتبر دولة مشاركة فيما يجري حولها، كونها دولة طرف في المعركة الدائرة في سوريا ولها صلة وثيقة بقضايا مصيرية اخرى تحظى باهتمام روسيا كالأزمة الاوكرانية. هذا الموقف الروسي تدفع ثمنه في الحقيقة دول مجلس التعاون التي لم تؤطر علاقاتها مع روسيا وتضع الركائز الاستراتيجية المطلوبة التي تحقق التوازن اللازم في علاقاتها بين كل من الولايات المتحدة وروسيا منذ وصول الرئيس بوتين للحكم في 8 مايو 2000 الذي عمل على اعادة بلاده كطرف فاعل في معادلة القوة الدولية واستغلال نقاط الضعف الامريكية في عدد من دول العالم في آسيا وأوروبا واخيرا في سوريا لصالح تعزيز الدور الروسي. ومن هذا المنطلق أضع القارئ امام عدد من الحقائق حول الموقفين الامريكي والروسي:
1) اعادت روسيا حساباتها في منطقة الشرق الأوسط تبعا لمصالحها وليس لمبادئها وأهدافها اما الولايات المتحدة فقد استمرت في سياسة (التجزئة) في القضايا الدولية مما كان له مضاعفات استراتيجية خطيرة كما اتضح ذلك في العراق وسوريا وافغانستان وايران بالذات عندما فصلت الاتفاق النووي عن التدخل الايراني في شؤون منطقة الخليج ودعمها للارهاب وما أدت اليه هذه السياسة من مضاعفات كارثية في هذه الدول ومحيطها.
2) اتسمت سياسة روسيا في الفترة الاخيرة (بالثبات) وحافظت على التزاماتها ومصداقيتها وعلى الحد الأدنى في العلاقات بينها وبين دول مجلس التعاون في اطار الحوار الاستراتيجي الروسي الخليجي الذي ارادته دول المجلس وحول اهم القضايا الدولية كالقضية الفلسطينية والطاقة التي لا تعتبر روسيا دول المجلس منافسا لها في السوق وإنما شريك استراتيجي، في الوقت الذي اتسمت فيه السياسة الامريكية (بالتردد) في اتخاذ القرار ومثالاً على توقفها عن ضرب سوريا في اللحظة الاخيرة لثبات استخدامها للاسلحة الكيميائية ضد شعبها، مما ادى الى بروز حالة من السأم وعدم الثقة من حلفائها وأثر ذلك سلباً على مصداقيتها وتحالفاتها التاريخية والاستراتيجية في المنطقة.
3) تقوم العلاقات الثنائية بين روسيا والدول العربية والخليجية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية بينما خلطت الولايات المتحدة علاقاتها الثنائية بقضايا حقوق الانسان، مما شكل تدخلاً في شؤون حلفائها الداخلية عندما سيست قضايا حقوق الانسان لتحقيق أهدافها واستخدام ادوات الضغط التي تملكها كوقف صفقات الاسلحة أو قطع الغيار الأمريكية التي تدخل في صناعات عسكرية بدول اخرى.
ان دخول دول مجلس التعاون في أتون الأزمات منذ عام 2011 وآخرها حرب اليمن، يأتي في إطار المخطط الذي يستهدف كيانها ووجودها، غير ان الأمل لازال قائماً في خارطة طريق توجد توازنا في العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وروسيا تقوم على أساس رؤية جديدة للتعاون العسكري والامني مع روسيا بالعودة الى مقترح المنظومة الأمنية الاقليمية التي طرحها وزير الخارجية الروسي اثناء جولته بدول مجلس التعاون عام 2000 - وتعتبر البحرين الدولة الوحيدة التي ايدت المبادرة الروسية المذكورة اثناء الزيارتين الرسميتين التي قام بهما صاحب الجلالة الملك المفدى لروسيا - خاصة بعد ان طلب الكونجرس الامريكي مؤخرا من الادارة الامريكية البحث عن مقر آخر غير البحرين للاسطول الامريكي. ولا اعتقد ان روسيا سوف تتردد باغتنام هذه الفرصة التي سوف تهيئ لها موطأ قدم لبسط نفوذها في المياه الدافئة بالخليج العربي وبحر العرب.