عبيدلي العبيدلي- الايام البحرينية-
تبوأت سنغافورة المرتبة الأولى في العالم، ثم جاءت بعدها سويسرا، وتلتهما فنلندا بينما جاءت قطر في المركز الرابع، والإمارات العربية المتحدة في المركز العاشر، ووردت إسرائيل في المنزلة 37، فيما قبعت ثلاث دول في أسفل القائمة، حيث «جاءت غينيا في ذيل القائمة باحتلالها الرتبة 140، مسبوقة بكل من مصر، التي احتلت المرتبة 139، والباراغواي في الرتبة 138». هذا ما كشف عنه تقرير مؤشرات جودة التعليم الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس.
وكما تجمع المراجع التي تأخذ بهذا التقرير، «يستند ترتيب تنافسية الدول في تقرير التنافسية العالمية إلى مؤشر التنافسية العالمي الذي حدده المنتدى الاقتصادي العالمي، للمرة الأولى عام 2004، ويتم احتساب درجات المؤشر في إطار تعريف التنافسية بوصفها مجموعة من المؤسسات والسياسات، والعوامل التي تحدد مستوى إنتاجية الدولة، عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو 12 فئة أساسية، تمثل الدعائم الأساسية للتنافسية، والتي تكون جميعها صورة شاملة للوضع التنافسي للدولة، وتضم الدعامات الـ 12 للمؤشر، المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار».
تثير نتائج هذا التقرير، وتقارير دولية أخرى مشابهة الكثير من علامات الاستفهام حول النتائج، تمس صلب، وجوهر، ومن ثم منهجية إجرائها قبل مصداقيتها. فهل يعقل أن تنزوي مصر في مرتبة ما قبل الدولة الأخيرة، في حين تحتل دولة قطر المرتبة الرابعة. ليس القصد هنا الدفاع عن الواقع المتردي الذي يعيشه التعليم في مصر، ولا التقليل من الانجازات التي حققتها دولة قطر في المجال ذاته، وإنما الإشارة إلى بعض الخلل الذي تعاني منه مثل هذه التقارير عند إعدادها. لذا ينبغي التعاطي معها كمؤشرات أكثر من كونها نتائج مسلم بها، وغير قابلة للمناقشة.
بعيدا عن ذلك، ليست هناك حاجة للتأكيد على تردي واقع التعليم في البلاد العربية بشكل مطلق، حيث هناك تراجع ملموس في مخرجات التعليم العربية، سواء في المراحل الثانوية او الجامعية، تمس الكم والنوع، يرافقه تدهور ملموس على المستوى النسبي، عندما نقارن تلك المخرجات العربية مع نظيراتها في دول أخرى، بما فيها دول فقيرة، ناشئة مثل الهند، على سبيل المثال لا الحصر.
ومن الضرورة بمكان التوقف هنا من أجل الرد على كل من يرجع هذا التردي إلى شحة الموارد المالية المخصصة للإنفاق على التعليم، إذ تشير الإحصاءات المنشورة إلى «أن الأموال التي تنفق على التعليم في البلدان العربية طائلة جدًا، وربما زادت أحيانًا على ما تنفقه أمريكا وكندا وأوروبا واليابان. فأمريكا مثلًا تنفق على التعليم 5.5% من دخلها القومي، وتنفق الدول العربية 5.8%، وتنفق المغرب - مثلًا- ربع ميزانيتها على التعليم، وتنفق الجزائر 30% من ميزانيتها، أما السعودية والكويت وسائر دول الخليج فتعد من أكثر دول العالم إنفاقًا على التعليم».
لكن السؤال الأكثر أهمية هنا هو كيفية إنفاق تلك المبالغ الهائلة والموازنات الضخمة. تكفي الإشارة إلى الواقع المادي والاجتماعي للمدرسين في البلاد العربية، ففي حين يبلغ «متوسط المرتب السنوي للمدرس في ألمانيا أو اليابان 50 ألف دولار سنوياً، لا يتجاوز متوسط المرتب السنوي للمدرس في البلاد العربية الغنية 5 آلاف دولار، وفي البلاد العربية الفقيرة ألف دولار».
وقد حذر تقرير أول تقرير مفصل نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP «من خطورة تدني مستوى التعليم في العالم العربي، مؤكداً أنه على الرغم من الجهود التي بذلها العالم العربي في ميدان التربية والتعليم منذ منتصف القرن العشرين، أي بعد استقلال معظم الدول العربية، لازال مستوى التعليم دون معدل معظم البلدان النامية. فنسبة الأمية بين البالغين، وإن انخفضت من 60% إلى 43% في منتصف التسعينات، فإن التقرير يرى أنها عادت للارتفاع وأن العالم العربي دخل القرن الحادي والعشرين بعبء أكثر من 60 مليون أمي، غالبيتهم من النساء. ومن المتوقع ألا يستطيع العالم العربي القضاء على أمية الرجال قبل 2025، أما بالنسبة للنساء، فسوف لن يكون ذلك قبل 2040».
تقارير دولية أخرى تجمع على اتساع الفجوة التعليمية بين البلدان العربية ودول العالم الأخرى، فنجد البنك الدولي يربط «بين ضعف النمو الاقتصادي في البلدان النامية وبين انخفاض مستوى التعليم، ورغم أن البلدان العربية حققت تطورا ملحوظا في انخراط أعداد أكبر من الإناث في العملية التعليمية فإن الميزانيات المخصصة للتعليم في هذه البلدان لا تزال غير كافية وبعيدة عن التكافؤ مع الميزانيات العسكرية».
وعند الحديث عن واقع التعليم في البلاد العربية، يحضرني نصا بحث قدمه الطالب إبراهيم عبد الله الهجري حمل عنوان «التعليم في الوطن العربي أمام التحديات التكنولوجية»، جاء فيه «في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعد هزيمة فرنسا، شعر الناس بخيبة أمل فادحة، وفي ظل هذا التشاؤم من حرب خاسرة طرح شارل ديجول سؤالاً ذا مغزى حين سأل عن أوضاع التعليم في فرنسا وعن حالة الجامعات وعن القضاء، فأُخبر أن التعليم والقضاء بخير، فعلَّق قائلاً: (إذن فرنسا بخير)؛ ويُفهم من هذا أن حالة التعليم في دولة ما هي محك نجاح الدولة وتقدمها وصحوتها بعد كبوتها. وقد سُئل أحد الساسة أيضاً عن رأيه في مستقبل أمة فقال: (ضعوا أمامي منهجها في الدراسة أنْبئكم بمستقبلها)».
ربما تحتل القضايا السياسية المرتبة العليا في اهتمامات المواطن العربي، لكن بعد أن تصل الأوضاع العربية «الهائجة»، إلى نهاياتها، ونبدأ في حصد نتائجها، سنجد أنفسنا، تماما مثل ما وجد ديغول نفسه في أعقاب الحرب العالمية يتساءل عن حال التعليم في البلاد العربية.