قاسم حسين- الوسط البحرينية-
يترقب البحرينيون صدور تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للاطلاع على آخر ما يتم رصده من تجاوزات ومخالفات للقانون في القطاع العام، ما يدخل ضمن الفساد المالي والإداري.
وفي كل عام، تبادر الصحف المحلية بإصدار «ملحق خاص» تتباهى به سنوياً وكأنه فاكهة الموسم، وبعضها يكتفي بإفراد صفحات معينة لعرض أهم ما يتضمنه التقرير.
ما ينشر هو ملخصٌ للتقرير، لأنه يقع في أكثر من 500 صفحة، يمكن طباعته في مجلد أنيق بغلاف حريري وتوزيعه على الوزارات لتحتفظ به على الرف مثل التحف وقطع «الأنتيك» الأثرية. ويقوم محررو الصحف باختيار ما يرونه مناسباً أو ذا أهمية خاصة من وجهة نظر كلّ منهم. وبطبيعة الحال لا يتضمن التقرير جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، وإنّما ما نقرؤه هو ما يمكن لديوان الرقابة الوصول إليه دون حساسيات. ولذلك عادةً ما يكون للوزارات «اليتيمة» (الخدمية) نصيب الأسد فيما عُرض من هذا التقرير.
وبما أن اليوم يوم جمعة مباركة على المسلمين، فإننا سنختار فقط ما يتعلق بوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، وبالذات الأخيرة (الأوقاف)، لأن من يقومون عليها أناس متدينون، ولأن الأموال والعقارات والأراضي التي تحت مسئوليتهم تكون أموالاً شرعية، ينبغي الحذر ألف مرةٍ قبل التفريط بها أو صرفها في غير مواردها الشرعية التي نص عليها الشارع المقدس. وينطبق ذلك على الأوقاف السنية والجعفرية على حد سواء.
بالنسبة لوزارة العدل والشئون الإسلامية، انتقد التقرير عدم تنفيذها توصيات سابقة، من بينها عدم حصر جميع المبالغ المستحقة لها وإعداد تقارير لها بشكل دوري منتظم؛ وعدم وضع آلية تضمن تحصيل الرسوم المستحقة قبل قفل ملفات التنفيذ؛ وعدم متابعة الأمانات العامة للتأكد من صرفها لمستحقيها وإرجاع الأمانات لأصحابها بمجرد انتهاء الغرض من حفظها لدى الوزارة.
وإذا انتقلنا من العام إلى الخاص، فإن التقرير انتقد الأوقاف السنية لاستمرارها في مخالفة أنظمة الرقابة الداخلية والالتزام بالقوانين واللوائح والأنظمة المتعلقة بالموارد البشرية. وذكر مثلاً على ذلك باستمرار توظيفها لأشخاص بمسميات وظيفية غير مدرجة بالهيكل التنظيمي، وتجاوز العدد في بعض الوظائف للسقف الوظيفي المحدد، رغم وجود عجزٍ في موازنتها.
أما الأوقاف الجعفرية، فقد استعرض التقرير عدم تنفيذها الكثير من التوصيات، واستمرارها في المخالفات أيضاً، وانتقد توظيفها 57 شخصاً بعقود دون اعتمادات مالية أو نشر إعلانات توظيف، كما تفعل جهات أخرى، وهو بابٌ تقليديٌ معروفٌ لاستخدام الواسطات وتعيين الأقارب والأحباب. وتوقف التقرير عند إنهاء عقد استئجار السيارة المخصصة لرئيس مجلس الإدارة، إلا أن المفارقة تمثلت في «شراء 9 سيارات أخرى، إحداها بقيمة 15 ألف دينار، خصّصت للاستخدام الشخصي للرئيس دون وجود سند قانوني». ولا ندري عن استخدام بقية السيارات الثماني، وتحت أيّ مسوغ شرعي تمت الصفقة، ومن أي بندٍ قانوني صُرفت، في وقتٍ تشكو فيه الإدارة من العجوزات منذ سنوات.
إن شراء أو استئجار سيارات للمسئولين في الوزارات والدوائر الحكومية أو حتى النواب، أحد أوسع أبواب الهدر المالي، التي تكلف الموازنة العامة الملايين سنوياً، وطالما حامت شبهات الفساد حول هذا «العرف» الذي لم يعد صالحاً لهذا الزمان، وهو بحاجةٍ إلى إعادة نظر، توفيراً للمال العام من التلاعب والهدر والضياع. والتشديد يجب أن يكون أكبر في دوائر الشئون الإسلامية والأوقاف، التي هي بحاجةٍ إلى رجال متشرعة منتَخَبين ليمكن محاسبتهم، يحملون همّ الإصلاح الذي ينبع من الداخل والضمير، وليس للعرض والاستهلاك الإعلامي.