فهد المضحكي- الايام البحرينية-
إذا أردنا ان نحافظ على المال العام فعلينا ان نكافح الفساد ونتصدى لكل التجاوزات المالية والإدارية.
وعندما نتحدث عن مكافحة الفساد نتحدث عن الشفافية والمساءلة والمحاسبة وعن حماية المال العام بتشريعات تفتح الباب على مصراعيه لتطبيق القانون على الجميع.
إذن لا يستقيم القول بحماية المال العام من الهدر من دون مكافحة الفساد، ومن دون تطبيق التشريعات استناداً إلى مبدأ المساواة امام القانون.
يقول الخبير الدستوري المصري محمد نور فرحات في كتابه «السلطة والقانون والحرية»: ان التشريعات والقوانين لا تسن من اجل ان تظل محفوظة في بطون النشرات الرسمية يرجع إليها طلاب القانون لدراستها بل انها توضع لتطبق، فإذا كان القانون الرسمي النافذ في المجتمع لا يطبق فعلاً في اغلب الحالات، فإما ان العيب في القانون، أو العيب في المجتمع، او ان العيب فيهما معاً.
والأكثر خطورة – في رأيه – من الاستثناءات التشريعية في النيل من هيبة القانون وتجريده من فاعليته هو ان تنظر اجهزة الدولة المنوط بها تطبيق القانون إلى هذا القانون باستهزاء وازدراء، إما لتحقيق مصالح مباشرة للاجهزة ذاتها من مخالفة القانون، وإما لتحقيق منافع غير مشروعة.
وإذا كانت الحكومة معنية بتطبيق القانون وتوفير مبدأ المساواة فان مجلسنا التشريعي – المشغول هذه الأيام بالوشم – من أولويات صلاحياته الرقابة على أداء الحكومة!.
صحيح ما قاله أحد النواب عن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الاخير «بانه ليس من مسؤولية النواب بل هي اختصاص صريح للحكومة نفسها لمعالجة تلك المخالفات المذكورة في التقرير»، وهذا يدخل ضمن نطاق مسؤوليتها السياسية أي ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان عن الاخطاء والتجاوزات إلا انه أليس من صلاحيات واختصاصات المجلس التشريعي تفعيل دوره الرقابي؟!
كل سنة يصدر فيها تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية يكثر الحديث عن ضرورة استخدام البرلمان لأدواته الرقابية لوقف التجاوزات التي تضمنها!.
وكل سنة يشهد «بيت الشعب» مداخلات مقتضبة وخطابات حماسية تهدد وتتوعد باستجواب الوزراء الذين شهدت وزاراتهم مخالفات، ولكن ما إن تهدأ عاصفة الحماس – وهي عادة تحدث في الأيام الأولى من صدور تقرير ديوان الرقابة – حتى يعود كل شيء إلى حاله، فالموقف من التجاوزات التي لم تشهد استجواباً يذكر يصبح موقفاً فعالاً ضد «الوشم» وقبلها ضد ربيع الثقافة والسياحة والموسيقى والحريات الشخصية!.
المهتمون بحماية المال العام يعتبرون ان اشكالية هذه الحماية ترتبط بغياب الوعي الثقافي والسوسيولوجي بالمبادئ القانونية والقيم الاخلاقية وترشيد المال العام.
ومع أهمية ذلك فان تفعيل شعار الفصل بين الثروة والسلطة حلقة اساسية لحماية المال العام.
للمغرب تجربة في ذلك يقول عنها الباحث يوسف البحيري: شهد المغرب نقاشاً وطنياً حول حماية المال العام، فالفصل بين «السلطة والثروة» هو شعار جديد في المغرب، والحراك الاجتماعي هو الذي فتح النقاش بشأن هذا الموضوع الذي كان إلى وقت قريب من التابوهات، بوضع الاصبع على مكامن الخلل ودق ناقوس الخطر حول اهدار المال العام والفساد السياسي والإداري والمالي، فمناهضة الافلات من العقاب وتكريس المتابعة الجنائية في قضايا المال العام قد تدفع إلى إعادة الثقة لدى المواطنين في الآليات المؤسساتية والقضائية لحماية المال العام.
ونضيف إلى ذلك، كيف يمكن مكافحة الفساد من دون تطبيق قانون الذمة المالية تطبيقاً فعالاً وهو بداية المحاسبة التي تشمل الوظائف الكبيرة قبل الصغيرة وفقاً لمبدأ (من أين لك هذا).
والحق يقال إن المشروع الاصلاحي انجازات ومكاسب وطنية كشفت عن نقلة نوعية على صعيد التشريعات والقوانين الخاصة بمكافحة الفساد الإداري والمالي، من بينها إنشاء ديوان الرقابة المالية عام 2002، قانون حظر ومكافحة غسيل الأموال، إنشاء مجلس المناقصات العامة بغرض تحقيق الشفافية في المشتريات الحكومية وتحقيق العدالة في المنافسة، إنشاء الإدارة العامة للأمن الاقتصادي والالكتروني ومكافحة الفساد في وزارة الداخلية، واصدار قانون الذمة المالية عام 2010.
ومع ذلك، أين يكمن الخلل في التصدي لجميع التجاوزات المالية والإدارية؟ لماذا لا يحاسب من تسبب في هدر المال العام واستغل نفوذه من اجل منافع خاصة؟ ما قيمة التشريعات في ظل غياب محاسبة المقصرين؟
الاجابة على هذه التساؤلات له علاقة بإشاعة المناخ الديمقراطي وبوجود استراتيجية وطنية للدولة لمكافحة الفساد من أجل الحفاظ على المال العام، والأهم لها علاقة بالدور الرقابي للبرلمان وبالوعي الحقوقي في مجال حماية المال العام، وبالرقابة الشعبية، وتفاعل الصحافة والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني على انجاح تلك الاستراتيجية والرقابة الشعبية.