سلمان سالم- الوسط البحرينية-
في هذه الأيام تدور نقاشات مطولة بين مختلف مكونات الوطن، في مجالسهم الاجتماعية ومنتدياتهم الاقتصادية والسياسية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، حول مخالفات وتجاوزات وزارة التربية والتعليم التي وردت في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، فتجدهم يتوزعون في نقاشاتهم حسب تخصصاتهم وأماكن عملهم ومواقعهم الوظيفية والمهنية، فالجماعات التربوية والتعليمية على سبيل المثال لا الحصر، يتناولون مخالفات الوزارة وتجاوزاتها القانونية التي ثبتها بوضوح ديوان الرقابة في تقريره بموضوعية، ويشبعونها نقاشا وتعليقا وتحليلا من مختلف أبعادها القانونية والأخلاقية والتربوية والتعليمية، وتجدهم يتمتعون بدراية واسعة عن الإجراءات القانونية الحازمة، التي من المفترض أن تتخذ في مثل هذه الحالات الضارة بمصالح الوطن العليا. في مقالين سابقين استعرضنا 11 مخالفة قانونية دونها ديوان الرقابة في تقريره الأخير للعام 2014 / 2015 على وزارة التربية والتعليم، واليوم نضيف إليها أربع مخالفات من نوع آخر، ليكون مجموعها 15 مخالفة قانونية رئيسية ثبتها ديوان الرقابة في تقريره، لكي يطلع الرأي العام البحريني على حجم وأنواع المخالفات والتجاوزات القانونية الكبيرة التي مارستها الوزارة، وهي كالتالي:
(1) ورد في التقرير أن الوزارة قد حصلت على موافقة ديوان الخدمة المدنية بإيفاد بعض موظفيها للاطلاع بمهام تتعلق بتنفيذ بعض البرامج والمشروعات لدى بعض الإدارات والأقسام، إلا أن الوزارة أوفدت بعض موظفيها لأداء أعمال تدخل ضمن نطاق مهام إدارات الوزارة، وذلك على النحو الذي يخالف مفهوم (الإيفاد) موضحاً أن الديوان اشترط في موافقته على ذلك بأن يكون الإيفاد مقترنا بعدم وجود هياكل تنظيمية لإدارات تلك المشروعات والبرامج، إلا أن الوزارة أوفدت موظفيها لإدارات بها هياكل تنظيمية .أليس تخبط الوزارة وعدم التزامها بالقانون يسهمان بصورة مباشرة في تبعثر الجهود وتضييع الحقوق وإتلاف الأموال وإضعاف الهمم وتقليل الإنتاج؟ ألم يتطلب في مثل هذا الحال المأساوي من الجهات المعنية أن تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة، التي تتناسب مع حجم التجاوزات القانونية؟
(2) أكد الديوان استمرار وزارة التربية والتعليم في عدم الالتزام ببعض المتطلبات القانونية المتعلقة بالعقود المالية، على رغم ذكر هذه الملاحظة في تقرير الديوان على الوزارة للعام 2013، إضافة إلى ارتكاب مخالفات أخرى فيما يخص العقود المالية، ظهرت خلال أعمال الرقابة للعام 2014، أليست هذه المخالفات المالية الكبيرة تلزم محاسبة مرتكبيها؟
(3) رصد الديوان إبرام الوزارة عقودا مع بعض الموردين عن سلع وخدمات تم تسلمها أو البدء فعلياً في تنفيذها، الأمر الذي يعكس صورية هذا الإجراء كما يقول التقرير، ناهيك عن أنه يعرض الوزارة للوقوع في إشكالات قانونية مع الموردين، أليست تداعيات هذا التصرف غير القانوني يكلف الوزارة مبالغ كبيرة؟
(4) بيّن الديوان في تقريره أن في العام 2014 انخفضت نسبة تطعيم طلبة المدارس الخاصة في سن البلوغ إلى أقل من 90 في المئة، في الوقت الذي لا توجد آلية لرصد الأطفال الوافدين بغرض التحقق من حصولهم على التطعيمات في بلدانهم ومتابعتهم مسبقاً، ولهذا طالب الديوان في تقريره وضع آلية لرصد الأطفال الوافدين واستكمال التطعيمات التي لم يحصلوا عليها في بلدانهم، بالله عليكم، أليس هذا الإهمال يشكل خطرا على صحة الطلبة والطالبات؟
نقول بكل صراحة إذا ما استمرت وزارة التربية والتعليم في عدم اكتراثها بملاحظات وتوصيات ديوان الرقابة المالية والإدارية الموقر، الذي يستحق الإشادة والتقدير على العمل الذي أنجزه بحرفية عند رصده للمخالفات والتجاوزات القانونية التي مارستها الوزارة، التي راحت تمارس المخالفات والتجاوزات القانونية في كل الاتجاهات التربوية والتعليمية والصحية، بدلاً من إنهائها ومحاسبة ومساءلة مرتكبيها قانونيا، على رغم أنها تعلم علما يقينيا أن مخالفاتها تكلف موازنة الدولة ملايين الدنانير، وأنها تسهم بصورة مباشرة في إضعاف الدافعية والحماس والتحفيز عند الكوادر التربوية والتعليمية، لأنها تغيّب بتعمد المعايير التربوية الواضحة في جانب وتحضرها بقوة في جانب آخر، وعدم أخذها بالمبدأين، المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص، ولم تعمل بمفهوم الشفافية في التعيينات والتوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت والبعثات الدراسية، فإن حاضر ومستقبل التعليم في البلاد سيكون في مهب الريح إن لم تتخذ الخطوات العملية الناجعة، التي تسهم في إنهاء كل المخالفات والتجاوزات القانونية بصورة جدية، يأمل المعلم بعدما وضحت الحقيقة في تقرير الرقابة أن تلتفت الجهات المعنية بمصلحة التعليم في البلاد إلى هذه المسألة الحساسة بعين الاهتمام، والعمل بجد في وضع الحلول القانونية العاجلة التي تتناسب مع المخالفات والتجاوزات القانونية، التي يعاني منها التعليم أولاً، التربوي ثانياً، والمعلم ثالثاً، والطالب رابعاً، وسوق العمل خامساً، والوطن سادساً.