قاسم حسين- الوسط البحرينية-
قبل مئة عام اهتم مفكرو العالم الإسلامي بمواجهة المغالطات والتشويهات التي يطلقها بعض المستشرقين بحق الدين الإسلامي، أما اليوم فيواجه العالم الإسلامي التشويهات النابعة من داخله، على أيدي جماعات القتل تحت ألوية إسلام مزيف.
في بداية القرن العشرين، جهود ضخمة بُذلت، وكتب ومجلات بمئات الآلاف طُبعت، ومئات الأقلام عبر العالم الإسلامي جندت طاقاتها للدفاع عن سمعة الإسلام وتوضيحه في وجه حملات التشويه التي قادها مستشرقون وكتاب وقساوسة ومبشرون. اليوم لا حاجة لكل هذه الحملات، فالتدمير الذاتي للإسلام يجري من الداخل، وعلى يد أبنائه، وخصوصاً هذا الجيل من الشباب الذي انخرط في حركات تكفيرية، مشروعها الوحيد القتل وتنفيذ مشروع «الفوضى الأميركية الخلاقة»، والقضاء على البشر من مختلف الجنسيات والطوائف والأديان.
إن الخوف اليوم على الإسلام من أبناء الإسلام، الذين ضيّعوا بوصلة أعدائهم ومحتلّي أراضيهم ومنتهكي مقدّساتهم، وأشهروا رايات العداء والقتال ضد بعضهم بعضاً، في حفلة جنونٍ وعصبياتٍ جاهلية، تتخفّى تحت ألويةٍ إسلاميةٍ زائفة. لقد أصبح بأسنا بيننا شديداً، ونُزعت الرحمة من قلوبنا تجاه بعضنا بعضاً، وخسرنا بذلك تلك الصفة للمسلمين الحقيقيين.
لا يخالجني شكٌّ أن العالم الإسلامي والعربي خصوصاً، يتعرّض لمؤامرةٍ كبرى، لزيادة تفتيته وإعادة تقسيم دوله، وزيادة التناحر بين شعوبه، ولكننا لسنا أبرياء، فنحن شركاء رئيسيون في تنفيذ هذه المؤامرة.
نحن نقرأ عن تاريخنا القديم، وعن مؤامرات الحكام وتقاتل الخلفاء، وملوك الطوائف، ولكننا نكرّر أخطاءهم، ونستنسخ تجاربهم، ونعيد ارتكاب جرائمهم، ونقدّم أسوأ نموذجٍ لأغبى تلميذٍ في مدرسة التاريخ.
اليوم، الخبر الرئيسي الذي يسيطر على قنوات الإعلام في العالم، هو ما ترتكبه «داعش» من جرائم قتلٍ وتفجيرٍ ونشرٍ للرعب، أغلب ضحاياها في الدول العربية والإسلامية كالعراق وسورية ومصر وليبيا والصومال ومالي وإندونيسيا... حتى وصلت إلى فرنسا قبل أيام. وهي عملياتٌ ستوّلد أحقاداً وكراهية لمنفّذيها وداعميها ورعاتها ومموّليها، تحتاج إلى عدة عقودٍ ليزول أثرها من قلوب هذه الشعوب.
هذه الموجة التكفيرية التي تجتاح العالم الإسلامي وترمي بشررها باتجاه الدول الأخرى، ليست قادمةً من المريخ، ومنفّذوها لم يهبطوا فجأةً من السماء، بواسطة أجسام طائرة فضائية مجهولة الهوية، وإنما هم نتاج فكر متطرف منغلق، يرفض الاعتراف بوجود الآخر المختلف، فكرياً أو دينياً أو مذهبياً أو سياسياً. فكرٌ يقوم على التكفير، ولا شيء آخر غير التكفير، ولذلك أجمع كبار المفتين على خطورة هذا التيار، وأسموهم بـ «خوارج العصر».
هؤلاء الخوارج لم يصبحوا تكفيريين منذ ولدتهم أمهاتهم، وإنّما هناك حواضن فكرية، وقنوات إعلامية، ومساجد ومحطات فضائية، وشيوخ ودعاة لا يحملون رسالة في الحياة غير فكرة إزاحة الآخرين من الحياة، واحتقار الإنسان، وامتهان حرمات البشر.
هذه الأدوات تعمل منذ عقود على تقويض الإسلام وتشويهه وتدميره من الداخل. ولا غرابة أن ترصد التقارير انتشار موجة إلحادٍ في العالم الإسلامي اليوم بين الشباب، الذي يجد نفسه بين خيارين: الانضمام إلى «داعش» وأخواتها، أو الكفر بالإسلام، بعد غياب وتغييب وجه الإسلام الحقيقي، دين المحبة والتسامح والرحمة.
هذا هو الحصاد الذي جنته على الإسلام، كل تلك الأدوات والجهات التي دعمت وزيّنت وموّلت أعمال هذه التيارات التكفيرية بكل سخاء.