قاسم حسين- الوسط البحرينية-
تُعنى منظمة (Human Rights Watch) غير الحكومية، بـ «مراقبة حقوق الإنسان» عبر العالم، حيث اكتسبت مكانة دولية محترمة بفضل أدائها الاحترافي خلال 38 عاماً، وإن كانت مزعجةً للكثير من الحكومات التي لا تلتزم باحترام حقوق البشر.
تأسست المنظمة عام 1978، باسم «لجنة مراقبة اتفاقيات هلسنكي»، لمراقبة التزام دول المعسكر الاشتراكي بحقوق الإنسان، ثم تشكلت لجان أخرى في مناطق العالم المختلفة، وتوحّدت في 1988 بالاسم الذي نعرفه الآن «مراقبة حقوق الإنسان». وتتخذ المنظمة من خارطة الكرة الأرضية خلفيةً لشعارها، ويبلغ أعضاؤها «أكثر من 180 شخصاً من المهنيين الذين يكرسون جهودهم للعمل على مراقبة حقوق الإنسان في شتى بقاع العالم، وفيهم المحامون والصحافيون وأساتذة الجامعات والخبراء المختصون، ومن مختلف الجنسيات»، كما تذكر «الويكيبيديا».
هذه المنظمة تصدر تقاريرها وتعلن عن مواقفها تجاه حقوق الإنسان في العالم، وهي لا تقبل الدعم المالي من الحكومات، وتعتمد على تبرعات المؤسسات الخاصة والأفراد، للحفاظ على استقلاليتها. وكان آخر مواقفها ما أعلنته الاثنين الماضي (8 فبراير/ شباط 2016) من مطالبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بإدانة التصريحات التلفزيونية التي أدلى بها وزير العدل في حكومته، والتي تضمّنت دعوةً إلى قتل جماعي لأنصار «جماعة الإخوان المسلمين».
وتعود الواقعة إلى يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2016، حيث صرّح وزير العدل المصري أحمد الزند، خلال برنامج إخباري على إحدى القنوات الفضائية، بأنه «لن تنطفئ ناره إلا إذا قتل 10 آلاف من الإخوان مقابل كل فرد سقط من القوات المُسلحة». وهو تصريحٌ يمر مرور الكرام على المنظمات الحقوقية الرسمية في مصر وغيرها من البلاد العربية، دون أن يهتز لها ضمير، أما هذه المنظمة الحقوقية الدولية فقد ثارت حفيظتها لهذا التعدّي الصارخ على حقوق الإنسان، الذي تجاوز كل الحدود.
لقد هان الإنسان العربي في بلده، وامتُهنت كرامته، وسُحقت حريته، فلم يعد له حتى حقّ الاعتراض على السياسات التي تؤثر على لقمة عيشه وقوت عياله، أو نقد التجاوزات على حقوقه، بل أصبحت لدينا منظمات كارتونية مستأجَرَة، عُرفت عالمياً بجمعيات «الغونغو»، تُدافع عن انتهاكات حقوق الإنسان وتهاجم الضحايا وتعتبرهم مجرمين، في أكبر عملية تضليلٍ للرأي وتغييبٍ للضمير.
المنظمة طالبت الرئيس السيسي بأن «يؤكّد بوضوح أن حكومته ستحاكم كل من يرتكب أو يأمر أو يساعد على قتل أو ارتكاب أي جرائم أخرى بحق أعضاء الإخوان أو أي تنظيم آخر بسبب الانتماء السياسي أو الفكري. وعلى الحكومة إثناء الآخرين بالقوة عن التورط في خطاب كراهية». هذه البديهيات الفكرية غابت عن تفكيرنا ومُسحت من ثقافتنا، ولا يعود يذكّرنا بها إلا هؤلاء الإنسانيون الشرفاء.
المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سارة ليا ويتسن قالت: «يظهر مدى تخلي بعض أعضاء الحكومة عن احترام العدل، حين يخرج مسئول حكومي رفيع المستوى مُكلف بمراقبة سيادة القانون في التلفزيون، ويبدو أنه يُشجّع على قتل الخصوم السياسيين». وتستدل على جدية تهديدات الوزير بقيام قوات الأمن بارتكاب عمليات قتل جماعي بحق مؤيدي الجماعة المستهدَفَة؛ وإصدار بعض القضاة مئات الأحكام بالإعدام في محاكمات جماعية. لقد رخص دم العربي على العربي، والمسلم على المسلم، حتى صار أرخص من دم البعوض. ثم نتساءل: لماذا أصبحت كل دول العالم تحتقرنا ولا تقيم لدولنا وزناً؟
ترصد «هيومان رايتس ووتش» ما ترتكبه الحكومات من انتهاكات لحقوق الإنسان، بغض النظر عن توجهاتها السياسية أو المذاهب والعرقيات، وتتبنى الدفاع عن حرية التعبير وحقوق السجناء والعدالة الدولية والمساواة أمام القانون، ولعل ما أثارها ليس الدعوة إلى قتل أعضاء جماعة الأخوان بهذه الصورة المنفلتة فحسب، وإنّما لأنها صادرة من الشخص المؤتمن على تطبيق القانون ورعاية موازين العدل.