محمد بن سيف الرحبي- الشبيبة العمانية-
شخصيا، لا أحب تركيز الحديث على الحالة العمانية المستقرة في محيط مضطرب، والأسباب ليس من بينها الحسد أو لفت أنظار الآخرين إلينا، من هواة توزيع الخوف أو دعاة إشاعة الفرقة، فمجتمعنا هانئ مطمئن، يدرك خسارات الآخرين من غياب مفهوم التعايش، ولا يدعو إلا بما يحفظ هذا النسيج بعيدا عن أية أحقاد ونزاعات.
واستضافت السلطنة يومين من الحوارات حول فكرة التقارب والوئام الإنساني، مــــن خلال الإعلام الذي يعد حجر الزاوية فــي ترسيخ الأفكار والمفاهيم، لكنه الإعلام ليس «المسؤول» كما يمكن التعبيـــر عنـــه في مرحلة ما حينما كانت القــــناة واحدة والصحف تتحدث بصوت واحد، محسوبة على الحكومة أو شخصيات يعرفها المجتمع، أصبحنا نواجه أكثر من إعلام، لدرجة أن لكل مواطن وسيلته الإعلامية المؤثرة لو نشط من خلالها، وبتغريدة خارجة عن السياق يمكنه أن يجذب الآلاف إليه في يوم واحد.
حضرت إحدى الجلسات، وكانت جاذبة لعدد كبير من المتابعين، فهي تضم أربعة متحدثين بينهم ثلاثة من مشاهير الإعلام العربي، وزير الإعلام الكويتي السابق والمفكر سعد بن طفلة، وعبدالباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربي سابقا، وغسان بن جدو، رئيس مجلس إدارة قناة الميادين، وفي صدر كل منهم ما يريد قوله في عاصمة التقارب والوئام، العاصمة التي لا تبدو مثقلة بأجندة سياسية مع أو موجهة ضد أحد. نحن مع الجميع ولسنا ضد أحد، في لحظة سلام يدركها المسؤول الحكومي والمواطن العادي.
في جلسة حوارية مع غسان بن جدو اقترح أن تكون مسقط نقطة تقارب يمكن الاشتغال عليها أكثر لتكون الحوار بين الفرقاء في الفكر، لا في السياسة، لأن أزمة عالمنا العربي منطلقاتها فكرية حيث تعميق الهوة الدينية بزرع الطائفية قنابل موقوتة والأراضي هشة بين رحيل الطاغية، فتفاءل الناس برحيل الطواغيت لكنهم لم يجدوا الجنة الموعودة المتوقعة بعد ذلك الرحيل الدامي.
مسقط تريد الهدوء لا الصخب، والمتحاورون أصواتهم عالية، عالية بعمق الشقاق والتمزق الذي يعيشونه بسبب الإعلام الذي فقد البوصلة في كثير من الدول العربية وبات سيفا يفرق لا يجمع، وتصبح الأزمة أعمق مع فلسفة الاحتكار الممارسة بحدّة حيث يحتكر الدينيون العلاقة بين الإنسان والخالق فهم يتكلمون باسم الله، كما يتكلم السياسي باسم الوطن.
وفي موازاة حديث البعض «المنتقى» عن خفوت الصوت الإعلامي العماني وعدم تصديه للرد على هجوم الآخرين فإن الحكمة تدعو إلى الترفع حيث عدم الرد لا يعني الضعف قدر ما يعني أن القوي لا يلتفت إلى صغائر الأشياء، ومع مرور الوقت فإن العالم المحيط بنا سيكتشف أن الدعوة إلى الكلمة الصادقة لا تشبه الدعوات المتكررة إلى الاصطفاف ضد أو مع، لأن ما يجري حسابات سياسية ستتغير بحسب اتجاهات الريح على المنطقة، ولذا فإن إبعاد الدين (وتكفير الآخر) عن لعبة الأهواء هو الذي سيعيد الأمة إلى البوصلة الصحيحة، وتنهض بلداننا من أزماتها.. وما أشدها.