أحمد بن سالم الفلاحي- عمان اليوم-
أسمع كثيرا من بعض الأصدقاء أنهم التقوا الوزير الفلاني في إحدى المجمعات التجارية، أو بعض الأماكن العامة، هذا إذا استثنينا مجالس العزاء التي تعد أقرب منها إلى الرسمية منها إلى الحياة العادية، ومنهم من قال: إنه صادف الوزير الفلاني يدفع أمامه عربة للتسوق، وهناك من يغالي في هذه المسألة ويقارن ذلك بتجارب بعض الدول من حيث الحراسة الأمنية المشددة لمثل هذا المستوى الوظيفي في الحكومة، وما ينطبق على المسؤول الحكومي الرفيع في هذا الجانب، ذاته ينطبق على أفراد الأسرة المالكة الكريمة من حيث هذا الاندماج الاجتماعي الشديد القرب، البسيط الممارسة، الجميل العطاء، والذين يضربون أروع الأمثلة وأصدقها في التواضع الجميل، والود الصادق لمن يتعاطون معهم في مختلف أوجه الحياة؛ قياسا أيضا بما نسمعه في تجارب الدول الأخرى حيث الأسر الحاكمة المفرطة كثيرا في التكور على ذاتها ومحيطها الوجاهي فقط، ومع وجاهة التساؤل الذي يطرح في هذا الجانب نعي – كأفراد في هذا المجتمع العماني المتصالح مع ذاته – أن أبناء المجتمع يعيشون حالة من الوفاق الوطني أولا، كما يعيشون التصالح الذاتي والمجتمعي ثانيا، ولأنه ماتت في دواخلهم مجموعة التحزبات وحالات التنطع التي تسود مجتمعات إنسانية كثيرة على امتداد الكرة الأرضية، يمارسون ذلك دون تكلف، ودون تمثيل، ودون توجيه، هذا لأنهم أمّنوا أنفسَهم؛ فآمنت أنفسُهم، حيث تصالح المخبر مع المظهر، فكانت هذه النتيجة الآمنة المستقرة، هذه السمة العمانية هي مثار إعجاب شعوب مختلفة في العالم، سواء الذين يزورون السلطنة للأغراض المختلفة، أو الذين يذهب إليهم العمانيون إلى بلدانهم للأغراض المختلفة أيضا، وتؤكد أحداث التاريخ العماني – وفق ما هو مكتوب – أن أبناء هذا المجتمع كانوا ولا يزالون رسل سلام وبُناة محبة ونور مشع من التسامح، فحيثما حلوا لا تزال لهم مآثر جميلة، تظل اليوم خالدة شاهدة على هذه الحقيقة الإنسانية في أبعادها المختلفة، وما الشرق الإفريقي عنا ببعيد.
وقد أصّل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه –هذه الممارسة الإنسانية البالغة الدلالة واكد عليها في أكثر من محفل، متوخيا، أعزه الله، حذر الوقوع في مأزق الانجرار نحو مزالق لا ضرورة إليها، ولعلنا نستحضر جليا، وبكل فخر خطابه السامي الكريم بمناسبة العيد الوطني الرابع والعشرين المجيد حين قال: «إن الأمن والاستقرار نعمة جلى من نعم الله تبارك وتعالى على الدول والشعوب. ففي ظلهما يمكن للأمة أن تتفرغ للبناء والتطوير في مختلف مجالات الحياة، وأن توجه كل طاقاتها المعنوية والمادية نحو توفير أسباب الرفاه والرخاء والتقدم للمجتمع. كما أن مواهب الفرد وقدراته الإبداعية الفكرية والعلمية والأدبية والفنية لا تنطلق ولا تنمو ولا تزدهر إلا في ظل شعوره بالأمن وباستقرار حياته وحياة أسرته وذويه ومواطنيه (…) إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق».
هذه المساحة الخصبة من الأمن الاجتماعي، والأمان النفسي، هي التي تفرغ اليوم بذور النماء والعطاء على امتداد هذه المساحة الجغرافية (سلطنة عمان)، تتفيأ ظلال مودتها ومحبتها من هذا التوافق المتكامل المتعاضد بين القمة – حيث الرؤية السامية المتقصية لكل منطلقات المسارات الإنسانية المعززة للوجود – والقاعدة – حيث هذا الإنسان الذي أشرقت عينه على سحابة ماطرة مترعة طافية بكل هذه المسارات، وبالتالي: لا تعجبوا أيها الناس إن صافحتم كل هذه القامات بمختلف مسمياتها ووجاهتها في كل مكان، ففي ذلك مقاربة شديدة الوضوح للقول عن الفاروق رضي الله عنه: «عَدَلتَ فأمِنْتَ فنِمْتَ يا عمر».