رأي الوطن العمانية-
تعد المؤتمرات الاقتصادية الكبرى فرصة مواتية لاستعراض البدائل الاقتصادية، وفرص الاستثمار في البلاد، ومن هذا المنطلق يشكل ملتقى عُمان الاقتصادي، الذي جاءت نسخته هذا العام تحت شعار (عُمان جسر الشراكة الخليجية الآسيوية)، وهو شعار أحسن اختياره، خصوصًا في دولة تسعى بقوة لكي تكون جسرًا عبر سلسلة كبيرة من الموانئ والمناطق اللوجستية، التي اعتنت بها حكومة السلطنة، وضخت فيها مئات المليارات من الريالات، مستغلة فروق أسعار النفط، لتطويرها وتوسعتها، وذلك لحماية حقوق الأجيال القادمة في الثروة النفطية، وفق الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أرسى أسسًا اقتصادية راسخة تأخذ بيد البلاد نحو تنمية مستدامة، استغلت الثروة النفطية لبناء بنية أساسية تكون رافدًا للاقتصاد الوطني، وتمهد للتنويع الاقتصادي، وتحمي حقوق الأجيال العمانية التي ستأتي بعد عصر النفط.
وجاء الملتقى الاقتصادي هذا العام بمشاركة إقليمية ودولية واسعة. وحفل بالعديد من النقاشات التي دارت في مجملها حول مقومات الفرص الاستثمارية المتاحة في السلطنة، واستعراض جهود السلطنة ومساعيها نحو تنويع مصادر الدخل، عبر الاهتمام بعدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل السياحة والمعادن والأسماك والزراعة واللوجستيات والصناعة، وما يدور في فلكها من قطاعات مرتبطة بها، وما يرتبط بآفاق الاقتصاد العماني والرؤية المستقبلية لتطويره، وقدرته على التكيف مع اتجاهات أسعار النفط، وعرض ما يمثله الموقع الجغرافي للسلطنة من ميزات، وذلك لقربه من خطوط التجارة والملاحة العالمية، سواء لشرق وجنوب آسيا ـ بما في ذلك طريق الحرير ـ أو شرق إفريقيا من خلال تنزانيا، حيث تعد السلطنة جزءًا من طريق الحرير عبر موانئها الرئيسية الثلاثة خاصة ميناء صحار، وأنه يمكن نفاذ التجارة العالمية إلى نحو 2.5 مليار نسمة بشرق آسيا عبر ميناء صحار والدقم، إضافة إلى 400 مليون إفريقي عبر ميناء صلالة.
ولعل الملتقى أتاح الفرصة لالتقاء القطاع الخاص بشركاء مستقبليين من المستثمرين، كما شهد إعلان المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم عن السير في إجراءات توقيع أكبر اتفاقية من نوعها في الدقم لإقامة منطقة صناعية كبرى للصين على مساحة900 هكتار ـ ما يعادل 90 كم2 ـ والإعلان عن علاقات استراتيجية مع الصين في قطاع الموانئ، وبدء العمل في محطة جديدة للحاويات تستوعب 5 ملايين حاوية في ميناء صحار، وستدعم القدرة اللوجستية للسلطنة خطوط السكك الحديدية التي تشرع السلطنة في تنفيذها قريبًا، ما أعطى انطباعًا إيجابيًّا للحضور الذي شمل عددًا من ممثلي الصناديق السيادية وصناديق الاستثمار التي تتجاوز استثماراتها تريليون دولار، إضافة الى الصندوق الصيني الذي يصل حجم استثماراته إلى تريليوني دولار، وهي فرصة مواتية لاستعراض ما تقدمه السلطنة من حوافز وتسهيلات لجذب المستثمرين، ما يسرع الخطى نحو التنويع الاقتصادي المأمول.
كما أعطى الملتقى الحكومة فرصة ذهبية لشرح ما قامت به من خطوات، هدفت لحماية اقتصادها من تداعيات أزمة انخفاض أسعار النفط والإيرادات النفطية، عبر تطوير سياسات ترشيد الإنفاق العام وزيادة فعاليتها، التي أثمرت توفير ما يقارب ملياري ريال عماني في موازنة العام الحالي، ومدى الجهود التي تبذلها لتطوير البنى الأساسية، وتعزيز قدرة القطاع الخاص على النمو، وفق توجيهات جلالة السلطان المعظم للحكومة بمواصلة برامجها لاستقطاب الاستثمارات من الدول الشقيقة والصديقة، واستغلال مكانتها السياسية التي تحوز الاحترام من جميع دول العالم، جنبًا إلى جنب مع أهمية موقعها الجغرافي، وذلك عبر تسهيل إجراءات الاستثمار وإعادة قراءة قوانينه، ما أسهم في رفع معدل الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من النسبة التي تخطاها في العام 2014 والتي بلغت زيادتها نحو
13.4 بالمئة عن الفترة نفسها من العام 2013.
وحسنًا فعل القائمون على الملتقى بتخصيص جلسة خاصة حول آفاق الاستثمار في إيران ومع إيران، التي استعرضت المكاسب الاقتصادية التي تجنيها السلطنة بفعل رفع العقوبات عن إيران، بالإضافة لاستعراضه لتطور القطاع المصرفي ودوره في تشجيع الاستثمار الأجنبي ودور المصارف في تعزيز التبادل التجاري مع آسيا، وتمويل المشاريع ودور المصارف الإسلامية في التنمية الاقتصادية. بالإضافة إلى عنايته الخاصة بتعزيز ريادة الأعمال من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد قاطرة للاقتصاد الوطني تقوده نحو التنوع.