يقطن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 25 مليون وافد من أصقاع الدنيا، جلهم من الشعوب الآسيوية القريبة جغرافياً من دول المجلس،وهذا الرقم يعد آخر الإحصاءات.
التوقف عند قراءة رقم كهذا فإنه لوحده يشكل ما يعادل 10 دول في المنطقة إذا أخذنا متوسط أن كل دولة (ما) سوف تتألف من 2.5 مليون وافد ، كما أنه كفيل أن يقلب كل الثوابت في الدول الست إذا بقيت وتيرة تواجد هذا الرقم في دول المجلس، وهي الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والدينية وحتى السياسية، لأنه يمكنه التأثير بفاعلية في ثوابت هذه المجتمعات الستة وتغييرها وإضفاء خصوصيته عليها، وتبقى هوية المجتمعات الأصلية تتعرض إلى التعرية والتغيير والاندثار خلال السنوات الخمسين القادمة.
واستعراضا بالأرقام المقارنة بين أبناء كل دولة وعدد الوافدين لديها فإنه يكفي أن ندق ناقوس الخطر الداهم الذي علينا أن نوجد له علاجاً سريعاً يضمن استمرار هذه الدول سياسياً واقتصاديا وأمنيا ً، حيث تبلغ القوى العاملة الوافدة في دولة الإمارات العربية المتحدة 87% وفي دولة قطر 86% وفي دولة الكويت 70% وفي مملكة البحرين 52% وفي السلطنة 46% وفي المملكة العربية السعودية 32%، وذلك من عدد السكان.
الآثار التي يخلفها وجود هذا الكم الكبير من أعداد الوافدين قد تصل خلال السنوات القريبة إلى 30 مليون شخص في دول المجلس كبير جدا،ً تطال التغيير السلوكي لدى الفرد منا، في لغته وعاداته وتقاليده وتغيير لمفاهيم التعايش بين أفراد المجتمع ونمط الحياة من العادات الاجتماعية، وإضعاف فرص العمل أمامه وشح في الموارد المالية وهيمنة المجموعات الوافدة على الأسواق بأنواعها.
أما على مستوى الدولة فهو استنزاف كبير للموارد المالية خاصة في التحويلات السنوية التي تصل لأكثر من 20 مليار دولار ، ثم السيطرة على اقتصاديات الدولة وتوجيه الأسواق كيفما تشاء هذه المجموعات وليس نحن ، أضف إلى استغلالها للدعم الذي توفره الدولة للمواطن سوى في الطاقة و الغذاء والخدمات المتنوعة.
هناك أيضاً جوانب لا تقل أهمية كالجوانب الدينية فمن الـ 25 مليون وافد في دول المجلس ليس كلهم يدينون بالإسلام بل إن بعضهم يمارس التنصير والتعريف بالديانات الأخرى، مستهدفا أبناء الدولة.
كما ظهرت مطالبات حقوقية بضرورة أن يتم منح الجنسيات للذين أكملوا سنوات الحصول عليها في الدساتير المحلية ، فلك أن تتخيل إذا قدرنا أن 50% من نسبة الـ 25 مليون وافد يستحقون الحصول على جنسية إحدى دول المجلس، فإن أكثر من 12 مليون وافد سيحق لهم الإقامة والعيش في أي من الدول الست بحكم المواطنة الخليجية، وهنا تكمن الخطورة في التغيير الديموغرافي وتركيبة الدول.
هناك المسار السياسي الذي قد يدفع هذه الجاليات الوافدة إلى إنشاء أحزاب لها في هذه الدول التي لا توجد بها الممارسة الحزبية بحسب تركيبة أنظمة الحكم فيها، وبالتأكيد ستساهم منظمات وهيئات حقوقية عالمية في تبني مطالبها وستتعرض الدول الست إلى ضغوط غير عادية من أجل السماح لها بذلك تحت عنوان (التعددية الديمقراطية).
عوامل الآثار كثيرة، والتطرق لها مؤلم، لكن يبقى السؤال أمام هذه الحاجة لليد العاملة من غير العربية لضمان استمرار النهضة الاقتصادية والتنموية لهذه الدول، ماذا يمكن أن نفعل ؟.
الحل لا يأتي بالتمني مثل كل القضايا التي نعيشها، بل بوضع استراتيجية مشتركة، يعني خارطة طريق تتبناها الدول الست وتقوم الأمانة العامة، لدول المجلس بمراقبة تنفيذها، ترتكز على تحديد موعد بين 10 إلى 30 سنة مثلاً يتم تقليل فيها نسبة القوى العاملة الوافدة عند حدود مقبولة، على أن يتم تأهيل أبناء الدول الست لإجادة العمل في كل الوظائف، فزمن الرفاهية لابد أن يتراجع مقابل أن نحافظ على هذه الأوطان الستة بتوفير القوى العاملة المواطنة في المجالات المتنوعة، والتقليل من الفرص المتاحة للوافدة مقابل استثمار الكوادر المحلية تعليمياً ومهنيا والدفع بها في برنامج الإحلال، لتبقى دول المجلس في مأمن أكبر.
الخليج.. أزمة مستقبل- عمان اليوم-