دول » عُمان

ظَرْف الخلافة العُمانية، من فضلك

في 2017/04/06

إنّ اسم الحاكم الجديد لسلطنة عمان مدوّنٌ على ورقة موضوعة في ظرف مختوم ومحفوظ داخل القصر الملكي في العاصمة مسقط. وقد يبدو الأمر أشبه بنسخة عربية غريبة من لعبة تلفزيونية أمريكية، ولكنه ليس كذلك. وهناك أيضاً ظرف ثانٍ موجود في قصر ملكي آخر في مدينة صلالة الجنوبية، يحوي على ما يبدو الإسم نفسه تحسّباً لعدم العثور على الظرف الأول عند وفاة الحاكم الحالي المريض السلطان قابوس بن سعيد البالغ من العمر 76 عاماً.

في هذه المرحلة، يتعاظم الغموض الذي يلف كيفية تبلور مسألة الخلافة في هذه السلطنة الخليجية. فالرواية الأكثر شيوعاً تفيد بأنّ كل ظرف يحتوي على اسمين يعودان إلى الخيارين الأول والثاني للخلافة لدى السلطان قابوس. ولكن ثمة رواية أخرى تشير إلى أن الظرف الموجود في مسقط يحتوي على اسم واحد فيما يحتوي ظرف صلالة على آخر. بيد أن الحكمة المتعارف عليها عموماً هي أنه عند وفاة قابوس - الذي يعاني من سرطان القولون، على الأقل منذ عام 2014 - سيجتمع مجلس مكوّن من أقاربه لاختيار خلفه، على ألّا يتم الاستعانة بالظرفين إلّا إذا عجز المجلس عن الاتفاق على اسمٍ واحد في غضون ثلاثة أيام. بيد، يقول الممازحون إنّ أفراد الأسرة الحاكمة سوف يكونون قلقين جداً بشأن الشرعية ما بعد الوفاة التي كانت قد مُنحت من قبل السلطان الراحل إلى درجة أنهم سيطلبون رؤية الظرفين قبل القيام باختيارهم.

ويشار إلى أنّ سلالة آل بو سعيدي تحكم عمان منذ 14 جيلاً. والمستغرب بالنسبة لمثل هذه السلالة القديمة أن آلية الخلافة لديها ليست محددة بشكل جيد. فقد وصل السلطان قابوس نفسه إلى الحكم في عام 1970 عندما دعم البريطانيون انقلاباً ضد والده السلطان سعيد بن تيمور الذي كان مصاباً بالارتياب المرضي. ووفقاً للنعي الخاص بأحد المتآمرين، حين أُطلع السلطان على ضرورة الرحيل، حاول بغضبٍ أن يسحب مسدساً من تحت ردائه فأطلق النار على رجله عن طريق الخطأ. ثم تم تسفيره إلى لندن ليعيش حياةً من الرفاهية في فندق "دورشستر" حيث توفي بعد عامين. وبعد زواج وجيز من إحدى نسيباته في سبيعينات القرن الماضي، بقي السلطان قابوس بلا ورثة. ومن هنا فكرة الظرفين.

لقد استمتعت عُمان باستقلالية مراوغة في سياساتها في عهد قابوس. فمن الواضح أنّ السلطنة لا تشكّل طرفاً فاعلاً رئيسياً، بسبب حجمها وثروتها. ومع ذلك، دأب حاكمها على جعلها دولةً ذات أهمية [في المنطقة]. وعلى الرغم من أنّ سلطنة عمان عضو في جامعة الدول العربية و«مجلس التعاون الخليجي»، إلا أنها لعبت دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة، إذ توسطت في البداية في إطلاق سراح الرهائن ثم أصبحت مقرّاً للمحادثات الأولية التي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق نووي عام 2015. وتفيد بعض التقارير أن يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عمان المعروف بتجواله هو من أعلم الإسرائيليين عن غير قصد عن قيام الاتصالات، غير مدركاً أن إسرائيل لم تكن على علمٍ بها آنذاك.

ولكن إلى أي مدى تُعزى دبلوماسية عُمان المتداخلة [مع دول المنطقة] إلى طابع قابوس عوضاً عن المصالح الوطنية الأوسع لبلاده، فهذا أمر قابل للنقاش. فالسلطان قابوس وعددٌ كبير من العمانيين ينتمون إلى مذهب الإباضية الإسلامي، مما يسبب تباعداً في العلاقة مع دول الخليج العربية السنية. ومع ذلك، فإنّ غالبية سكان عُمان هم من الطائفة السنية، لا سيما إذا ما احتسبنا المغتربين منهم، بينما يشكل الشيعة أقليةً صغيرة بل ناجحة في مجال التجارة.

وقد شهد الشهر الحالي ظهور مرشح رئيسي لخلافة السلطان قابوس. ففي الثاني من آذار/مارس، أُعلن عن تعيين إبن عم السلطان أسعد بن طارق، نائباً لرئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، علماً أنّ هناك احتمالاً كبيراً لوجود اسمه في الظرفين. وفي الأسبوع الماضي برزت إشارة إضافية على ارتقاء مكانة أسعد حين أوفده السلطان قابوس ممثلاً عن السلطنة العمانية إلى القمة العربية التي عقدت في الأردن. وبعد أن كان أسعد قائداً لفرقة الدبابات في الجيش العماني، إلى جانب دوره كـ"الممثل الخاص" للسلطان، لا يَسند إليه منصبه الجديد كنائب لرئيس الوزراء أي مسؤوليات واضحة، ولكنه ربما يضع حظوظه بالخلافة في الطليعة.

ويسود الظن بأن منافسَي أسعد هما أخواه غير الشقيقين، هيثم بن طارق وزير التراث والثقافة، وشهاب بن طارق، القائد السابق للبحرية العمانية، مع الإشارة إلى أن الرجال الثلاثة هم في الستينيات من عمرهم، وشقيقتهم هي التي كانت متزوجة من قابوس ذات مرة.

بيد أنّ قراءة أفكار السلطان قابوس أمرٌ معقد. فحين تولّى السلطة، لم يكن في البلاد أكثر من ثلاث مدارس وبضعة أميال من الطرق المعبّدة. واليوم يعتبر بلده وعلى نطاق واسع من أفضل الأماكن للعيش في منطقة الخليج، مع سكان يبلغ عددهم 3.3 مليون نسمة، واحتياطيات متواضعة من النفط والغاز. وفي الواقع، يعتبر وضع المواطن العماني جيداً، إذا لا يطمح لأي سلطة سياسية. فالبلاد تؤمّن خدمات تعليمية واجتماعية عالية المستوى، وقد جمع بعض العمانيين المُفظلين ثروةّ طائلة بينما ساهموا في تنمية الاقتصاد.

والسلطان قابوس ليس ديمقراطياً. فهو يركز السلطة في يديه حتى داخل مجلس الوزراء، ويتولى مناصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية وحاكم المصرف المركزي. وهو صاحب القرار في أي تغيير في السياسات. ولم يُتّخذ أيّ قرار ذي أهمية خلال فترة غيابه - حين غادر العام الماضي إلى ألمانيا لفترة شهرين لتلقي العلاج ثم اعتكف في أحد قصوره في عُمان لمدة ثلاثة أشهر أخرى.

أما أقرب مستشاريه فهم ضباط أمن واستخبارات في ما يسمّى بـ "المكتب الملكي" الذي يرأسه الفريق أول سلطان بن محمد النعماني. ووفقاً لنظرية الظرفين، سيتولى الفريق قيادة المجلس العسكري الذي سيحكم لمدة ثلاثة أيام فيما يتناقش مجلس العائلة الحاكمة في هوية الحاكم المقبل.

وفي المقابل، تطلّع السلطان قابوس إلى المنطقة وإلى دور عُمان فيها من وجهة نظر استراتيجية، ولم يتجاهل علاقاته بمسؤولي الاستخبارات الأجنبية. فقد كان في فترةٍ من الفترات يرسل طائرته الخاصة إلى لندن لنقل مدير متقاعد لجهاز الاستخبارات الأجنبية البريطانية في الشرق الأوسط، MI6، وهو شخص كان يقدّر تحليلاته بشكل خاص. وحين قام الوريث الشرعي للعرش البريطاني الأمير تشارلز بزيارة إلى مسقط خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اصطحب معه الرئيس الحالي لجهاز MI6، خلال اللقاء الذي جمعه بالسلطان قابوس والذي دام أربع ساعات. كما أنّ الاتصالات مع واشنطن جيدة أيضاً ولكنها تفتقر إلى هذا النوع من العلاقة الحميمة.

بيد، قد تبدو النظرة العالمية للسلطان غريبةً، وغالباً ما تثير سخط الحلفاء النظريين لعمان في الخليج وفي الغرب. فبعد الهجمات الانتحارية التي استهدفت محاكم العاصمة السورية دمشق في منتصف آذار/مارس، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، توجهت مسقط برسالة تعزية إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في خطوة اعتبرها الكثيرون في واشنطن والعواصم الأخرى بمثابة تطبيع غير ضروري للعلاقات مع طاغية يودّون الإطاحة به. كما استاءت مسقط من الحرب السعودية -الإماراتية في اليمن وقدّمت بعض الدعم الدبلوماسي، وربما المادي، إلى المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وفي الواقع أن عمان التي انضمت في وقت متأخر إلى التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، أكثر قلقاً بشأن الملاذات الآمنة لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في بعض المناطق الجنوبية من اليمن.

وربما كان السلطان قابوس يأمل في الحصول على مكافأة عن تمكينه للدبلوماسية الأمريكية في عهد باراك أوباما من التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. إلّا أنه لم تبدر أي خطوة مهمة من طهران باستثناء الزيارة التي قام بها الرئيس حسن روحاني في شباط/فبراير، بينما لم يتم حتى الآن الإبلاغ حتى عن أيّ مكالمة هاتفية بين الرئيس دونالد ترامب والسلطان. (مذكرة إلى البيت الأبيض: تقع عُمان على الجانب الجنوبي من مضيق هرمز الاستراتيجي وتوفر قواعد جوية ومراكز لوجستية للجيشين الأمريكي والبريطاني، وباستطاعة الميناء الجديد بالدقم التعامل مع ناقلات الطائرات والغواصات النووية الأمريكية).

هناك شعور بأن السلطان قابوس يعتبر جميع خلفائه المحتملين أقل مستوىً منه إلى حد كبير، ويقال أنه يخشى من التدخلات الخارجية في هذه العملية. وتثير الإمارات العربية المتحدة ريبته بشكل خاص حيث تتهمها مسقط بإدارة شبكات تجسس في الجيش العُماني، وذلك على الرغم من سمعة الإمارات في واشنطن كالطرف الناضج في المنطقة.

وإذا لم يكن السلطان قابوس معجباً بأفراد عائلته المحتملين للخلافة، فهل يُمكن أن يوسّع شبكة البحث؟ من الممكن أن يبحث عن مرشح في إحدى الركائز الثلاث للبنية التحتية السياسية في عمان، أي شيوخ القبائل أو المؤسسات الأمنية أو مجتمع الأعمال. وحتى لو لم يفعل ذلك، سوف تسعى هذه الفئات الثلاث إلى ممارسة نفوذها على مجلس العائلة الحاكمة عبر دعم أحد المتنافسين الحاليين أو ترشيح شخص آخر كلياً، لربما يكون أحد أفراد الجيل القادم من سلالة آل بو سعيدي. وقد نشر موقع ويكيليكس برقية دبلوماسية أمريكية عام 2007 تمعّنت في نقاط قوة تيمور، ابن أسعد البالغ من العمر 37 عاماً، ووصفته بأنه "أنيق، اجتماعي... ويتسّم بوزنه الزائد على نحو لا يؤثّر على قوة جسمه المفعمة".

ومن شأن مثل هذا الخيار أن يعكس صورة مماثلة عن قطر، حيث أن الشيخ تميم بن حمد البالغ من العمر السادسة والثلاثين عاماً هو أمير، وعن المملكة العربية السعودية حيث يبدو من المحتمل أن يكون ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر واحد وثلاثين عاماً، هو الملك القادم. وسيكون من المفارقة على نحو مناسب إذا رأى السلطان قابوس أن الأنظمة المتّبعة في الدول العربية المجاورة، والتي غالباً ما نظر إليها بما يشبه الازدراء، جديرةٌ بالتجربة في بلاده.

سايمون هندرسون- معهد واشنطن-