علي بن راشد المطاعني- الشبيبة العمانية-
في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه الرقابة على الإعلام من قبل الحكومة عبر أجهزتها المختصة، إلا أنه قد تلاحظ في الوقت الراهن أنها أضحت تأتي من المجتمع أكبر، بتكبيل النقد الموضوعي وتوجيه الأقلام بحد السيف للكتابة في موضوعات بعينها، إذ يبدو أن المجتمع غير مستوعب لحدوده بالضبط وغير مدرك لممارساته الخاطئة وتأثيراتها السلبية على مفاصل قدميه إذ هو يمشي، ثم نحسب أن هذه الرقابة تسبح أبدا ضد التغيير للأفضل، والأفضل يتأتى من خلال نقد الأخطاء المجتمعية بدءا وتصويب الممارسات اللا إيجابية.
وعلى ذلك أمسى هناك تخوف من الخوض في الموضوعات الشائكة من قبل الكُتاب والإعلاميين تلافيا للنقد الضاري الذي قد يواجهونه من المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يعد انتكاسة نقدية لها عواقبها الوخيمة إزاء تحجيم حرية التعبير المكفولة للجميع افتراضا.
ففي الوقت الذي يتطلب فيه تزايد الوعي بأهمية النقد توازيا مع التطورات العلمية والمعرفية وزيادة أعداد المتعلمين من خريجي الجامعات والكليات ليكونوا أداة تغيير في المجتمع نحو الأفضل، نجد للأسف أن المسار يمضي في الاتجاه المعاكس، إذ ينحو باتجاه تكريس الذاتية والنرجسية وإعلاء المصالح الخاصة، والانكفاء على الذات في تناقض بيّن مع ما ينبغي أن يكون عليه واقع الحال.
إن قمع الحريات في الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي التي جاءت لتشكل ثورة في الإعلام الجديد عبر تجاوز جريء للرقابة ومقصها الشهير وتحطيم للحواجز وبنحو غير مسبوق، إلا إننا نجد أن ذلك القمع الجديد يعيدنا للأسف لنقطة الصفر التي خلنا أنها غدت من حكايات الماضي.
فنجد اللغة ما عادت راقية بل ركيكة ومباشرة وتنضح بشتائم وسب شخصي وصريح لا للمادة المكتوبة بل لكاتبها في خلط مريع لأبجديات النقد، وفي تجاوز فظ لما جاء في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وعلى ضوء هذه الممارسات فإن من الطبيعي أن يأخذ الكُتاب حذرهم في نقد المجتمع وتقليص جهدهم في معارضة الممارسات الخاطئة التي تقف عائقا أمام التطور والتقدم وتعيد المجتمعات إلى العصور الوسطى قسرا.
بالطبع هناك أقلام وحسابات تعكس الوعي بأهمية التغيير في المجتمع وحفزه نحو التطور وتعمل على نبذ الممارسات والعادات التي لا تتوافق مع التقدم أو التي تشوبها شوائب تحتاج إلى تنقيح، إلا أن السواد الأعظم يرغب في أن نبقى تحت تلك الهالات السوداء أبد الدهر وفي هذا ظلم وكيد عظيم دون ريب.
نأمل أن نفتح نوافذ عقولنا لنسمح بنسائم التغيير لتلامس خلايا أدمغتنا وقد غشاها غبار الجمود، ليتنسى لنا بعدئذ نبذ كل الممارسات الخاطئة.