دول » عُمان

«سعودة» و«تكويت» و«تعمين».. إجراءات ضد الوافدين لصالح مواطني الخليج

في 2017/10/05

الخليج الجديد-

تتحرك دول مجلس التعاون الخليجي، بخطوات متسارعة نحو استبدال الوظائف الحكومية والخاصة لمواطنيها من الوافدين، ما يهدد بتغيير خريطة العمالة الوافدة بهذه الدول.

وتشكل «السعودة» (السعودية) و«التكويت» (الكويت) و«التعمين» (سلطنة عمان)، أبرز الإجراءات ضد العمالة الوافدة، والتي وصفها البعض بـ«العنصرية».

وتأتي هذه الإجراءات بعد تهاوي أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيسي لهذه البلدان، والذي أثر سلبا على اقتصاديات وموازنات الدول الخليجية.

السعودة

وفي السعودية، لم تفلح مساعي التوطين وإجراءات الإصلاح الاقتصادي، في خفض نسب البطالة، التي كشفت الأرقام الرسمية ارتفاعها إلى 12.8% بين السعوديين، خلال الربع الثاني من 2017.

وتتعارض هذه الأرقام، مع خطط الدولة الهادفة إلى خفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى 9% بحلول 2020 عبر برنامج الإصلاح الاقتصادي «التحول الوطني»، وإلى 7% في 2030، طبقا لما كشفت عنه «رؤية السعودية 2030».

وتسعى الدولة عبر «التحول الوطني» إلى توفير 450 ألف وظيفة للسعوديين، وإحلال 1.2 مليون وظيفة بالمواطنين بحلول 2020.

وتطبق السلطات أيضا رسوما جديدة وقيودا على القطاعات لتشجيع توظيف السعوديين في الوقت الذي تقلص فيه اعتماد السعودية على العمالة الأجنبية التي يبلغ حجمها 11 مليون فرد.

وتشتكي وزارة العمل من عدم تعاون بعض الجهات معها في «سعودة» بعض الوظائف المشغولة بغير سعوديين مثل الجامعات والمؤسسات والهيئات العامة التي لا تملك الوزارة صلاحيات التوظيف على وظائفها.

ولا تواكب المبادرات التعليمية في المملكة أهداف «السعودة»، فضلا عن وجود اعتبارات اجتماعية تناهض خطط إلحاق النساء في بعض القطاعات.

كما أن العديد من القطاعات المستهدفة في برنامج «السعودة» الكاملة، تُقدم وظائف منخفضة المهارة والتي يرفضها السعوديون تماما وينظرون لها بدونية؛ ما يعني وجود حاجة ماسة إلى تبنى برامج توعوية ضخمة لتعديل الثقافة المجتمعية تجاه العمل.

ولمواجهة الظاهرة، قرر وزير العمل السعودي «علي الغفيص»، في يناير/كانون الثاني الماضي، حظر فصل السعوديين من العمل بشكل جماعي، وإيقاف الخدمات عن المنشـآت المخالفة.

وفي محاولة لتوظيف السعوديين، أصدرت الحكومة السعودية العديد من القرارات مؤخرا، تضيق بها الخناق على العمالة الأجنبية في البلاد بغرض إحلالها بمواطنين.

وبين هذه الخطوات، فرض السعودية رسوم شهرية على العمالة الوافدة، بواقع 400 ريال (106.7 دولاراً) خلال 2018 لترتفع إلى 600 ريال (160 دولاراً) في 2019 وتصل إلى 800 ريال (213.3 دولارا) في عام 2020.

هذا فضلا عن فرض رسوم على المرافقين للعمالة الوافدة في السعودية بنحو 100 ريال (26.7 دولاراً) عن كل مرافق شهريا اعتبارا من يوليو/تموز 2017، ترتفع 100 ريال شهريا كل عام حتى تصل 400 ريال (106.7 دولار) شهريا عن كل مرافق في 2020.

وضمن الإجراءات الحكومية، وقعت وزارة العمل والسعودية، 24 أبريل/نيسان الماضي، مذكرة تفاهم مع هيئة النقل العام في البلاد لتوطين مكاتب تأجير السيارات.

وأصدر وزير العمل السعودي في 20 أبريل/نيسان، قرارا وزاريا بقصر العمل بالمراكز التجارية المغلقة (المولات) في المملكة، على السعوديين والسعوديات فقط.

وكانت المملكة أصدرت قرارا مماثلا العام الماضي، بقصر العمل في مراكز الاتصالات على المواطنين فقط، وفرضت عقوبات بحق أرباب العمل المخالفين.

وقررت وزارة العمل السعودية، في مارس/آذار الماضي، رفع نسب التوطين في الشركات العاملة في البلاد بهدف خفض نسبة البطالة بين السعوديين.

وبدأ تطبيق القرار الجديد اعتبارا من 3 سبتمبر/أيلول الماضي؛ ويختلف تعديل النسب بحسب أحجام المنشآت ونوع النشاط.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك إعلانات متلاحقة عن مخططات لتعزيز السعودة؛ فوزارة العمل أعلنت، في مارس/آذار 2016، أنها تبحث «سعودة» كاملة أو جزئية لـ6 قطاعات خلال الفترة المقبلة هي العقار، والسياحة، وسائقي الأجرة، وصيانة الحاسب، محال بيع الذهب، ومحال بيع الفواكه والخضروات.

أيضا، وقعت وزارتا «العمل» و«الخدمة المدنية» في السعودية، اتفاقية لتطبيق ما يعرف بـ«برنامج تنمية وكفاءة» الذي يتضمن جدولا زمنيا لاستبدال العمالة الوطنية بالأجنبية في القطاع الحكومي.

التكويت

أما في الكويت، فإجراءات ترحيل الوافدين، بدأت قبل نحو 3 سنوات، عبر خطة حكومية تهدف إلى خفض أعداد المقيمين فيها.

ويعيش في الكويت نحو 4 ملايين نسمة منهم 2.8 مليون وافد أجنبي مقابل 1.2 مليون كويتي، أي أن الوافدين يمثلون ضعف عدد الكويتيين، وتريد الحكومة تعديل التركيبة السكانية لتصبح عكس ما هي عليه حاليًا.

وتتوزع العمالة الأجنبية في الكويت في الوظائف الحكومية والخاصة، وتحتل المهن الخدمية كالخدمة المنزلية وأعمال الإنشاء المرتبة الأولى في استقطاب الوافدين الأجانب ذوي الأجور المنخفضة.

وتتمسك الحكومة، ونواب كويتيون، بخطة ترحيل الوافدين العاملين في عدد من الوظائف الحكومية، رغم الانتقادات الحقوقية.

وتستهدف الحكومة الكويتية، توطين 100% من الوظائف الإدارية والمعلوماتية، و98% من وظائف الأدلة الجنائية والوقاية والإنقاذ، و97% من الوظائف الهندسية والتربوية والرياضية، و98% من الوظائف المالية والاقتصادية والتجارية وفي مجال العلوم، و85% في وظائف الخدمات، و80% للوظائف الحرفية، و75% في وظائف الثروة الحيوانية والزراعية والأحياء المائية، و70% لوظائف التدريس والتعليم والتدريب، بحسب صحيفة «القبس».

وارتفعت حدة الانتقادات ضد الخطة، التي تستهدف إحلال موظفين كويتيين مكان وافدين أجانب من مختلف الجنسيات يشغلون وظائف حكومية استشارية مرموقة وبرواتب عالية، ومن ثم ترحيلهم، لتصل حد اتهام الخطة بـ«العنصرية».

وتأتي هذه الخطوة الكويتية، من أجل مواجهة العجز في الموازنة، والتي قدرته وزارة المالية في ميزانية 2016/2017 بنحو 12.2 مليار دينار (40.2 مليار دولار)، فيما تسعى الحكومة إلى الاقتراض عبر إصدار سندات دولية بقيمة 10 مليارات دولار، وأخرى محلية بقيمة ملياري دينار (6.6 مليارات دولار)، والسحب من الاحتياطي النقدي، من أجل سد هذا العجز.

ومن بين هذه الخطوات، إصدار السلطات الكويتية، قبل أيام، قرارا يقضي بالتزام الجهات الحكومية بتخفيض عدد الموظفين غير الكويتيين العاملين لديها خلال 5 سنوات لزيادة نسب الموظفين الكويتيين إلى ما بين 70 و100% من إجمالي قوة العمل في المجموعات الوظيفية المصنفة في عدة مجموعات.

ويشمل القرار وظائف مجموعات نظم وتقنية المعلومات، والتطوير والمتابعة والإحصاء، ومجموعة وظائف الدعم الإداري، والآداب والإعلام والفنون والعلاقات العامة، والوظائف البحرية، ونظم وتقنية المعلومات والأدلة الجنائية والوقاية والإنقاذ، والوظائف الهندسية ووظائف الخدمات الاجتماعية والتربوية والرياضية، والوظائف المالية والاقتصادية والتجارية، ووظائف التدريس والتعليم والتدريب.

واتخذت الحكومة الكويتية، خلال الأشهر الماضية، سلسلة إجراءات لخفض عجز الموازنة، ففي مطلع سبتمبر/أيلول 2016، طبقت زيادة في أسعار البنزين بنسب تتراوح بين 40% و83%، وسبق أن طبقت زيادة كبيرة على السولار مطلع العام قبل الماضي 2015، فضلا عن رفع أسعار المياه والكهرباء للمقيمين، علاوة على رفع الكثير من الرسوم على الوافدين سواء الصحية أو غيرها.

كما أوقفت السلطات الكويتية، البدلات المالية للسكن للوافدين العاملين بالقطاع الحكومي اعتبارا من السنة المالية 2017 /2018 التي بدأت مطلع أبريل/نيسان الماضي.

وسبق أن أعلنت وزارة التربية، وقف صرف بدل السكن للمعلمات الوافدات المتزوجات، حتى يتم تحديث بياناتهن ومعرفة أماكن عمل أزواجهن بالمؤسسات الحكومية، بهدف إجراء عملية ربط لبدلات الوافدين في مختلف المؤسسات الحكومية تمهيدا لإيقافها.

وتنظر المحاكم الكويتية، دعوى قضائية غير مسبوقة، طالب فيها محام، بإصدار قرار يمنع الوافدين من الحصول على رخص قيادة، في انتظار حل مشكلة الازدحام المروري الخانق في البلاد، وفق ما نقلت صحيفة «القبس».

كما يبحث «مجلس الأمة» (البرلمان) الكويتي، توصية من «صفاء الهاشم» المرأة الوحيدة في المجلس، تطالب بتحصيل نسبة 5% على تحويلات الوافدين، وأخرى بأن يقتصر صرف الأدوية في المستشفيات والمستوصفات الحكومية على المواطنين وحدهم على أن تقتصر الرسوم التي يدفعها الوافدون على الكشف والتشخيص فقط، وفقا لجريدة «السياسية».

ويخشى العديد من المستثمرين والشركات في قطاعات اقتصادية عدة في الكويت من التضييق على العمالة الوافدة، بعد أن بات خطر الانكماش والركود يلاحق أنشطتهم. (طالع المزيد)

وحذر خبراء من «المطالب الشعبوية»، مؤكدين أنها خطر بات ينذر بتعرض قطاعات اقتصادية مهمة في الكويت للضرر، منها العقارات والسيارات وأنشطة التجزئة والمصارف والكفاءة البشرية، ما يدعو إلى ضرورة كبح إجراءات التضييق غير المبرر ضد الوافدين في البلد النفطي، الذي يسعى إلى تنويع اقتصاده.

التعمين

أما في سلطنة عمان، فتشكل مساعي الحكومة لتوطين الوظائف أو ما يطلق عليه «التعمين»، أحد أبرز المحاولات الرسمية للتخفيف من حدة البطالة، والحد من الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة، إلا أن مسيرة توطين الوظائف هذه يشوبها الكثير من التلكؤ.

ووفقا لإحصائيات رسمية، ارتفع عدد العاملين الوافدين في عمان بنهاية شهر فبراير/شباط الماضي بأسرع وتيرة في 11 شهرا، نتيجة لزيادة عدد الوافدين من الذكور، غالبيتهم من الجنسية الهندية.

وأكثر من ثلاثة أرباع الوافدين للسلطنة جاءوا للعمل في القطاع الخاص، وسجلت العمالة الوافدة زيادة بنسبة 3.2%، على أساس سنوي لتصل إلى 1.58 مليون عامل بنهاية فبراير/شباط الماضي، مقارنة مع 1.53 مليون عامل في الفترة نفسها من العام السابق.

ويرى مسؤولون بالحكومة، أن برنامج التنمية للبلاد يقوم في الوقت الراهن على تنفيذ مشاريع حيوية عملاقة، ولا سيما في النفط والغاز الذي يمثل أهم موارد دخل عمان، ما يدفع إلى حاجة ملحة لاستيعاب أعداد كبيرة للعمال الوافدين من الخارج.

ولاقت هذه الأعداد المتصاعدة سخط أعضاء مجلس الشورى، معتبرين أنها تكشف وجود فشل في قرارات اتخذت لتقليص هذه الأعداد خلال الأعوام الماضية.

وأعلنت القوى العاملة رغبتها في تخفيض عدد العمال الوافدين من 39% من إجمالي عدد السكان بحسب إحصائيات 2014 إلى 33%، من خلال إيقاف منح التراخيص لمدة 6 أشهر في مجال البناء والإنشاءات، على أن يكون هذا القرار قابلاً للتمديد لـ6 أشهر أخرى.

وبحسب المركز الوطني للإحصاءات والمعلومات فإن عدد الأجانب في عُمان تجاوز 2.08 مليون أجنبي، ليشكل الوافدون ما نسبته نحو 45.7% من إجمالي السكان بنهاية العام 2016.

في المقابل، تمثل البطالة في السلطنة أعلى المعدلات في محيط دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغت نحو 8% عام 2014، في حين ترتفع في أوساط الشباب إلى 20%، وفقاً لتقرير أصدره «المنتدى الاقتصادي العالمي».

وساعدت أوامر أصدرها السلطان «قابوس بن سعيد» في عام 2011 بسرعة توفير فرص عمل لنحو 50 ألف مواطن، في الحد من حركة شبابية غاضبة آنذاك، وتم استيعاب هذا العدد بالفعل في قوائم الخدمة المدنية والقوى العاملة، لكن الحكومة لم تقدم فرصاً للباحثين عن العمل بنفس هذا العدد في السنوات اللاحقة، في نفس الوقت قدمت فرصاً كبيرة للوافدين.

وكانت إحصائيات غير رسمية، أشارت إلى وجود 143 ألف طلب مسجل من المواطنين لدى سجلات القوى العاملة للباحثين عن العمل، لكن وزير القوى العاملة «عبدالله بن ناصر البكري»، أشار في تصريحات أنه خلال العام الماضي، بلغت عدد الطلبات 124 ألفاً فقط، وفق الكشوفات الداخلية الرسمية.

وأطلقت سلطنة عُمان، برامج مكثفة في الأعوام الأخيرة لتقليل الاعتماد على العمال الأجانب، من خلال تدريب المواطنين وتقديم حوافز لشركات القطاع الخاص لمنح الأولوية للسكان المحليين في الوظائف، إلى جانب إجراءات أخرى لتشجيع الوافدين على العودة لبلادهم عن طريق زيادة الرسوم الحكومية وفرض قيود على توظيفهم، إلا أن مسيرة «التعمين» يشوبها الكثير من التلكؤ، بحسب مراقبين.

كما اتخذت الجهات الحكومية سلسلة إجراءات؛ منها تحديد نسبة تعمين للمؤسسات في القطاع الخاص بنحو 60% لمنح تراخيص العمل خلال مرحلة التأسيس، وإطلاق برامج قروض ميسرة لتنفيذ مشاريع صغيرة ومتوسطة.

وحددت الحكومة أيضا، حصة سنوية من الوظائف في القطاعات الحكومية لاستيعاب الخريجين من الجامعات والكليات التقنية.

ويرى مثقفون عُمانيون، أن «الكثير من التنظير والتأويل والتفسير يكتنف ملف التعمين عبر جميع المنابر ذات الصلة، وبقدر أضحى تناوله أقرب للمتاجرة به ودون أن نرى حلولًا عملية وواقعية».

كما يعاني القطاع الخاص العماني من غياب البريق الكافي لاستمرار المواطن فيه، في ظل ضعف الحافز التشجيعي، وعدم ربط غالبية المخرجات التعليمية بسوق العمل في القطاع الخاص، مقارنة بحوافز أفضل في القطاع الحكومي، خصوصاً بعد قرار توحيد الرواتب الذي تم تنفيذه مطلع العام 2014، وأدى إلى زيادة في المرتبات وصلت إلى الضعف في بعض الدرجات الوظيفية.