دول » عُمان

كيف نجت سلطنة عمان من بحر التطرف والاضطراب بالمنطقة؟

في 2018/02/22

العربي الجديد-

أثارت التجربة العمانية التي أنتجت مجتمعا قائما على التسامح والتعايش ورادعا للإرهاب والفكر المتطرف أسئلة عديدة عن ماهية العوامل التي ساعدت تلك التجربة على النجاح وسط محيط إقليمي يعاني من الاضطراب وعدم الاستقرار.

ونشر موقع «العربي الجديد» تقريرا حاول فيه تسليط الضوء على العوامل التي أسهمت في جعل سلطنة عمان بلدا متسامحا وبيئة غير مواتية للتطرف والإرهاب.

وبحسب التقرير، تعد الجغرافية الساحلية العُمانية من أهم العوامل التي أثرت في تسامح المجتمع، إذ تقع سلطنة عُمان في الربع الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية وتمتد سواحلها على مسافة 3165 كيلومتراً مربعاً من مضيق هرمز في الشمال وحتى الحدود مع اليمن، وتطل بذلك على بحار ثلاثة هي: بحر العرب، بحر عمان، والخليج العربي؛ وبذلك تُعتبر السلطنة دولة بحرية بامتياز.

وأشار التقرير إلى رأي الجغرافي «محمد السمّاك» في كتابه «الجغرافيا السياسية المعاصرة»، حيث اعتبر أن سكان السواحل يتمتعون بالنظرة العالمية، ويتسمون بانطلاقهم الحضاري وتقبلهم لكل جديد، فهم على اتصال وثيق بكل المستجدات العالمية.

واستقبلت عُمان أيضاً باعتبارها دولة معبر بين قوى أقليمية مثل الهند ودول شرق أفريقيا ودول الخليج وإيران؛ هجرات بشرية جاءت إليها بأديانها وثقافتها واندمجت مع شعبها ورحب بهم العمانيون، وهذا ساهم في انفتاح عُمان على الإقليم المحيط بها ديمغرافياً وجيوثقافياً.

وأوضح التقرير أن التجربة التاريخية العميقة لعمان لعبت دورا في خلق مجتمع ينبذ العنف، فقد امتدت الإمبراطورية العُمانية تاريخياً لتشمل مناطق متعددة في شرق أفريقيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد فرضت هذه الإمبراطورية وجودها البحري في المحيط الهندي، وأقامت علاقات سياسية مع القوى العظمى في ذلك الوقت مثل البرتغال وبريطانيا، وحكمت شعوباً في شرق أفريقيا.

 وقدمت عمان تجربة في بناء أنظمة التسامح الاجتماعي وفق تقليد سلطاني؛ إذ عرف المجتمع الأفريقي المجالس السلطانية التي كان يعقدها الحكام البوسعيديون ‏للتعرف إلى مشاكل الرعية من قرب ولسماع الرأي في ما يتعلق بمصالح الجميع، وكان ‏لكل فرد حق حضور هذه المجالس التي كانت تعقد في يومي الجمعة والإثنين من كل ‏أسبوع، ومن حق كل مواطن أن يطلب لقاءً منفرداً مع السلطان إذا كان لديه مطلب ‏خاص يجد حرجاً في عرضه أمام الجميع.

ولفت التقرير إلى ما ورد في كتاب «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» للمؤلف الشيخ «سعيد بن علي المغيري» من مجموعة من الأوامر السلطانية في فترة حكم السلطان «سعيد بن سلطان» (1807 – 1856) تقضي بعدم التمييز بين المذاهب والسماح لكل أتباع مذهب بالتقاضي وفق مذهبهم وشريعتهم الخاصة.

التكوين المذهبي

وألمح التقرير إلى التكوين المذهبي المنحاز للاستقرار، فقد أدى انتشار المذهب الإباضي بين سكان عُمان إلى انتشار قيم التسامح؛ إذ يتسم هذا المذهب بحسن تقدير العواقب والمآلات، بحسب الباحث في مقارنة الأديان «محمد عبدالعاطي».

وقد نتج عن التقاء المذهب الإباضي بالخصوصية الجغرافية للسلطنة هوية عُمانية جامعة حسب ما يراه الباحث في الفكر السياسي الإسلامي، «مصطفى عاشور»؛ إذ تعتبر السلطنة تشكيلا سكانيا وسياسيا قديما متمايزا عن محيطه القبلي والعشائري وهو ما ساعدها في امتلاك هوية مبكرة وذات استقرار، مما ساهم بشكل كبير في ابتعادها عن أحد أهم الأزمات المنتجة للإرهاب ألا وهي أزمة اضطراب هوية المجتمع.

وأكد التقرير أن الوعي السياسي ساهم في استقرار السلطنة؛ فبعد نجاح السلطنة في إنهاء التمرد المُسلح في إقليم ظفار عام 1975، وعلى الرغم من خروجها منتصرة لكنه جرى تبني مبدأ العفو الشامل عن المتمردين، حتى دمج العديد من المعارضين ليصبحوا جزءاً من الحكم.

وقد التزمت السياسة الخارجية العُمانية بجملة من الضوابط ساهمت في إبعاد السلطنة عن نقاط التوتر والاشتباك، وبالتالي احتمالات تعرضها للإرهاب، منها، عدم التورط في أي شكل من أشكال التدخل العسكري، بصرف النظر عن الذرائع والأسباب، فسلطنة عُمان لم تشارك في أي عملية عسكرية خارج حدودها إلا في حرب تحرير الكويت عام 1991.

كما تحرص عمان على الابتعاد عن الاستقطاب وتراعي عدم الانحياز لطرف ما في بؤر الصراع الداخلية، بما جعل السلطنة قادرة على القيام بدور الوساطة في العديد من القضايا الإقليمية والعالمية.

وختم التقرير بالقول إن ابتعاد التطرف عن سلطنة عُمّان جاء نتاج مجموعة من العوامل الجغرافية والتاريخية والثقافية والسياسية المتداخلة، ولكن العامل الأبرز والأهم يتمثل في وعي النخبة السياسية والثقافية والدينية العُمانية وانحيازها لمبدأ التسامح وعدم التعصب.