وكالات-
لافات قديمة حديثة، تظهر على السطح بين حين وآخر، بين الإمارات وسلطنة عمان، غالبا ما تكون أبوظبي فيها سببا للتصعيد، عبر انتهاك سيادة مسقط.
سلطنة عمان، المعروف عنها البدلوماسية الهادئة والنأي بالنفس عن أي صراع، تجد تحرشات عدة من الإمارات، داخليا وخارجيا، ما يثير من تحفظها وغضبها.
خلافي تاريخي
والمعروف تاريخيا، أن المنطقة التي تقع عليها الإمارات تسمى ساحل عمان، وكانت تابعة للسلطنة؛ والتي امتد نفوذها إلى شرق أفريقيا في تنزانيا وزنزبار ومناطق واسعة من ساحل كينيا كانت خاضعة لسيطرتها.
وعند إعلان قيام دولة الإمارات عام 1971، لم تكن السلطنة -بحسب مصادر عمانية- تملك القدرة العسكرية لخوض حروب حفاظا على أراضيها، فتم تقسيم واحة البريمي، وانضمت مدينة العين إلى إمارة أبوظبي، وتداخلت حدود البلدين بشكل لا مثيل له في العالم، وظلت هناك ولايات عمانية داخل أراضى دولة الإمارات الجديدة بالكامل، لرفض قبائلها الانضواء تحت حكم «آل نهيان»، وتمسكهم بالتبعية للسلطنة صاحبة التاريخ العريق.
كما بقيت محافظة «مسندم» كبيرة المساحة ذات الموقع الاستراتيجي الهام كونها تتحكم في مضيق هرمز، تحت السيادة العمانية.
والعلاقات بين الإمارات -التي تعد جزءا تاريخيا من ساحل عمان–، وسلطنة عمان، حساسة للغاية، والخلافات بينهما مكتومة ولكنها تطفو للسطح أحيانا.
وسبق أن دبرت أبوظبي محاولة للانقلاب على السلطان «قابوس بن سعيد»، لكن الأجهزة الأمنية العمانية أحبطتها.
وكانت مسقط قد أعلنت في 2011 عن كشف شبكة تجسس كبيرة بدعم وتمويل من ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد» تضم مدنيين وعسكريين، كانت تهدف بالنهاية إلى انقلاب دموي بالسلطنة، وتنصيب نظام موال يفتقد إلى الطموحات الوطنية.
وحينها لم تذكر السلطنة، جنسية أو عدد المتورطين في الشبكة، إلا أن مصادر رسمية، تحدثت لوكالات أنباء، قالت إن المتورطين يحملون الجنسية العمانية، ويعملون في أجهزة أمنية واستخباراتية، ولديهم رتب فيها.
كما يتهم العمانيون الإمارات بشكل غير رسمي بالوقوف وراء أحداث «صحار» التي شهدت احتجاجات ضد النظام السياسي في البلاد، في فبراير/شباط 2011.
وحدثت أزمة سياسية كبرى بين مسقط وأبوظبي حينها انتهت ظاهريا، بوساطة قام بها أمير الكويت الشيخ «صباح الأحمد الجابر الصباح»، في مارس/آذار 2011، دفعت على إثرها أبوظبي تعويضات مالية كبيرة لمسقط، مع التعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسلطنة.
تحرشات متلاحقة
الأزمات بين البلدين لم تنته، ففي فبراير/شباط 2015، اعتقلت السلطات الإماراتية الكاتب والمدون العماني «معاوية بن سالم الرواحي»، بدعوى الإساءة لأحد رموز دولة الإمارات، قبل أن تتم تبرئته بعد سنة وأيام من اعتقاله.
وشكا «الرواحي»، في تسجيل صوتي تم تسريبه خلال جلسات محاكمته من سوء المعاملة، ومنع الدواء عنه، مهددا بالإضراب عن الطعام أو الانتحار.
وكانت أحد أبرز الأزمات بين البلدين، هو ما كشفت عنه وسائل إعلام دولية، من خطة إماراتية لضرب اقتصاد سلطنة عمان الناهض، من خلال إفشال مشروع ميناء «الدقم» العماني على بحر العرب والذي يعد من أكبر موانئ المنطقة.
حيث سعى ولي عهد أبوظبي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، خلال زيارته للهند في ذلك التوقيت، على إقناع المسؤولين الهنود بإنشاء نشاط مشابه لتخزين نفط الإمارات به، وذلك لضرب مشروع «الدقم»، وأنه تم بالفعل توقيع اتفاقية في هذا الشأن.
وتزامن مع هذاه الأنباء، إعلان الإمارات استئجار جزيرة «سقطرى» اليمنية، في مياه بحر العرب، لإنشاء نشاطات قيل إنها تستهدف ضرب ميناء «الدقم».
وفي مارس/آذار 2016، اعتقلت السلطات الإماراتية الناشط العماني «ثامر البلوشي»، وأودعته سجن الوثبة بإمارة أبوظبي، على خلفية إعلان رأيه أمام أفراد أمن الحدود الإماراتية، في الحرب التي يشنها التحالف العربي في اليمن ضد قوات الحوثي، حيث يحاكم في قضية أمن دولة بزعم «الاستهزاء بسياسة دولة الإمارات»، قبل أن تتم تبرئته في أغسطس/آب 2016.
وفي أغسطس/آب 2016، اتفقت عمان وإيران، على تغيير مسار وتصميم خط أنابيب مزمع للغاز الطبيعي تحت البحر، ليتفادي المرور في مياه تسيطر عليها دولة الإمارات، بعد رفضها مروره عبر مياهها الإقليمية.
وعلى إثر هذه الأزمات المتلاحقة، منعت السلطات العمانية في سبتمبر/أيلول 2016، مستشار الشيخ «محمد بن زايد» ولي عهد أبوظبي، الأكاديمي الإماراتي «عبدالخالق عبدالله»، من دخول أراضيها، بعدما اخبرته أنه «غير مرغوب به».
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، كشف حساب «مجتهد الإمارات» الشهير على «تويتر»، عن مؤامرة ضد سلطنة عمان يقودها ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة «فتح»، «محمد دحلان»، من خلال دعمهما للمعارضة العمانية المزعومة في مسندم وظفار.
وقال «مجتهد الإمارات» في تغريدة له «مصادر خاصة: محمد بن زايد ومستشاره دحلان يعملان على تمويل المعارضة العمانية في مسندم وظفار».
وأكد أنه حتى الآن، حسب المصادر، تم تقديم ما يقارب الـ16 مليون دولار لوجهاء ومشايخ من محافظة مسندم، لافتا إلى أن «بن زايد» يعتبر «إمارة مسندم إمارة محتلة من سلطنة عمان ويطلقون عليها اسم إمارة رؤوس الجبال».
الأمر لم يقف عن أزمة سياسية فحسب، بل تطور إلى شكوى عمانية رياضية، تقدم بها اتحاد كرة القدم إلى «فيفا» في ديسمبر/كانون الثاني 2017، بشأن تثبيت اللجنة الفنية لبطولة «كأس الخليج 23» خسارة منتخب بلاده بنتيجة أمام منتخب الإمارات (0-1) ، بدلا من تحويلها إلى (3 -0) لصالح منتخب السلطنة، بسبب إشراك الإمارات لاعبا موقوفا.
وفي فبراير/شباط 2018، تداول ناشطون عُمانيون، صورة قالوا إنها مأخوذة من أحد كتب المنهج الإماراتي، ادعت أن حضارة «مجان» إماراتية، وليست عُمانية.
كما شن الكاتب الإماراتي «حميد المنصوري» المقرب من السلطات في أبوظبي، في الشهر ذاته، هجوما لاذعا على سلطنة عمان، زاعما بأن مسقط ستصبح عبئا على دول الخليج الغنية.
وانتقد حينها، «المنصوري»، المذهب «الأباضي» واصفا إياه بـ«فرقة من الخوارج»، زاعما بأن هناك «رماد لصراع قادم» بينه وبين المذهب السني.
وأضاف الكاتب الإماراتي أن عمان كل عام لديها عجز في الموازنة، زاعما أن الإمارات هي أكثر دولة تساعد السلطنة.
وفي مارس/آذار 2018، تسبب الفيلم الوثائقي الذي بثته وسائل الإعلام الإماراتية بعنوان: «زايد الأول.. ذاكرة ومسيرة »، في موجة غضب عارمة على إثر تلفيقه لوقائع تاريخية مشوهة وغير حقيقية.
كما شكا القائمون من اجتزاء حديث المؤرخ العماني «محمد المقدّم»، بما يناسب الفكرة العامة التي يرغبون بالترويج لها.
التصعيد الإماراتي الجديد، ظهر عبر تشويه الخرائط العمانية، عبر ضم أراضي تابعة لمسقط، إلى أبوظبي.
ففي يناير/كانون الثاني 2018، وضعت الإمارات خريطة «مشوهة» في متحف «اللوفر» الجديد في «أبوظبي»، ضمت فيها محافظة «مسندم» العمانية إلى حدودها.
وكان آخر هذه الخرائط، ما تضمنه مقطع فيديو لإعلان ترويجي لشركة «الفطيم» الإماراتية، في مارس/آذار 2018، يظهر فيه استيلاء أبوظبي على أراض عمانية.
ووفقا للإعلان الترويجي الصادر عن الشركة الإماراتية لـ«مول عمان»، فقد تعمد الإعلان إزالة محافظة «مسندم» من خارطة السلطنة، وضمها داخل الحدود الإماراتية.
الفيديو الترويجي الذي ضم «مسندم» للإمارات، أشعل غضب المغردين العمانيين، الذي أكدوا أن الهدف هو شن حرب على عمان لقيامها بتطوير ميناء مسندم بالتعاون مع الصين.
اليمن وقطر
الصراع بين البلدين، لم يتوقف عن هذا الحد، بل امتد إلى اليمن، التي تجمعها حدودا مع عمان، وإلى الأزمة الخليجية.
الصراع الخفي في اليمن، بدأ يظهر للسطح شيئا فشيئا، خاصة بعد تنامي الدور الإماراتي لتثبيت نفوذه في محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان؛ مما أثار قلق الأخيرة من استخدام هذه المحافظة، ورقة في مواجهتها بعد هيمنة أبوظبي على الجنوب اليمني.
الصراع الإماراتي العماني برز بشكل جلي في أغسطس/آب 2017، خلال حملات التجنيس لأبناء المناطق اليمنية الحدودية، حيث بدأت الإمارات تجنيس عدد من أبناء سقطرى، فردت عمان بحملة تجنيس أخرى لأسرتي رئيس الوزراء السابق «حيدر أبوبكر العطاس»، وسلطان المهرة الشيخ «عيسى بن عفرار»، شملت نحو 69 من أبناء الأسرتين.
لكن الرئيس اليمني «عبدربه منصور هادي»، أطاح بمحافظ المهرة الشيخ «محمد كده»، الحليف الأبرز لسلطة عمان وحامل جنسيتها، وهي الإطاحة التي كشفت عن ضغوط إماراتية كبيرة مورست عبر السعودية ضد «هادي» لإقالة الرجل.
كما أن التزام عمان بالحياد في الازمة الخليجية، بل وانحيازها إلى قطر معنويا، وضعها في مرمى الإمارات.
وارتفعت أحجام البضائع المتداولة في ميناء «صحار» العماني، بنسبة 30% في الأشهر القليلة الماضية، حيث تصل المزيد من السفن التي تحمل بضائع متجهة إلى قطر، ما دفع هذا المستوى من حركة المرور السفير القطري في سلطنة عمان بالإشادة بموانئ السلطنة باعتبارها البوابة الجديدة لبلاده، بديلا عن ميناء جبل علي في دبي، الذي هو جزء من دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما أظهرت السلطنة تعاطفها مع قطر، وعندما تم حظر الخطوط الجوية القطرية، شركة الطيران الوطنية، من المجال الجوي السعودي في يونيو/حزيران، عملت الطائرات العمانية (المستأجرة من قبل قطر) على نقل الركاب الذين تقطعت بهم السبل من جدة إلى الدوحة.
ويفهم هذا الانحياز لقطر، من السعودية والإمارات خروجا عن صفيهما.
وفي تصعيد للموقف العماني من دول الحصار، قال مسؤول عماني رفيع المستوى، إنه يمكن لسلطنة عمان ودول الخليج الأخرى أن تنشئ تحالفات بديلة إذا استمرت السعودية والإمارات العربية المتحدة والرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في اتباع ما وصفها بـ«سياسات غبية تزعزع استقرار المنطقة»، حسب موقع «ميدل إيست آي» البريطاني.
وقال المسؤول العماني، إن مسقط قد تضطر إلى البحث عن حماية بديلة، حال استمرار المحور السعودي الإماراتي في انتهاج خطط للخروج من مجلس التعاون الخليجي، مضيفا أن الخيارات يمكن أن تشمل إيران المنافس الإقليمي للمملكة والهند التى لها علاقات تجارية قوية مع دول الخليج.