حسن فحص- القدس العربي-
طالب خامنئي العراقيين إلى تسريع إخراج القوات الأمريكية من أراضيهم.
التعجل السعودي يعيد وضع مسار الانفتاح الخليجي على العراق في دائرة الشك والتساؤل حول أهدافه ونواياه.
خالفت زيارة عادل عبد المهدي لطهران توقعات الرياض أن تكون هي محطته الأولى في زياراته لدول الجوار!
فعّلت السعودية انفتاحها على العراق بكل الاتجاهات في محاولة لإبطال وتعطيل مفاعيل الزيارات الإيرانية الرسمية.
الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى العاصمة الإيرانية طهران، من المفترض أن تشكل انطلاقة عملية للتفاهمات التي سبق أن تم الاتفاق عليها في الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل نحو شهر إلى بغداد، وأن تنتقل إلى الاتفاقيات التنفيذية، بما فيها الاتفاقيات المالية بين البنكين المركزيين في كلا البلدين.
الانتقال إلى المرحلة التنفيذية يأتي عشية التحضيرات الأمريكية لإعادة النظر بالاستثناءات التي منحتها لبعض الدول من العقوبات التي فرضتها على إيران ومن بينها العراق، وبالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته إدارج مؤسسة حرس الثورة الإسلامية (الحرس الثوري) على لائحة المنظمات الإرهابية.
طهران التي أعلنت عن نيتها إدراج الجيش الأمريكي على لائحتها للمنظمات والجماعات الارهابية ردا على نية ترامب، إلا أن المرشد الإيراني السيد علي خامنئي كان أكثر وضوحا ومباشرة في رسم الموقف الإيراني، من خلال العراقيين، إلى التسريع في إخراج القوات الأمريكية من أراضيهم، خلال استقباله لرئيس الورزاء عبدالمهدي.
خامنئي لم يقصر دعوته التي تعبر عن الهواجس الإيرانية حول مصادر الخطر الامريكي الذي يتهدد إيران ونفوذها في المنطقة، بل تطرق في حديثه مع عبدالمهدي إلى الدور والمواقف الأمريكية والسعودية، التي تعلن دعمها للعراق وحكومته ودولته، معتبرا أن هذه المواقف لا تريد خيرا للعراق وشعبه ودولته.
وقد تكون الإشارة الاولى التي تصدر عن خامنئي في ما يتعلق بالدور السعودي على الساحة العراقية، وإن كان المسؤولون العراقيون قد سبق لهم أن تطرقوا لهذا الأمر، بشكل مباشر أو غير مباشر. إلا أن صدورها عن المرشد الأعلى يكشف حجم القلق الإيراني، الذي بدأ بالتصاعد من التحركات السعودية في هذه الساحة وفي كل الاتجاهات.
التحركات الإيرانية تبدو مستعجلة لترجمة خمس عشرة سنة من النفوذ في العراق، وتثميرها الآن في جهودها لكسر حلقة العقوبات الامريكية، وتثبيت سيطرتها وإحكام قبضتها على مفاصل القرار العراقي، عبر حلفائها من القوى السياسية العراقية، أو تلك التي تدور في فلكها، أو تسعى للحصول على رضاها من أجل الحصول على دور وحصة في العملية السياسية، أو تلك التي سلمت بالامر الواقع، بعد أن جربت كل الوسائل والطرق للتخلص او التملص من هذا النفوذ وهذه السيطرة، ثم عادت بعد أن اصطدمت بجدار الخيبة من تلك الجهات التي عولت عليها، إن كانت امريكية أو عربية أو غربية.
في مقابل هذا الاستعجال الإيراني، كان لافتا ما شهدته الساحة العراقية من نشاط عربي، خصوصا من الطرف السعودي، الذي يبدو أنه اتخذ قرارا بتفعيل انفتاحه على العراق والقوى السياسية الفاعلة، وفي كل الاتجاهات، تحرك يشي بعجلة سعودية تهدف إلى محاولة إبطال وتعطيل مفاعيل الزيارات الإيرانية الرسمية إلى هذا البلد.
فما كاد الرئيس الإيراني حسن روحاني يختتم زيارته الرسمية إلى بغداد وينتقل إلى مدينتي كربلاء والنجف، حتى أعلن عن وصول وفد سعودي رفيع المستوى أواسط شهر مارس/آذار الماضي، يضم في صفوفه وزير شؤون الخليج ثامر السبهان، الذي سبق أن شغل منصب سفير السعودية في العراق عام 2016 قبل المطالبة بطرده.
وكان اللقاء الأبرز الذي عقده هذا الوفد هو اللقاء مع مستشار الأمن القومي، ورئيس هيئة الحشد فالح الفياض الذي تصفه الرياض بأنه من أدوات إيران على الساحة العراقية.
أما زيارة عادل عبدالمهدي إلى طهران، فقد جاءت على خلاف ما كانت تتوقعه الرياض، بان تكون هي المحطة الأولى لرئيس وزراء العراق في زيارته لدول الجوار.
وقد سبقها بساعات قليلة زيارة وفد سعودي رسمي وصف بأنه الاكبر منذ 30 عاما يصل إلى العراق، يرأسه وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي ويضم 9 وزراء و100 شخصية اقتصادية وتجارية، تحت عنوان تطوير العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي، وإعادة الإعمار والتعاون في مختلف المجالات.
وبين الرغبة السعودية في أن تثمر هذه الزيارة في بناء تعاون أمني وعسكري واستخباري بين البلدين، إضافة إلى مكافحة تجارة المخدرات، ومنع تبييض الأموال وتدريب القوات الأمنية العراقية وحماية الحدود، وضخ الأموال لزيادة فرص الاستثمار، فإن الجانب العراقي حدد رغباته في المضي نحو شراكة اقتصادية وتجارية واستثمارية، وزيادة التبادل التجاري وإعادة فتح المنافذ البرية بين البلدين.
وهذا يعني وجود صعوبة في أن تشكل هذه الانفتاحة السعودية تحديا لإيران التي أسست على مدى أكثر من عقد من الزمن لاحتكار السوق العراقية، مستفيدة من العزوف والانكفاء العربي عن هذا البلد، بذريعة رفض العملية السياسية الجديدة، والدور والنفوذ الايراني فيه.
الانفتاح السعودي على العراق، يأتي بعد دخول هذا البلد في مرحلة ما بعد الصراعات الداخلية المفتوحة، واستقرار أمني وسياسي قد يكون هشاً، الا أن المرحلة الجديدة تعتبر مرحلة استقرار المؤسسة العسكرية على نصاب واضح وطني، من خلال إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية.
وكان قد بدأها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، بالتوازي مع خوضه معركة القضاء على دولة «داعش»، وتحول الحشد الشعبي من فصائل خارج سلطة الدولة، إلى جزء من المؤسسة العسكرية، بقانون أقره البرلمان العراقي، باستثناء بعض الفصائل التي رفضت الانضمام إلى العملية السياسية، أو شملتها التصنيفات الأمريكية بـ«الارهابية».
وبات من الصعب على أي جهة او شخص يتولى منصب رئيس الوزراء أو الأكثرية النيابية، أن يلجأ إلى إلغاء قانون الحشد، من دون أن يتوقع إعادة العراق إلى دائرة الحرب الأهلية ودورة عنف جديدتين.
وما بين استعجال ايران في الدفع باتجاه إقرار قانون "الحشد"، والعجلة السعودية في الدفع باتجاه إلغاء كيان الحشد القانوني، قد يكون خيار اللجوء إلى مظلة المرجعية للحصول منها على رأي بهذا الموقف، انطلاقا من الرهان على تباينات في بعض المواقف بينها وبين طهران، وانطلاقا من خصوصيات عراقية ترفض الغلبة الإيرانية على العراق، خيارا متعجلا يعيد وضع مسار الانفتاح الخليجي على العراق في دائرة الشك والتساؤل حول أهدافه ونواياه.
وبالتالي يعمل على تصليب مواقف الجهة المقابلة التي لن تتردد في التأكيد على صوابية شكوكها من الدور السعودي، كما فعل المرشد الإيراني في لقائه مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي.