كريستيان هيلر - معهد دول الخليج العربية في واشنطن-
أعلنت الولايات المتحدة وسلطنة عُمان مؤخرا، عن اتفاقية تسمح للبحرية الأمريكية بالوصول المنتظم لميناء الدقم على الساحل الجنوبي للسلطنة.
ويمنح الإطار الاستراتيجي للاتفاقية الولايات المتحدة الوصول إلى ميناء صلالة جنوب غرب عُمان، في وقت تتزايد فيه المنافسة الإقليمية بين واشنطن وطهران، التي تدفع الولايات المتحدة لتبني خيارات استراتيجية إضافية بالقرب من مضيق هرمز بالغ الأهمية ومناطق الصراع مثل اليمن.
ومع ذلك، وبعد أسابيع فقط من الاتفاقية الأمريكية العُمانية، وقعت سلطنة عمان مذكرة تفاهم مع إيران لزيادة التعاون العسكري. وتوضح تلك الخطوات كيف تقوم عُمان بوضع نفسها في مكانة قوية بالخليج بينما تحافظ على استقلالها الإقليمي.
الموانئ
ولا يقتصر الوصول إلى الدقم على الولايات المتحدة، حيث تهدف سلطنة عُمان إلى تطوير الميناء والمنطقة المحيطة به لتحويلها إلى مركز صناعي رئيسي على المحيط الهندي.
وكانت المملكة المتحدة شريكا رئيسيا في افتتاح الميناء، وانضمت إليها غيرها من القوى الاقتصادية الكبرى، إذ افتتحت شركتا "دايو" و"مارين إنجيرينيج" الكوريتان لبناء السفن والهندسة الملاحية، الحوض الجاف في 2012.
وتخطط بكين لاستثمار ما يصل إلى 10.7 مليار دولار بالدقم لإنشاء منطقة صناعية صينية عمانية مع مرافق صناعية، وخطوط أنابيب، وحقول نفط، ومستشفى.
كما تخطط شركات صناعة السيارات الإيرانية لاستثمار 200 مليون دولار في المنطقة لإنشاء مصنع مشترك.
فيما استثمرت السعودية 210 ملايين دولار في الدقم، وفى أوائل عام 2018 وافقت عُمان على السماح للبحرية الهندية باستخدام الميناء لدعم العمليات غرب المحيط الهندي.
وتكمن أهمية ميناء الدقم للشحن البحري المدني والعسكري في قدرته على استقبال سفن الدحرجة (مصممة لحمل البضائع ذات العجلات كالسيارات والقاطرات)، وسفن الرفع التي تستخدم الرافعات لتحميل وتفريغ البضائع.
وتعد سفن الدحرجة العسكرية، التي يتم تشغيلها من قيادة البحرية الأمريكية (Sealift Command) من الأدوات الضرورية لنقل إمدادات واسعة النطاق، ومعدات من إلى مسارح العمليات.
يأتي ذلك فيما تشمل خطط مسقط لميناء صلالة عمل طرق سريعة وسكة حديد ومنشأة للغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى زيادة بنسبة 50% في سعة الحاويات.
وتأمل سلطنة عمان أن يشجع موقعي موانئ الدقم وصلالة دول الخليج على شحن النفط إلى الساحل العُماني عبر خط أنابيب، ما يقلل تكاليف الشحن عبر مضيق هرمز، ويجذب الأعمال التجارية بعيدا عن موانئ الخليج إلى الشمال.
كما تشجع إمكانية الوصول إلى الموانئ العمانية مستهلكي الطاقة الخارجيين على التجارة في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية بدلا من المخاطرة في المياه المتنازع عليها بالخليج، وتجنب أي خسارة محتملة أثناء الصراع.
وفي هذا الإطار، عقدت عُمان أيضا شراكة مع الصين في مشروع خارجي طموح، يهدف إلى بناء ميناء بقيمة 10 مليارات دولار في مدينة باجامويو بتنزانيا.
ويتمثل المشروع في بناء 10 أميال من الأرصفة والمراسي بطريقة تشبه مشاريع الموانئ الحالية في شنتشن جنوبي الصين.
فبدلا من الاعتماد على الصادرات النفطية المتناقصة، تأمل عُمان في تأمين وضع مالي أقوى من خلال توسيع التجارة البحرية مع أفريقيا وتوثيق العلاقات مع مشاريع التنمية الصينية.
التموضع الأمريكي
كانت عُمان أول دولة خليجية تدخل في شراكة رسمية مع الجيش الأمريكي عام 1980، وقامت بتخزين مواد احتياطي الحرب لعمليات القيادة المركزية الأمريكي منذ عام 2000.
ويلائم الوصول إلى القاعدة البحرية في سلطنة عمان حاجتين أمريكيتين مهمتين: منفذ وصول إضافي إلى الخليج، وسعة ميناء بمياه أعمق تناسب حاملات طائراتها.
فالولايات المتحدة تبني قواتها في جميع أنحاء الخليج، وأسطولها الخامس، المسؤول عن الشرق الأوسط والبحار المحيطة به، تستضيفه البحرين منذ عام 1995، وتلعب حاملات الطائرات وسفن إزالة الألغام وغيرها من الزوارق أدوارًا مهمة في في جميع أنحاء مسرح عملياته.
وعلى الرغم من أنه ليس مرسى دائمًا لها، إلا أن البحرية الأمريكية تزور جبل علي في الإمارات العربية المتحدة أكثر من أي ميناء آخر حول العالم.
ويعتمد تخطيط قوة الولايات المتحدة في الخارج على تأمين أثمن الأصول البحرية لواشنطن والوصول إليها، وهي الغواصات النووية وحاملات الطائرات، وهو ما يمكن لميناء الدقم دعمه بتوفير إمكانات قوية للإصلاح والصيانة.
وفي هذا الإطار، أجرت البحرية الأمريكية زيارات متعددة إلى الدقم، خلال السنوات الخمس الماضية، لإثبات جدواه كميناء عسكري ومستودع للصيانة.
وتلبي عُمان حوالي 80 طلبا أمريكيا لموانئها كل عام، ومن المحتمل أن يرتفع هذا الرقم مع اتفاقية الدقم، ما يضع السلطنة في منافسة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين ودبي على عقود البنتاغون المربحة.
وتأتي الاتفاقية العمانية الأمريكية بعد سنوات من التعاون والترتيبات الوثيقة بين المملكة المتحدة والسلطنة، فإلى جوار وجود ما يقرب من 500 جندي بريطاني يدعمون عمليات بحرية خارج البحرين للقيام بتمارين وعمليات مكافحة القرصنة، وقعت بريطانيا وعمان اتفاقية، في أبريل/نيسان 2016، لبناء قاعدة بحرية بقيمة 110 ملايين دولار بالقرب من الدقم لدعم قوة بريطانية دائمة، هي الأولى من نوعها في عُمان منذ عام 1971.
والعام الماضي، أثبتت بريطانيا القدرات اللوجيستية للميناء بأعداد كبيرة وتدريبات واسعة النطاق، ووقعت عقد إيجار لمدة 37 عامًا للعمل من قاعدة الدعم اللوجيستي المشتركة.
الرهان بمسقط
وتعتمد مصالح عمان في اتفاقها مع الولايات المتحدة على الاستقلال السياسي والاقتصادي الإقليمي، وتأمل السلطنة في إظهار قيمتها كشريك أمريكي لدعم حيادها من نزاعات الشرق الأوسط.
ومن المحتمل أن يسعى قادة عُمان إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة للانتقال من حكم السلطان "قابوس بن سعيد" المريض إلى آخر غير معروف بعد، فقوة البلد الصغير هي في عقد الصفقات بين الأطراف في الخليج، ويمكن لعلاقات أعمق مع المصالح العسكرية للولايات المتحدة، أن تجعلها تحظى برضا البيت الأبيض وأن تكون بمثابة مصد محتمل للتدخل الخارجي في شأن خلافته من البلدان المجاورة.
وأقنع العداء المستمر بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى عمان بأنها تحتاج إلى ثقل إضافي للقوى العسكرية العربية، واستفادت السلطنة - المحايدة تقليديًا - من عزلة قطر عبر زيادة الروابط الاقتصادية مع الدوحة على حساب العلاقات مع الرياض وأبوظبي.
وتستثمر الكويت، وهي دولة خليجية محايدة أخرى، بالدقم في الوقت الذي تقوم فيه شركات الخدمات اللوجيستية القطرية بتدشين أعمالها في ميناء صحار العماني.
وفي الواقع، شكل الانقسام الخليجي المتنامي ثلاثية فريدة من الشركاء في قطر والكويت وعمان، في محاولة للحفاظ على استقلالهم الإقليمي عبر جذب دول خارجية أكبر.
وامتد هذا الاتجاه لدى عمان شرقًا نحو إيران، ففي أبريل/نيسان الماضي وقعت مسقط وطهران مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
وإلى جانب التدريبات البحرية المشتركة وتجارة تزيد قيمتها على 700 مليون دولار، تشير المذكرة إلى رغبة السلطنة المستمرة في الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران، على الرغم من أنها تزعج بذلك جيرانها العرب (ومن المحتمل واشنطن).
ومن شبه المؤكد أن زيادة التعاون العسكري مع إيران يضع حدودًا على أنواع ومستويات الدعم الذي يمكن أن تتوقعه عمان من الولايات المتحدة والبحرية الأمريكية.
وتأمل السلطنة في جذب الأموال بعيدًا عن موانئ جيرانها، بما في ذلك جبل علي الإماراتي، أكبر ميناء للمياه العميقة في الخليج، من خلال إتاحة منفذ موازي إلى الشرق الأوسط دون تعقيدات مضيق هرمز.
ولدى البحرية الأمريكية أموال تنفقها في المنطقة، فقد استثمرت، على سبيل المثال، أكثر من 580 مليون دولار في مرافق موانئ البحرين بين عامي 2010 و 2017.
وعلى الرغم من أن استثمارات البنتاغون في الموانئ العمانية غير مرجح، إلا أن الصيانة والتزويد بالوقود ورسو السفن وزيارات الموانئ ستضمن تدفق دولارات البحرية الأمريكية إلى السلطنة.
وتساعد الصفقات مع الصين والهند والقوى التجارية العالمية الأخرى على دعم الاقتصاد العماني (الذي يفتقر إلى الثروة النفطية لمنافسيه الإقليميين) والتحوط ضد اعتماده بدرجة كبيرة على النوايا الحسنة للولايات المتحدة أو بريطانيا.
مياه مزدحمة
كما يمكن أن يساعد اتفاق الميناء العماني (الدقم) مع الولايات المتحدة السلطنة في جهودها للاحتفاظ بموقفها المحايد بصفتها صانع صفقات، خاصة أن الحصار الذي تفرضه السعودية على قطر يثير قلق مسقط، في وقت لا يزال مستقبلها السياسي غير واضح فيه، ويتطلب اقتصادها إصلاحًا شاملاً.
وإذا تمكنت مسقط من تشجيع زيارات إضافية للبحرية الأمريكية وزيادة أهميتها في عمليات البنتاغون بالخليج، فقد تكتسب جمهوراً أكبر في واشنطن لسماع آرائها.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للاستثمار الأجنبي الكبير من بلدان كالصين والهند تحويل موانئ عمان إلى مراكز لوجيستية ذات مستوى عالمي على طول طرق التجارة البحرية بين الهند والمحيط الهادئ، ويعني هذا النشاط التجاري، إلى جانب المزيد من الطلب الأمريكي على الموانئ، أن المياه العمانية - وسياستها الخارجية - من المرجح أن تصبح أكثر ازدحامًا.