مجلة “فورين بوليسي”-
كشف موقع مجلة “فورين بوليسي” عن الجهود التي تقوم بها السعودية لوقف الحرب المدمرة التي شنها قبل أربعة اعوام ولي العهد محمد بن سلمان.
وقالت إن شقيقه الصغير الأمير خالد بن سلمان يتولى المهمة من خلال التحضير للقاءات على مستوى عال في العاصمة العمانية مسقط مع ممثلي الحركة الحوثية التي سيطرت على العاصمة صنعاء عام 2014.
وفي التقرير الذي أعده كل من كولام لينتش ولارا سيلغمان وروبي غريمر قالوا فيه إن الأمير خالد سافر الأسبوع الماضي إلى مسقط واجتمع مع السلطان قابوس لتهيئة الأجواء للمحادثات مع الحوثيين الذين سيطروا على القصر الرئاسي في كانون الثاني (يناير) 2015 وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار إلى عدن ومنها إلى السعودية. وتقول المجلة إن لقاء الأسبوع الماضي هو ذروة لقاءات سرية مباشرة بين المسؤولين السعوديين والحوثيين. ويرى وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي أن المهمة الدبلوماسية للأمير في عمان هي “أقوى إشارة” عن تحول في السياسة السعودية وتعكس “التزاما بسلام شامل واعتقاد أن لا حل عسكريا للنزاع” و “أعتقد أن الأمير خالد بن سلمان سيقدم على ما آمل به رؤية جديدة لوقف الحرب المكلفة والتي خلقت عدم استقرار في المنطقة”. وترى المجلة أن الأمير الشاب كلف من شقيقه ولي العهد بالتفاوض على إنهاء الحرب التي أدت لخلق كارثة إنسانية وزادت من تعاون إيران العسكري مع الحوثيين. وترى المجلة أن الجهود لزيادة جهود إنهاء الحرب زادت بعد سلسلة من الهجمات على التراب السعودي بما فيها هجوم أيلول (سبتمبر) الذي أدى لوقف نصف انتاج النفط السعودي. ورغم إعلان الحوثيين المسؤولية عن الهجمات إلا أن السعودية والولايات المتحدة والدول الغربية تعتقد أن إيران هي التي نفذت الهجمات مباشرة أو زودت الحوثيين بالمعدات ودربتهم على الهجمات.
وأغرقت الحرب أفقر بلد عربي في وضع من الكارثة الإنسانية الأسوأ في التاريخ ووضعت 10 ملايين من سكانه على حافة المجاعة و80% منهم بحاجة لمساعدة إنسانية. وأدت الحرب مع القتل خارج القانون لصحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي لتمزيق علاقة المملكة مع الكونغرس وشوهت صورة ولي العهد الذي حاول تصوير نفسه بالمصلح القادر على إخراج بلاده للعالم وتحسين أوضاعها الإقتصادية والإجتماعية ضمن رؤية 2030. وألقت بظلال من الشك على خططه لطرح شركة أرامكو في السوق المالي والتحضير لقمة العشرين العام المقبل التي يأمل أن يظهر فيها إنجازاته. وتمثل المهمة الجديدة امتحانا لقدرة الأمير خالد الذي عين سفيرا في واشنطن في نيسان (إبريل) 2017 حيث القى مقتل خاشقجي بظلاله على فترته القصيرة بواشنطن وانتقد لطريقته في التعامل مع الجريمة حيث وصفت صحيفة “واشنطن بوست” إدارته للأزمة بأنها “حملة ملحمية من الأكاذيب”. ويقول جيرالد فيرستاين، السفير الأمريكي السابق عن خالد بن سلمان بأنه “جديد نسبيا على اللعبة” “وهو ذكي بشكل معقول وقريب من شقيقه وهذا هو مصدر قوته حيث يمكنه الحديث نيابة عن والده وشقيقه”. وعين في شباط (فبراير) نائبا لوزير الدفاع، وكلف بمهمة إدارة الحرب في اليمن وعليه إخراج البلاد منها، ولكن بطريقة تظهر أي اتفاق سياسي على أنه انتصار لشقيقه الأكبر.
وحقق الأمير أول انجاز دبلوماسي له عندما رعت السعودية اتفاقا أنهى المواجهات بين قوات هادي والقوات التي تدعمها الإمارات والتي تدعم انفصال الجنوب عن الشمال. وتراهن السعودية على الإتفاق كحل للمشاكل مع الإمارات التي خفضت من وجودها العسكري في اليمن بشكل يمنح الرياض الفرصة للتركيز على الحوثيين. ويرى المسؤلون الأمريكيون أن خالد الذي تلقى تدريبه كطيار رجل يعرف بالمعايير الغربية و”يستمع” “في الوقت الذي يعني فيه الإستماع للبعض على أنه انتظار للحديث، وهو يأخذ بعين الإعتبار ما تقوله ويستخدمه وربما عدل موقفه” كما يقول مسؤول أمريكي بارز. ويرى أخرون إنه مبتدئ في السياسة وينبع تأثيره من كونه عضوا في العائلة السعودية المالكة. وقال مسؤول خليجي إن الأمير “شاب ولكن ما يقويه هو اسمه”. إلا أن سمعة الأمير خالد في واشنطن تلطخت بسبب ما كشف عن اتصالاته مع جمال خاشقجي في الأسابيع التي سبقت مقتله في القنصلية السعودية باسطنبول. فبعد اختفاء الصحافي شن الأمير حملة نفى فيها بشدة علاقة السعودية بمقتل خاشقجي. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ في ذلك الوقت بوب كوركر إن السفير الشاب “لا يملك أي ذرة من المصداقية”. وغادر الأمير منصبه في شباط (فبراير) هذا العام وسط زوبعة من الغضب لم تهدأ بعد. ولم يؤثر دوره في إدارة ملف خاشقجي بواشنطن على سمعته في السعودية فيما واصل مسؤولون في إدارة دونالد ترامب مقابلته مثل مايك بومبيو، وزير الخارجية.
وعلى خلاف شقيقه الذي عين وليا للعهد في حزيران (يونيو) سلك خالد طريقا مختلفا حيث حصل على شهادة بالطيران من أكاديمية الملك فيصل الجوية وتدرب على قيادة المقاتلات في الولايات المتحدة حيث قاد أف-15 في الحرب ضد تنظيم الدولة واليمن قبل أن تجبره إصابة بالظهر على مغادرة قمرة القيادة. وبعد مغادرته سلاح الجو السعودي عمل مستشارا مدنيا لوزارة الدفاع ثم سفيرا في واشنطن، حيث انفق 8 ملايين دولار في العام الأول من عمله في السفارة. ورغم مسؤوليته عن العلاقات السعودية- الأمريكية بشكل عام إلا أن تركيزه كان على الحرب في اليمن التي أصبحت شاغله الأول بعد تعيين نائبا لوزير الدفاع. ورغم استقباله في أحاديثه مع المشرعين الأمريكيين إلا أنه تحدث عن وجود حزب الله على الحدود السعودي باعتباره تهديدا وجوديا، ومواجهته تأتي في المرتبة الأولى والثانية والثالثة فيما يأتي التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة القاعدة في المرتبة الرابعة. والامير خالد ليس قلقا من القرارات التي تصدر على الكونغرس بقدر ما هو معني بالرسالة السياسية التي ترسلها إلى المسؤولين السياسيين. فخلال السنوات الماضية عبر الكونغرس عن معارضته للتورط الأمريكي في اليمن بما في ذلك بيع الصواريخ الموجهة بدقة للسعودية والإمارات. وقاد هذا إلى سلسلة المواجهات العالية بين الكونغرس والبيت الأبيض الذي تردد بالتخلي عن دعم السعودية في مواجهتها مع إيران. وأوقفت الولايات المتحدة تزويد الطيران السعودي بالوقود عام 2018 مع أن التعاون الأمني مستمر. ويقول المسؤول إن خالد بن سلمان يعرف أن قطع الدعم الأمريكي لا يعني أن بلاده ستوقف الحرب في اليمن لأنه يمثل “التهديد الأكبر”. واستطاعت السعودية تجاوز الشجب الدولي بسبب الحرب في اليمن بما في ذلك القصف العشوائي للأهداف المدنية والحصار الذي أدى إلى أزمة إنسانية لكنها بدأت بالبحث عن الدبلوماسي وبشكل قوي بعد هجمات أيلول (سبتمبر)، وكشف الهجوم على مكامن ضعف السعودية، كما أن وضعها لم يعد محتملا بعد قرار الإمارات سحب قواتها من اليمن والبحث عن طرق للسلام مع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين. كما سحب السودان الذي وفر 40.000 مقاتلا للحرب في اليمن ألافا من قواته ومقاتلي الدعم السريع هناك. كما وسحب المغرب قواته بداية العام الحالي. وأثبت الحوثيون بدعم إيراني قدرتهم على نقل الحرب إلى داخل السعودية باستهداف العاصمة والحقول النفطية والمطارات في عام 2018. وبعد هجوم إبقيق وخريص في أيلول (سبتمبر) الذي اتهمت فيه إيران انتظرت الرياض ردا أمريكيا إلا أن إدارة ترامب استبدعت الحل العسكري وأرسلت تعزيزات عسكرية. ويقول السفير السابق في اليمن فيرستاين معلقا على الموقف الأمريكي “حقيقة أن أمريكا لم ترد وبقوة على أي من الإستفزازات أعطى إشارة للسعوديين والإماراتيين بأن عليهما عدم الإعتماد على أمريكا لكي تضمن أمنهما وعليهما البحث طرق لتخفيف التوتر”. وقال مسؤول أمريكي بارز إن عدم رد أمريكا على هجمات أرامكو بالإضافة لحملة الضغط القصوى على إيران زادت من الضغوط على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، بل وحاول السعوديون في الأسابيع الأخيرة الوصول إلى الإيرانيين مباشرة لتخفيف التوتر. وقال المسؤول إن الهدف الرئيسي من الإتصالات هو تخفيف التدخل الإيراني في اليمن ومنع تحول الحوثيين إلى حرب وكالة أخرى ومن هنا تواصلوا مع إيران مباشرة. وأضاف المسؤول إن السعوديين توصلوا بعد هجمات أرامكو أنهم هم الذين سيعانون من أضرار استراتيجية ترامب وليس إيران.
وكانت السعودية مترددة بالتفاوض مباشرة مع الحوثيين، تاركة الأمر لعدد من مبعوثي الأمم المتحدة للتوسط بين الحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية والحوثيين. وفي الوقت الذي دعمت فيه السعودية قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في نيسان (إبريل) 2015 الذي يعترف بحكومة هادي ويطالب الحوثيين التخلي عن المناطق التي سيطروا عليها وتسليم السلاح الذي اخذوه أثناء السيطرة على صنعاء. ومع مرور الوقت بدا واضحا “ليس فقط للسعوديين بل للدول الخمس دائمة العضوية أن هذا (قرار 2216) لم يعد واقعيا ولا يمكن تطبيقه” كما يقول القربي. وفي الوقت نفسه بدأ السعوديون خط اتصال سري للتواصل مع الحوثيين مباشرة حالة استدعت الحاجة. فقد التقى السفير السعودي في اليمن محمد الجابر مع المفاوض الرئيسي للحوثيين محمد عبد السلام على هامش المؤتمر الذي عقد برعاية الأمم المتحدة عام 2016 في الكويت. وأدى اللقاء لإتفاق على إنهاء الأعمال العدائية ولجنة خفض التوتر والتنسيق على الحدود السعودية الجنوبية. إلا أن الإتفاق تجمد بعد قيام الحوثيين بتوجيه ضربات صاروخية لمنشآت في الجنوب عام 2017. وفي الوقت نفسه واصلت الولايات المتحدة وبريطانيا جهودها لإقناع السعوديين التحاور مع الحوثيين مع استمرار الحرب والكارثة الإنسانية التي خلقتها. وبحسب ثلاثة مصادر دبلوماسية قام السفير البريطاني في اليمن مايكل آرون بنقل الرسائل بين السعوديين والحوثيين. فيما تبادل مدير الإستخبارات السعودية خالد بن علي الحميدان رسائل واتساب مع عبد السلام، المفاوض الحوثي. وفي أيلول (سبتمبر) قام وزير خارجية الحوثيين حسين العزي بالسفر برا إلى العاصمة العمانية مسقط، التي تحولت إلى قاعدة دبلوماسية غير رسمية للحوثيين حسب مصدر دبلوماسي. وساعدت الحكومة البريطانية على ترتيب طائرة إلى العاصمة الأردنية عمان حيث التقى العزي بنائب الحميدان هناك. ولم تعلق لا الحكومة البريطانية أو السعودية على الأخبار. وبعد لقاء عمان في 20 أيلول (سبتمبر) أعلن الحوثيون عن وقف الهجمات الحدودية ضد السعودية، ووعدوا بان يكون الأمر دائما لو أوقفت السعودية الغارات الجوية ضد الأهداف الحوثية. ولكن الحوثيين استمروا بتنفيذ هجمات ضد المصالح السعودية، مثل السيطرة على سفينة سعودية إلى جانب سفينتين في البحر الأحمر. وبحسب تقرير لوكالة أنباء أسوسيتدبرس فقد كان الحوثيون على اتصال مستمر عبر الفيديو خلال الأشهر الماضية. وبحسب التقرير فقد ناقش الطرفان إمكانية فتح ميناء صنعاء وإنشاء منطقة عازلة بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحدود السعودية والتزام من الجماعة بالإبتعاد عن إيران. وقال مصدران دبلوماسيان إن مسؤولين سعوديين وحوثيين بارزين عقدوا اجتماعات وجها لوجه على هامش لقاء الأمير خالد مع السلطان قابوس. ورحبت حلفاء السعودية بمحاولات التقارب مع الحوثيين في الحرب التي باتت بلا نهاية وحان الوقت لصفقة مع الحوثيين. وقال فيليب ناصيف من أمنستي إنترناشونال “وصلوا إلى هذه النقطة لأن السعوديين والاماراتيين واجهوا سلسلة من العقبات بما فيها الحقيقة البسيطة وهي عدم وجود تقدم عسكري لتغيير الوضع القائم”. وفي مؤتمر سياسي قال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن أي اتفاق “يجب أن يأخذ بعين الأعتبار طموحات كل أطراف المجتمع اليمني بما فيها الحوثيون”. وقال “لقد أطلق الحوثيون الدمار الكبير في البلد ولكنهم جزؤ من المجتمع السعودي وسيكون لهم دور في المستقبل”. وأزعجت اللقاءات السرية الذين لهم علاقة بالملف اليمني الذين شعروا أنهم همشوا، وحتى المبعوث الأممي مارتن غريفثس الذي دعم التقارب لكي يعطي زخما لجهوده. وقال مسؤول يمني بارز “حسب رأيي فقد أخرجت الحكومة اليمنية من الصورة، وهذا أمر خطير” ودعا للحفاظ على دور الأمم المتحدة. و”أي محاولة لإفشال عملية الأمم المتحدة ستنتهي إلى الهاوية”.