الخليج أونلاين-
تجذب سلطنة عمُان الأضواء هذه الأيام بعد الانتقال السياسي السلس الذي عاشته، بوفاة السلطان قابوس بن سعيد الذي حكم البلاد نصف قرن ويعتبر مؤسس البلاد على النمط الحديث.
وتسود تساؤلات حول السياسة العمانية المقبلة، والتحديات التي تنتظر السلطان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد، داخلياً وخارجياً، وكيف سيكون شكل إدارته للتعامل معه.
الأكاديمي العُماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، تحدث لـ"الخليج أونلاين"، حيث أبرز ملامح الفترة المقبلة وسياسة السلطان الجديد.
وأكد الغيلاني أن عُمان بتولي السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، دخلت مرحلة "التأسيس الثاني"، متوقعاً أن تشهد انعطافات سياسية.
وأوضح أن "السلطان هيثم بن طارق استمد شرعيته من وصية السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وفق ما أعلنه مجلس الدفاع الذي أناط به الدستور الإشراف على عملية انتقال السلطة".
وتابع في هذا الصدد: إن "اعتماد الوصية إحدى طريقتين نص عليهما الدستور العُماني لاختيار السلطان، والطريقة الأولى تتمثل في قيام مجلس الأسرة الحاكمة بالاختيار، غير أن الأخير قد تنازل عن حقه الدستوري، مؤثراً القبول بمن نصت عليه الوصية".
تحديات المرحلة
ولفت إلى أنه خلال العقود الخمسة الماضية حقق السلطان الراحل منجزاً سياسياً وخدمياً مقدَّراً، ولكن لهذه المرحلة تحدياتها التي أفرزتها تحولات داخلية و إقليمية، ولها مقتضياتها التي ولَّدتها اعتبارات جيوسياسية واقتصادية.
كما أشار إلى أن السلطان الجديد"سيجد نفسه أمام إكراهات يستلزم التعاطي معها، بابتكار أدوات سياسية وإدارية غير تقليدية".
وبيَّن أن تأكيد السلطان في خطابه الأول على استمساكه بنهج سلفه، فيه إشارة إلى الكليات والثوابت. أما الإدارة السياسية التفصيلية والتعاطي مع الملفات الحرجة، فسيكون محكوماً بإكراهات المرحلة وتحدياتها البالغة التعقيد.
وأردف بالقول: "المقاربات التنفيذية ستقتضي نهجاً أكثر فاعلية، وهذا يعني تلقائياً الشروع في مرحلة التأسيس الثاني، بعد انقضاء مرحلة التأسيس الأول التي قادها السلطان قابوس".
وتقلد السلطان بن طارق، حسب الغيلاني، السلطة متكئاً على ثلاثة عوامل ستوفر له مكنة قيادية تعينه على إدارة الدولة، وأولها خلفيته الدبلوماسية التي يسَّرت له اطلاعاً على تعقيدات السياسة الخارجية.
وأوضح أن "هذه الخلفية شكَّلت وعيه السياسي بمعادلات الصراع الإقليمي، وفتحت له نافذة على السياسة الدولية".
وتابع بالقول: "ثاني تلك العوامل هو إدارته للشأن الثقافي حيناً طويلاً من الدهر، وثالثها ترؤسه للرؤية المستقبلية 2040 التي ستشكل رؤيته الناظمة لإدارة الملفين الاقتصادي والخدمي، وتوفر له معطيات تخطيطية تيسّر له إدارة الشأن التنموي وتمنحه وفرة معلوماتية وتفرداً معرفياً يمكّنه من المعالجة الصائبة".
ملفات حرجة
ويضع الأكاديمي العماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية جملة من الملفات الحرجة التي ستستحوذ على القدر الأعظم من الطاقة السياسية والجهد الإداري، خلال الفترة القادمة من حكم السلطان الجديد.
وأبرز هذه الملفات وفق الغيلاني، ملف التوظيف الذي بلغ درجة من التورم تستدعي معالجات عاجلة ومقاربات جريئة، وحلولاً غير تقليدية.
وأشار إلى أن التنمية الاقتصادية التي من شأنها نقل الاقتصاد العماني من حالته الريعية إلى الحالة الإنتاجية، من ضمن تلك الملفات، إذ لم تعد الدولة الرعوية ذات الاقتصاد الريعي النموذج القادر على البقاء، ولم تعد البنى الاقتصادية التقليدية قادرة على الوفاء باحتياجات الدولة الحديثة.
ويكمل بالقول: "تنويع مصادر الدخل غدا ضرورة تنموية وشرطاً جيوسياسياً، للاستقرار وتكامل عملية البناء في السلطنة".
وأضاف: "الجهاز الإداري للدولة بات مثقلاً في ظل غياب الفاعلية وترهل الأداء وشيوع التقاليد الإدارية البالية"، مشيراً إلى أن "كل ذلك يفرض على المؤسسة السلطانية تحديثاً أصيلاً يفضي إلى تنقية الجهاز الإداري من علله، وإعادة هيكلته وفق اعتبارات مهنية صارمة".
انعطافات تدريجية
وعن السياسية الخارجية للسلطنة، يرى الغيلاني أنها منخرطة بصمت في جملة من الملفات الإقليمية، ولا يسعها الإعراض عن تلك الأزمات أو تجاهلها، ولكل أزمة إكراهاتها التي لا سبيل إلى تخطِّيها.
وأشار إلى أن الأزمات تستدعي مقاربات متجددة وإبداعاً في التعاطي معها، خاصةً الأزمات المتصلة اتصالاً مباشراً بالأمن القومي العماني، وفي طليعتها الأزمة اليمنية وتداعيات الصراع الأمريكي-الإيراني، وأزمة الخليج، حيث لتلك الأزمات انعكاساتها المباشرة على أمن السلطنة القومي ومصالحها الحيوية.
ووفق حديث الغيلاني، فلن تشهد السياسات العمانية تحولاً دراماتيكياً في المدى القصير، لكنها ستشهد انعطافات تدريجية تمليها ضرورات الإدارة السياسية، وتفرضها إكراهات الواقع المتغير، وتصوغ ملامحها عوامل الديموغرافيا والجغرافيا، ممزوجة بمرئيات الحكم وأدوات السياسة.
وأردف بالقول: "التأسيس الثاني للسلطنة والذي بدأت مرحلته الأولى في الحادي عشر من يناير 2020، هو استحقاق تاريخي لا يقطع مع التأسيس الأول الذي امتد نحو نصف قرن، بل هو امتداد له، ولكن لكل من التأسيسَين خصائصه ومرئياته وأدواته".
وتعد رؤية السلطان الناظمة وفريقه السياسي والتخطيطي هما العاملان الحاسمان في معركة البناء، وهما المحددان الاستراتيجيان لقياس المؤشرات المفتاحية لملامح مرحلة التأسيس الثاني للدولة العمانية الحديثة، حسب الغيلاني.
وتتوافر لدى عُمان خصائص تؤهلها لبلوغ نهضة اقتصادية وعمرانية نموذجية وفق الغيلاني، وأولها تكوينها الديمغرافي وثراؤها التاريخي وجغرافيتها الباذخة الثراء، وتموضعها الجيوسياسي.