ركزت معظم التحليلات التي استشرفت مستقبل عمان بعد وفاة السلطان "قابوس بن سعيد" على السياسة الخارجية لسلطنة عمان واحتمال أن تحافظ السلطنة على نفس درجة الحياد في خضم التنافس الإقليمي.
على الصعيد الداخلي، من المحتمل أن يؤثر التغيير في القيادة على التوازن بين مراكز القوى المحلية في السلطنة.
كان "قابوس" يتمتع بدرجة استثنائية من الحكم الذاتي والسلطة داخل هيكل السلطة العماني، والذي استند إلى دوره التاريخي كموحد وباني الدولة العمانية الحديثة.
ومن غير المرجح أن يكون السلطان الجديد "هيثم بن طارق" قادرا على احتكار السلطة بنفس الدرجة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه سلطنة عمان.
ولبناء ائتلاف حاكم قابل للحياة، هناك عدة خيارات أمام السلطان الجديد، تحمل كل واحدة منها تداعيات مختلفة على الاتجاه الاقتصادي والسياسي في سلطنة عمان.
المرحلة الانتقالية
كان حكم "قابوس" فريدا. في بقية ممالك الخليج، ترافق إنشاء الدولة البيروقراطية الحديثة بتشكيل حكم الأسرة الحاكمة؛ حيث تم دمج أعضاء مجلس الحكم في الهيكل الحاكم كوزراء يحملون الحقائب الرئيسية. لم يحدث تقاسم السلطة هذا في عُمان، أو ليس بالقدر نفسه.
في وقت رحيله، لم يكن "قابوس" يحكم فقط، بل كان يدير الحكومة كرئيس للوزراء، وتمسك بجميع المناصب السيادية تقريبا؛ حيث شغل مناصب وزير الدفاع، ووزير الخارجية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير المالية، ورئيس مجلس محافظي البنك المركزي.
وملخصا هذا الوضع، قال أستاذ العلوم السياسية الأمريكي الذي اكتسب شهرة من خلال أطروحته حول الأنظمة الملكية العربية، "مايكل هيرب": "بينما يحكم آل سعود السعودية، وآل الصباح الكويت، يحكم قابوس عُمان".
لقد تم تصميم انتقال السلطة مؤخرًا بخبرة للحفاظ على هذه القاعدة. فقد رفض مجلس الأسرة الحاكمة ممارسة سلطته الدستورية لاختيار الحاكم التالي، واختار قبول إرادة "قابوس" على النحو المعبر عنه في خطاب تم فتحه أمام الجمهور. هذا يعني أن السلطان الجديد غير مدين لعائلته على منصبه.
في أول خطاب له، تعهد السلطان "هيثم بن طارق" باتباع المسار الذي وضعه السلطان الراحل في السياسة الخارجية. وأصدر منذ ذلك الحين توجيها بالحفاظ على صورة "قابوس" بجانبه في الاجتماعات الرسمية والمكاتب، وهذا يشير رمزيا إلى استمرار تراث "قابوس".
ومع ذلك، في حين أن مجلس الأسرة لم يتدخل في الخلافة، إلا أن هناك ديناميات جديدة قد تؤدي إلى جعل عائلة "آل سعيد" في المقدمة.
فعلى عكس "قابوس"، الذي كان بلا أطفال وبدون شقيق ذكر، لدى "هيثم" أقارب ذكور مقربين. ومن بين هؤلاء، أخان غير شقيقين، هما "أسعد بن طارق" و"وشهاب بن طارق"، وكلاهما كان يُعتبر في السابق خليفة محتملا.
ويوصف نجل "أسعد" الأكبر، "تيمور"، كشخصية رائدة في الجيل القادم من أفراد العائلة المالكة. ويوجد لدى "هيثم" نفسه ولدان: الأكبر، "ذي يزن"، الذي درس في "أوكسفورد"، وانضم إلى وزارة الخارجية عام 2013، حيث يعمل في السفارة العمانية في لندن منذ عام 2018، وقد عاد إلى مسقط ويحضر لوظائف دبلوماسية رئيسية منذ ذلك الحين.
وجرى تنظيم عملية انتقال السلطة في عمان بشكل يظهر الوحدة المثيرة للإعجاب داخل البيت الملكي، بما في ذلك دور منافسه المفترض "أسعد".
في العائلات الخليجية الحاكمة الأخرى، أدت المنافسة بين أفراد الأسرة إلى زيادة السيطرة الملكية على الحكومة؛ حيث تم تلبية مطالب الأسرة من خلال عمليات التطهير الحكومية. حتى لو لم تتم السيطرة على هذه الديناميكية التنافسية في عُمان فإن الوجود الملكي قد يكون محسوسا بطرق أخرى.
في السنوات الأخيرة، زاد أفراد عائلة "آل سعيد"، بما في ذلك السلطان الجديد وإخوته، من مشاركتهم في الأعمال التجارية. وستؤثر طريقة إدارة "هيثم" لهذه العملية على القضية الحرجة المتمثلة في النمو الاقتصادي بسلطنة عمان.
رابطة رجال الأعمال والحكومة
دمج "قابوس" العديد من الأقليات في الهياكل الحاكمة، ضمن سردية التسامح بين الأديان والأعراق. ومع ذلك، ظهرت مجموعة محبوبة بوضوح من داخل القيادة وهي "الأسر التجارية العمانية".
يُقدم هذا الاعتماد السياسي على التجار مزايا ومخاطر. إذ جلبت هذه الفئة دائرة دعم انتخابية قوية للحكومة وطموحاتها في التنمية الوطنية واسعة النطاق. لكن في أوقات الركود الاقتصادي، تسببت في وضع الحكومة عرضة لاتهامات تضارب المصالح. هذا بالفعل ما حدث عام 2011؛ حيث طالب المتظاهرون في ميناء صحار الصناعي بإصلاح الحكومة من خلال شكاوى تركز على الفساد.
قابل "قابوس" تلك الأزمة الداخلية من خلال تصميم قوي ضد المعارضة، لكن أيضا بمزيج من التنازلات. لقد ضاعف تقريبا الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص وخلق 50 ألف وظيفة حكومية جديدة، معظمها في أجهزة الأمن. كما طور المؤسسات التشاركية في سلطنة عمان من خلال إنشاء مجالس بلدية منتخبة ومنح المزيد من الصلاحيات لمجلس الشورى المنتخب.
تم إقالة عدد من الوزراء الذين تعرضوا لانتقادات واسعة، وسط حملة أوسع نطاقا لمكافحة الفساد أسفرت عن إدانة بعض المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال على مدار السنوات القليلة التالية.
في عام 2019، ارتفع العجز العماني إلى 50 مليار دولار؛ ما ساهم في ارتفاع حاد في الدين العام من أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 50% في 4 سنوات فقط. وهذا يحد من قدرة السلطان الجديد على استخدام طريقة "قابوس" من خلال تكرار الإنفاق الحكومي والحلول الشعبية.
هناك حاجة ماسة لخلق المزيد من فرص العمل للشباب العمانيين. لكن هناك أيضا حاجة إلى تهيئة ظروف مواتية لجذب رؤوس الأموال إلى البلاد.
ويعتبر سقف التوقعات مرتفعا بشأن "هيثم" للعمل بسرعة وحسم بعد سنوات تم فيها اتخاذ القرارات المتعلقة بالاقتصاد وفقا لاستراتيجية "بطيء ولكن للأمام" بمعنى المضي قدما في تطوير البنية التحتية على نطاق واسع، لا سيما في الموانئ والخدمات اللوجستية، فيما يتم الاقتراب من الإصلاحات الهيكلية بحذر.
ليس من السهل الوصول إلى الحلول التي ستخلق طريقا إلى رخاء أكبر مع الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي العماني. سيحتاج "هيثم" إلى الموازنة بين المصالح المتنافسة وإشراك جميع الأطراف بشكل مثمر بدرجة من النضج السياسي مماثلة لتلك التي أظهرها سلفه. وللحصول على قبول من الجمهور العماني، قد يلجأ إلى المؤسسات التشاركية في عمان.
المشاورة الشعبية
خلقت عمان وسيلة للمشاركة العامة الرسمية من خلال انتخابات المجالس البلدية ومجلس النواب ومجلس الشورى. وفي حين أن دور المجالس البلدية استشاري، يمكن لمجلس الشورى اقتراح وتعديل التشريعات التي صاغها مجلس الوزراء ووزراء الخدمة المكلفون فيما يتعلق بانتهاكات القانون، وهذه الصلاحية لا تشمل وزيري الدفاع والشؤون الخارجية.
لكن في الممارسة العملية، لم تثبت هذه المؤسسات القدرة على فرض مساءلة ذات معنى. نادرا ما يحدث استجواب الوزراء، ويفتقر مجلس الشورى إلى آليات لفرض استجابة حقيقية من الحكومة.
ويمثل عدم الاهتمام الشعبي مشكلة؛ فبالرغم من بعض الجهود الناجحة لإشراك الشباب، فإن المشاركة في التصويت كانت غير متكافئة ومتراجعة منذ نسبة المشاركة البالغة 76% في عام 2011.
يكمن جزء من التحدي في إنشاء هيئة يمكنها تمثيل المصالح المتنوعة والمتغيرة للمجتمع العماني والتعامل مع التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
وكما اتضح مرة أخرى في انتخابات مجلس الشورى، أكتوبر/تشرين الأول 2019، لا يزال التصويت والتمثيل يعكسان الروابط العائلية والقبلية التقليدية للغاية، ولا يزال المال في الانتخابات يمثل مشكلة بحيث يتم تمثيل أصحاب الأموال أو رأس المال الاجتماعي بشكل كبير في المجلس.
وتدور تساؤلات حول ما إذا كان هذا التمثيل سيكون مناسبا لمواجهة التحديات التي تواجه المناطق الصناعية مثل صحار أو تعقيدات خلق فرص العمل. من اللافت للنظر أن نسبة المشاركة في الانتخابات غير متكافئة إلى حد كبير؛ حيث أظهرت المناطق الداخلية التقليدية في ظفار مشاركة عالية للناخبين، بينما كانت المشاركة من المراكز السكانية في مسقط والشمال منخفضة للغاية.
عززت المحادثات مع العمانيين الإحساس بأن الثقافة السياسية لم تنضج بعد بطريقة يمكن أن تؤدي إلى مشاركة سياسية فعالة، خاصة في المناطق الحضرية التي تجسد المزيد من عدم التجانس الاجتماعي.
الوضع الراهن أو التغيير؟
أكد انتقال السلطة من "قابوس" إلى "هيثم" وحدة البيت الحاكم والاستمرارية من الحاكم إلى خليفته. وكانت هذه الدرجة من الثبات مطمئنة للعمانيين.
ومع ذلك، فإن الوضع الراهن -خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد- غير مستدام وسيضغط على القيادة الجديدة لإجراء تغييرات فورية.
وسيتضح الكثير حول حكم "هيثم" عبر رؤية الطريقة التي سيتعامل بها لتحقيق التوازن بين مصالح الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال من جهة، والمؤسسات التي تمثل الجمهور الأوسع من جهة أخرى.
كريستين سميث ديوان/معهد الخليج بواشنطن-