الخليج الجديد-
"الأكبر منذ تولي السلطان هيثم بن طارق آل سعيد مقاليد الحكم في يناير/كانون الثاني الماضي".. هكذا وصف مراقبو الشأن العماني إعلان مسقط، الثلاثاء، عن تعديلات وزارية غادر على أثرها "يوسف بن علوي" منصبه بعد 23 عاما قضاها وزيرا للشؤون الخارجية؛ ما جعله أقدم نظرائه في العالم.
وإلى جانب الثقل التاريخي لدور "بن علوي" باعتباره "الوزير المخضرم"، دفعت الإقالة المفاجئة المراقبين للتساؤل حول سببها وأبعادها وتوقيتها.
أما التوقيت فيرتبط بسياق التعديل الوزاري برمته، الذي يتزامن مع حالة اقتصادية صعبة تمر بها السلطنة، التي يعدها الخبراء واحدة بين أضعف اقتصادات منطقة الخليج الغنية بالنفط، والأكثر عرضة لخطر تقلبات أسعاره مقارنة مع معظم جيرانها؛ إذ أنها منتج صغير للخام وتنوء بعبء مستويات مرتفعة من الدين.
وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هذا الأسبوع تصنيف السلطنة للمرة الثانية خلال العام الحالي بسبب استمرار التناقص في الميزانية العمومية والميزان الخارجي.
وكان السلطان "هيثم" تعهد بعد توليه مقاليد الحكم بأن تعمل الحكومة على خفض الدين العام و"إعادة هيكلة المؤسسات" والشركات العامة لدعم الاقتصاد، وهو ما ربطه المتابعون لشأن السلطة بـ28 مرسوما أصدرها السلطان، اليوم، شاملة استحداث وزارات جديدة ودمج وتعديل أسماء أخرى ووظائفها.
ويشير نص المراسيم، في هذا الصدد، إلى اتجاه لتوسيع صلاحيات حقيبة الخارجية؛ إذ كان "بن علوي" الوزير "المسؤول عن الشؤون الخارجية" منذ عهد السلطان الراحل "قابوس بن سعيد"، وهو مسمى يعني أن الوزير يعمل تحت إشراف السلطان، في حين جاء أمر تعيين "بدر البوسعيدي" تحت مسمى "وزير الخارجية"، بما يؤشر إلى أنه "قد يتمتع بصلاحيات إضافية"، وفقا لما أوردته وكالة "فرانس برس".
وأما أبعاد إقالة "بن علوي" فتبدو مرتبطة بعملية إعادة الهيكلة الشاملة للدولة، التي يقودها "هيثم بن طارق"، ولا علاقة لها على الأرجح بموقف السلطان من أدائه مؤخرا أو اتجاه لتدشين اتجاه جديد للدبلوماسية العمانية، وهو ما تدعمه تعليقات المراقبين الموالين لنظام السلطنة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي أجمعت على المفاخرة بتاريخ وزير الخارجية السابق والثناء عليه.
لكن تعليقات أخرى قدمت مؤشرات على أن الوزير السابق لم يكن محبوبا من بعض الجيران في دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، وهو ما كشفه تسريب وسائل إعلام مقربة من الرياض لمقطع فيديو قبل أشهر لمحادثة مزعومة جمعت بين "بن علوي" والزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي"، أثار فحواها لغطاً وضجةً واسعة في الأوساط الخليجية، خاصةً أنه تضمن ما بدا انحيازا لإيران، ونظرة مستقبلية قاتمة إزاء السعودية.
موالون للنظام السعودي يروجون لهذه الرواية، ومنهم الصحفي "عضوان الأحمري"، رئيس تحرير صحيفة "إندبندنت عربية"، الذي كتب عبر "تويتر"، أن سلطان عمان الجديد "يميل لتقارب أكثر مع السعودية وموازنة العلاقة مع إيران"، زاعما أن "تسجيلات القذافي، والتي ظهر فيها بن علوي متجاوبا مع أحاديث عن أمن المملكة هزّت صورته في الشارع السعودي والخليجي، وكانت الإقالة متوقعة".
الوزير المخضرم
وعرف "بن علوي" تاريخيا بأنه "رجل الوساطات" و"حكيم السياسة العمانية"، وشكل واجهة السياسة الخارجية للسلطنة تحت إشراف السلطان السابق "قابوس بن سعيد"، الذي حكم البلاد لنحو نصف قرن.
ومن اللافت في تاريخ الوزير السابق أنه ولد في صلالة عام 1945، وكان في بداية شبابه معارضا، وانضم لثوار ظفار قبل حكم السلطان "قابوس"، لكنه سرعان ما ترك الثورة بعد اتجاه قادتها نحو التحالف مع الاتحاد السوفيتي واليمن الجنوبي.
وأكمل "بن علوي" دراسته في الكويت متنقلا بعدها كموظف في عددٍ من الشركات والدوائر الحكوميّة الكويتيّة، وفي عام 1970 دعاه السلطان "قابوس" للعودة إلى الوطن بعد شهر من تولّيه السلطة، ليبدأ عمله عضوًا في اللجنة العمانية للنوايا الحسنة الموفدة إلى العواصم العربية عام 1971.
وبعد عامين (1973) أصبح "بن علوي" سفيرًا لسلطنة عمان في الجمهورية اللبنانية، وفي عام 1974، تمّ تعيينه نائبا للأمين العام لوزارة الخارجيّة، ثم عين عام 1982 كوزير دولة للشؤون الخارجية، وفي عام 1997 اصبح "الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية" تحت إشراف السلطان.
دبلوماسية الوساطة
والمتتبع لأداء "بن علوي" على مدى 23 عاما يمكنه رصد قيادته لخط عام يقوم على حفظ نهج الدبلوماسية العمانية المحايد، وتوثيق علاقات خارجية تعاونية، خاصة مع البلدان العربية، وهو ما وصفه في إحدى مقابلاته بأن "سياسة السلطنة الدائمة هي السلام والسلام مع جميع الأمم التي تشاركنا السلام وأفكار السلام وأيدلوجية السلام".
وفي هذا الإطار، لعب الوزير السابق دورا بارزا في تشكيل علاقة متوازنة مع إيران على خلاف موقف أغلب دول الخليج العربية، حتى إنه زار طهران 3 مرات في يناير/كانون الثاني الماضي وحده، وسط تقارير غربية تحدثت عن وساطة عمانية لنقل الرسائل بين طهران وواشنطن.
كما لعب "بن علوي" دورا بارزا في تنفيذ اتجاه الدبلوماسية العمانية للتطبيع رسمي للعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى حد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لمسقط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ودعا الوزير العماني السابق، في 4 أبريل/نيسان الماضي، الدول العربية إلى العمل على طمأنة (إسرائيل) وتبديد مخاوفها بشأن استمرارية وجودها في المنطقة، عبر "اتفاقات وإجراءات حقيقية".
وقبل أقل من 24 ساعة على مغادرته لمنصبه، تحدث "بن علوي" مع وزير الخارجية الاسرائيلي "غابي أشكنازي" هاتفيا، وسط أنباء عن تقدم في المساعي التطبيعية بين عمان و(اسرائيل) والحديث عن اتفاقية تطبيع رسمية في الأفق.
وأعلن مكتب "أشكنازي" أنه تحدث مع "بن علوي" حول "التطورات الأخيرة في المنطقة واتفاقية التطبيع وضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين"، مشيرا إلى أن وزير الخارجية العماني أكد دعم بلاده لـ"السلام الشامل، وضرورة استئناف المفاوضات السياسية".
الوزير الجديد
أما وزير الخارجية العماني الجديد، فهو من مواليد العاصمة مسقط، في مايو/أيار 1960، وبدأ دراسته في مدرسة السعيدية، قبل أن ينتقل في العام 1977 إلى المملكة المتحدة ليدرس في ويلز ومن ثم أكمل دراسته في لندن.
وبعدما أنهى دراسته الثانوية في لندن، انتقل "بدر البوسعيدي" إلى جامعة أوكسفورد ليدرس الفلسفة والسياسة والاقتصاد، وفي عام 1986 حصل على الماجستير، ليعود عام 1988 إلى السلطنة ويبدأ في ممارسة عمله داخلها؛ حيث عمل طوال حياته في وزارة الخارجية.
وبعد سنة واحدة انضم "بدر البوسعيدي" إلى وزارة الخارجية، وعين سكرتيرا أول، وترقى عام 1990 إلى منصب مستشار، ثم سفيرا سنة 1996.
وترأس الوزير الجديد عام 1997 دائرة مكتب وزير الخارجية، قبل ترقيته سنة 2000 إلى أمين عام وزارة الخارجية، وهو المنصب الذي احتفظ به حتى تعيينه وزيرا الثلاثاء.
وتقدم مسيرة 32 سنة من العمل بالدبلوماسية العمانية مؤشرا على مدى الخبرة التي تؤهل "بدر البوسعيد" لمنصبه الجديد، إلى جانب مؤشر آخر لا يقل أهمية، وهي كونه أحد أقارب السلطان "هيثم".
فالعديد من أسماء أقارب السلطان تصدرت التعديل الوزاري الأخير، وفي مناصب استراتيجية وحساسة، مثل نجله "يزن بن هيثم" وزيرا للثقافة والرياضة والشباب (مستحدثة)، و"شهاب بن طارق" نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع، و"خالد بن هلال البوسعيدي" وزيرا لديوان البلاط السلطاني، و"حمود بن فيصل البوسعيدي" وزيرا للداخلية، و"محمد بن سلطان البوسعيدي" محافظا لظفار، و"إبراهيم بن سعيد البوسعيدي محافظا لمسندم، و"تيمور بن أسعد بن طارق آل بو سعيد" رئيسا للبنك المركزي.
وتقدم خارطة هذه الأسماء ووظائفها الجديدة إفادة واضحة باتجاه السلطان "هيثم" إلى إسناد الوزارات والمحافظات الاستراتيجية لأبناء العائلة الحاكمة، خاصة في ظل التوتر العماني الإماراتي بشأن السيادة على مسندم، التي عرضها متحف اللوفر في أبوظبي بخريطة ضمن حدود الإمارات في يناير/كانون الثاني 2018؛ ما تسبب في إثارة غضب كبير بين العمانيين واحتجاج رسمي من قبل السلطة.
وفي مايو/أيار 2019 رد سلطان عمان آنذاك "قابوس بن سعيد" على جهود إماراتيين لشراء أراض وعقارات في مناطق استراتيجية بينها ظفار ومسندم، وأصدر مرسوما يحظر على غير العمانيين تملك أراض زراعية أو عقارات فيها.
وبينما يستشرف الراصدون لهذه المؤشرات على إعداد "بدر البوسعيدي" ليلعب دورا بارزا في حماية المصالح الاستراتيجية لعمان على المستوى الدولي، تفيد قراءة الموالين للنظام السعودي بأن صعوده بدلا من "بن علوي" تؤشر إلى اتجاه من جانب السلطان "هيثم" لتحسين العلاقات مع الرياض. وفي أيام الدبلوماسية العمانية المقبلة الخبر اليقين.