الخليج أونلاين-
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية تزامناً مع احتجاجات ضد تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعتبرها البعض مسيئة للإسلام والنبي محمد ﷺ.
وقوبلت تصريحات ماكرون بانتقادات شديدة في أجزاء كبيرة من العالم العربي والإسلامي، وصولاً إلى مطالبة بارزة من مفتي سلطنة عُمان بضرورة سحب الاستثمارات من فرنسا، بهدف إخضاع باريس للاعتذار عن تلك التصريحات.
ولعل تلك الانتقادات والدعوات تشير إلى انزعاج واضح من صانع القرار الفرنسي، ما يطرح تساؤلات عن مدى تأثير المقاطعة، أو سحب الاستثمارات، على الاقتصاد الفرنسي.
سحب الاستثمارات
يبدو أن مواجهة مزايدات الرئيس الفرنسي الانتخابية التي تتركز على استهداف المسلمين، والإساءة الأخيرة للنبي محمد ﷺ، عبر المقاطعة، قد تكون سلاحاً فعالاً كما رآها المسلمون في معظم دول العالم.
وعلى ضوء ذلك أشاد مفتي سلطنة عُمان، الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، في 26 أكتوبر 2020، بحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية رداً على تطاول ماكرون على النبي محمد ﷺ، ودعمه الرسوم الكاريكاتورية المسيئة.
كما دعا المسلمين إلى الحرص على "الاستقلال التام في بناء اقتصاد عالمي متحرر من كل تبعة لغيرهم"، مطالباً باسترجاع خبراء العالم الإسلامي إلى أوطانهم، وتهيئة المناخ المناسب لهم من أجل العمل، وتحفيزهم على الإنتاج "الذي يُغني الأمة عن أن تكون عالة على غيرها".
ونشر الحساب الرسمي لمفتي عُمان في "تويتر" رسالة دعا فيها الشيخُ الخليلي إلى ضرورة اتفاق الأمة على "سحب رؤوس أموال المسلمين من المؤسسات الاقتصادية التي يديرها هؤلاء المعتدون المتطاولون على المقام العظيم لنبينا".
إني لأُحيي همَّةَ الذين غاروا على حرماتِ نبيهم عليه الصلاة والسلام، ودعوا المسلمين إلى مُقاطعةِ جميع الصادرات من قبل الذين تعدَّوا على شخصيته العظيمة، ولم يبالوا بمشاعر هذه الأمة تجاه هذه الشخصية التي أكرم الله بها الوجود، فكانت أكرمَ من في الأرض ومن في السماء من خلق الله. pic.twitter.com/H4zslOJBnr
— أحمد بن حمد الخليلي (@AhmedHAlKhalili) October 26, 2020
وأكد أن "الأمة لديها مقومات الاستقلال؛ من قوة اقتصادية، وأرض واسعة تعد سرة الكرة الأرضية، وثروة بشرية هائلة"، مؤكداً أن كل هذا يتوقف على "نية خالصة، وعزيمة صادقة، وهمَّة مضَّاءة، وتخطيط سليم، وتنفيذ أمين".
وفي بيان آخر، باليوم التالي، قال الخليلي: إن "المتطاولين على مقامِ الرسولِ الأعظم ﷺ، أو على دينه الإسلام، أو معجزته القرآن، ينكشفُ لكل من ينظر في سوابقهم أن نفوسهم مضطربة، وعقولهم مختلة، وفطرهم متعفنة، يعافُون كلَّ خير، ويأنفُون من كلِّ فضيلة، وينجذبون إلى كلِّ شر، ويعشقون كلَّ رذيلة، ولا ينضحُ الإناء إلا بما في داخله".
دعوة ضرورية
يرى المحلل السياسي العراقي، الدكتور جاسم الشمري، أن الدعوة من قبل مفتي عمان لسحب الاستثمار والمقاطعة "ضرورية"، مشيراً إلى أنه "يفترض من كل الدول العربية أن تسعى لهذا الأمر، على الأقل لأجل إبراز موقف عربي إسلامي من قضية التهكم بالنبي محمد".
ودعا الدول العربية والإسلامية إلى تطبيق دعوة مفتي عُمان، على الأقل في سحب تراخيص الشركات الفرنسية إلى حين تقديم الاعتذار للمسلمين.
ويرى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الكثير من الجوانب والمواقف والمبادئ في حياة الإنسان "لا يمكن الاقتراب منها، وفي مقدمتها العقيدة والكرامة وحرية الإنسان"، مؤكداً أن ما جرى من تهكم من بعض الصحف الفرنسية، وبعدها الموقف الفرنسي الرسمي من هذا الأمر، "شيء لا يتفق مع حرية الإنسان".
وأضاف: "لأننا نتحدث عن مليارَي مسلم في العالم، لا يمكن التهكم بعقائدهم، ولا يتفق مع حقوق الإنسان التي تتغنى بها الدول الأوروبية، التي قامت على إثرها الثورة الفرنسية التي يتغنى بها الأحرار في العالم".
ويقول إن فرنسا حاولت منذ يومين الاعتذار بشكل غير مباشر، لكن ذلك برأيه "لا يكفي"، موضحاً: "يفترض من ماكرون والخارجية أن تعتذر من أجل حسم هذا الملف، والوعد بعدم تكرار مثل هذا الأمر وحينها يمكن أن تنتهي هذه القضية".
دعوات المقاطعة
وجاء بيان مفتي عُمان على خلفية مقاطعة واسعة في عدة دول عربية وإسلامية للمنتجات الفرنسية، وانتقادات تزعمها بعض قادة تلك الدول.
وكان لافتاً ذلك الغضب على المستوى الشعبي، أكثر من الرسمي، بعدما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات الرافضة لتصريحات الرئيس الفرنسي، وأطلق رواد تلك المواقع في معظم الدول العربية وسم #مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه الذي تصدر قائمة أكثر الوسوم انتشاراً في هذه الدول.
ونشر المغردون عبره قائمة بالمنتجات الفرنسية الموجودة في الأسواق العربية، في حين غير الآلاف من النشطاء صورهم الشخصية على موقعي "تويتر" و"فيسبوك" وغيرهما، وأضافوا إليها اسم "محمد رسول الله".
وبجانب وسم #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية، الذي انتشر انتشاراً كبيراً ودعا بشكل أساسي إلى مقاطعة جميع المنتجات الفرنسية، أطلق ناشطون وسوماً أخرى، منها: #إلا_رسول_الله، و #ماكرون_يسيء_للنبي.
المقاطعة قبل سحب الاستثمارات
من جهته، يقول الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح، إن تأثيرات المقاطعة تكمن في أنها "سلاح لحظي وفعال في حال تبنيه على نطاق واسع".
ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أهمية هذه المقاطعة في الوقت الحالي "في ظل تداعيات فيروس كورونا، والخسائر الاقتصادية التى تعاني منها فرنسا (حالها كحال معظم الدول)".
وأضاف: "توسع رقعة المقاطعة، خاصة في دول الخليج (التى تستورد قرابة 25 مليار دولار سنوياً من فرنسا)، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، سوف يشكل ضغظاً كبيراً جداً على الحكومة الفرنسية، خاصة أن التجارة والمصانع ليس لديها رفاهية الصبر على مقاطعة هذا الكم من الدول للبضائع الفرنسية".
وفيما يتعلق بدعوات مفتي عُمان بسحب الاستثمارات، يرى مصبح أن هذا المقترح مستبعد في الوقت الحالي، "لأن هذا الأمر يشكل ضرراً لجميع الأطراف".
ويرى أن المقاطعة التي تعد سلاحاً فعالاً "يمكن للدول العربية والإسلامية من خلالها توصيل رسالة الشعوب لفرنسا، دون تكبيد المستثمرين العرب والمسلمين أي خسائر".
ويوضح مدى أهمية المقاطعة بديلاً من سحب الاستثمار في الوقت الحالي بقوله: "الدول العربية والإسلامية تستقبل 25% من إجمالي الصادرات الفرنسية حول العالم. ومعظم هذه الصادرات مواد غذائية وسلع استهلاكية يمكن توفير بديل لديها بمنتجات أخرى".
تخوف فرنسي
وتأتي دعوة مفتي عُمان مع بيانات مماثلة من هيئة علماء في عدة دول عربية وإسلامية تندد بالإساءات الفرنسية للإسلام و"النبي"، وتدعو لمقاطعة منتجات باريس.
وأمام موجة المقاطعة المشتعلة دعت فرنسا حكومات الدول المعنية إلى "وقف" الدعوات لمقاطعة السلع الفرنسية والتظاهر، واعتبرت أن هذه الدعوات "تشوه المواقف التي دافعت عنها فرنسا من أجل حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الديانة ورفض أي دعوة للكراهية".
وأكدت الخارجية الفرنسية أن مشروع القانون ضد "الإسلام الراديكالي"، وتصريحات الرئيس الفرنسي تهدف فقط إلى مكافحة ما وصفته بـ "الإسلام الراديكالي، والقيام بذلك مع مسلمي فرنسا الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع والتاريخ والجمهورية الفرنسية".
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن رفض "خطاب الحقد"، وقال إنه لن يكون هناك تراجع أبداً أمام دعوات متنامية لمقاطعة السلع الفرنسية على خلفية موقفه من الرسوم الكاريكاتورية. وقال في تغريدة بعدة لغات منها العربية: "ما من شيء يجعلنا نتراجع أبداً".
وعلى عكس أغلب الدول الغربية فإن علاقات فرنسا الاقتصادية مع العالمين العربي والإسلامي وثيقة، والوزن النسبي لتجارة باريس مع العالمين العربي والإسلامي (خاصة العالم العربي وتركيا وغرب إفريقيا) أكبر بكثير من الوزن النسبي لتجارة العديد من الدول المتقدمة مع العالم الإسلامي، وهو ما قد يؤثر في الاقتصاد الفرنسي في حال استمرت المقاطعة عدة أشهر.
وتحقق فرنسا فائضاً تجارياً كبيراً مع منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا (تشمل شمال إفريقيا)، وهو الفائض الذي يعوض معاناتها من عجوزات في التجارة مع المناطق الأخرى بالأخص آسيا وأوروبا.