الخليج أونلاين-
عام كامل مضى بدأت فيه سلطنة عُمان مرحلة جديدة، تقلد فيها السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، مقاليد الحكم في البلاد، خلفاً للسلطان الراحل قابوس بن سعيد، الذي وافته المنية، في 11 يناير 2020.
وخلال ساعات من إعلان نبأ رحيل السلطان قابوس، نودي بهيثم بن طارق سلطاناً جديداً للبلاد، بيوم تاريخي من أيام السلطنة، خاصة أنها من أبرز الدول العربية استقراراً وأماناً وسلاماً على المستويين الداخلي والخارجي.
أدى السلطان هيثم اليمين الدستورية بحضور كبار رجالات الدولة، مؤكداً مواصلة نهج السلطان الراحل والسير على طريقه، والعمل على تحقيق التنمية وبناء السلطنة، ونشر رسالة عُمان بالسلام في العالم.
وفي عامه الأول حمل السلطان الجديد على عاتقه الوصول بالسلطنة إلى المزيد من الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي والأمان الاجتماعي، حيث برز له الكثير من الأعمال والإنجازات خلال الشهور الـ12 الماضية.
الاستقرار والموقف الثابت
انتقلت السلطة بهدوء وسلاسة بعد وفاة السلطان الراحل قابوس لزعيم البلاد الجديد، فقد دعا مجلس الدفاع العُماني العائلة المالكة لتحديد الخليفة، واستقرت عائلة آل سعيد على اختيار السلطان هيثم بن طارق، وهو ما كان موافقة لوصية السلطان الراحل.
وتقلد السلطان هيثم منصبه بدعم من مجلس عائلته، وبتوصية من السلطان الراحل، وبتأييد شعبي بدا واسعاً خلال فصول السنة الأولى.
وبرزت تحديات جمة أمام السلطان منذ اللحظة الأولى لاستلام السلطة، خصوصاً ما يتعلق بالوضع الداخلي والاقتصادي، إضافة إلى ما يحيط بالسلطنة من توترات وأزمات وخلافات.
وحافظ السلطان الجديد بعامه الأول -كما وعد- على سياسة متزنة داخلياً وخارجياً، خاصة مع تأكيده في خطاب القسم عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، والدفع بمسيرة التعاون تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج.
وأكّد استمراره في دعم الجامعة العربية وتحقيق أهدافها، والنأي بالسلطنة عن أي صراعات جارية في المنطقة.
وفي مايو 2020، أعاد الحراك السياسي إلى الأزمة الخليجية الذي كان مغلقاً لأشهر؛ عن طريق مبادرات ورسائل حملها ممثلون عنه إلى أمير الكويت الراحل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في محاولة منه لكسر الجليد وإنهاء الخلاف الخليجي.
يقول عوض بن سعيد باقوير، الصحفي والمحلل السياسي العُماني، إن السياسة الخارجية العمانية ثابتة كما أشار السلطان هيثم في خطابه الأول، منتهجاً في ذلك سياسة السلطان الراحل قابوس بن سعيد.
وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين": "مع ذلك فإن الآليات قد تشهد بعض التغير تبعاً لمطالب المرحلة وتحدياتها، ومزيداً من العمل على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي".
وأوضح باقوير أن "السلطنة كان لها جهود واضحة في التوصل للمصالحة الخليجية من خلال الوساطة الكويتية الناجحة، ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية ستشهد حراكاً أكبر مع تولي الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن، خاصة على صعيد الحوار بين واشنطن وطهران".
مواجهة كورونا
وفي الأشهر الأولى من حكمه، تفشى فيروس كورونا المستجد في أنحاء العالم وانتشر في السلطنة، إلا أن مسقط تمكنت من مواجهة الفيروس بطريقة مثالية حيث فرضت حظراً جزئياً وشاملاً، إضافة للإغلاق الاقتصادي، ما قلل من عدد الإصابات إلى أقل مستوى.
وعين السلطان لجنة عليا بقيادة وزير الصحة أحمد السعيدي، لمتابعة كل التطورات الناجمة عن انتشار الفيروس في البلاد وتداعياته على مختلف القطاعات، لا سيما الاقتصاد.
وبدأت السلطنة تستعيد عافيتها قليلاً، في الثلث الأخير من عام 2020، وكان من بينها استئناف حركة الطيران بشكل تدريجي في أكتوبر، تلاها استئناف الدراسة، في نوفمبر من ذات العام.
وتعهد السلطان هيثم بن طارق بأن تعمل الدولة على تجنيب مواطنيها تداعيات إجراءات كورونا والخطط التي اتخذت خلال الفترة للتعامل مع هذه الجائحة؛ وهي الإجراءات التي قال إنها تهدف لتحقيق تنمية مستدامة وتمهد لمشروعات اقتصادية، مؤكداً أن جزءاً من هذه الإيرادات سيتم توجيهه إلى نظام الحماية الاجتماعية.
وخاطب السلطان هيثم مواطنيه، 18 نوفمبر 2020، قائلاً: "إن ما قمتم به أفراداً ومؤسسات لدعم جهود الحكومة للحفاظ على صحة وسلامة الجميع لهو محل تقدير واعتزاز منّا، مثمنين كل ما بذلتموه من مساعٍ نبيلة".
كما وعدهم بالوصول باقتصاد السلطنة الوطني إلى بر الأمان رغم التحديات الراهنة، مؤكداً أن القطاعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية تأتي على رأس أولوياته.
وقبل نهاية عام 2020، أطلقت السلطنة حملة تلقيح ضد فيروس كورونا مستخدمة لقاح "فايزر-بيونتيك" في حملة التطعيم، وتطمح السلطنة لتلقيح نحو 60% من السكان البالغ عددهم قرابة 5 ملايين نسمة ضمن عدة مراحل.
تحديث الدولة والجهاز الإداري
وفي إطار سعي السلطان هيثم لتكوين حكومة رشيقة، إضافة لتقليص الإنفاق والتركيز على الإصلاحات بما يتواءم مع المعطيات الاقتصادية وتطلعات المجتمع العُماني، أصدر في 18 أغسطس 2020، 28 مرسوماً سلطانياً، في خطوة يبدو أنها استكمال لمشوار التغيير الذي بدأه مع توليه الحكم.
وتتضمن المراسيم الجديدة دمج عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، وتقليص الحقائب الوزارية، حيث قُلِّصت الحقائب الوزارية من 26 حقيبة إلى 19، وقُلصت الهيئات الحكومية من 19 هيئة إلى 10 هيئات، إضافة إلى إلغاء عدد من الوزارات والهيئات الحكومية.
سبق هذا التحديث الشامل للجهاز الإداري مجموعة من المراسيم السلطانية التي حملت في طياتها إعادة لترتيب الأولويات وبناء منظومة حكم جديدة تمكن السلطنة من النهوض برؤية 2040.
ففي شهر يونيو 2020، أصدر سلطان عُمان مرسومين سلطانيين تضمَّنا إنشاء مكتب خاص يتبعه مباشرة، وجهاز استثماري يدير ممتلكات وأصول واستثمارات الدولة كافة.
وفي الشهر ذاته أصدر مرسوماً بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني، الذي يستهدف المعاملات الإلكترونية ومكافحة جرائم تقنية المعلومات، مبيناً أنه يتبع جهاز الأمن الداخلي.
وأعاد السلطان صياغة الوضع الاقتصادي بالبلاد التي تعاني من عجز بالموازنة بسبب وباء كورونا، وانخفاض أسعار النفط عالمياً، فضلاً عن قلة احتياطات السلطنة من النقد الأجنبي المقدّرة بـ16.5 مليار دولار.
كما أحالت الحكومة كل من تجاوزوا 60 عاماً من موظفي الشركات الحكومية إلى التقاعد؛ بهدف توظيف الشباب العُمانيين الباحثين عن عمل، وتقليص نسبة البطالة المرتفعة.
وسعت الحكومة خلال العام الأول لحكم السلطان إلى تقليل أعداد الوافدين، الذين يتجاوزون حاجز 1.6 مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 4.6 ملايين نسمة، وفقاً لما ذكرته النشرة الإحصائية للمركز الوطني للإحصاء الصادرة في نهاية فبراير 2020.
وأقرت السلطنة قانون ضريبة القيمة المضافة بقيمة 5% اعتباراً من أبريل 2021، بما يضمن تحقيق عدالة اجتماعية أكبر، خاصة أن الضريبة التي ستفرض لن تمس بأغلب الحاجيات الأساسية اليومية للعُمانيين.
وطالت قرارات السلطان المناحي السياسية الداخلية؛ مثل العفو عن عدة معارضيين سياسيين في الخارج مكنهم من العودة إلى البلاد، إضافة إلى تطوير بعض الأحكام الجزائية مثل "عقوبة الإعدام"، وعدم تطبيقها إلا عبر لجنة شرعية يترأسها مفتي السلطنة وتعين من قبل السلطان نفسه.
ومضت السنة الأولى من حكم السلطان هيثم في إعادة تقييم شاملة لوضع الدولة، ووضع خطط استراتيجية عالية المستوى، إضافة إلى إقرار العديد من القوانين الجديدة التي تتلاءم مع رؤية 2040 الاقتصادية، وتقليل اعتماد السلطنة على الطاقة واتجهاهها نحو موارد أخرى.
وفي هذا السياق يقول عوض بن سعيد باقوير، إن السلطان هيثم بن طارق ركز خلال عامه الأول في الحكم على عدد من المرتكزات الأساسية التي تمثل التحديات الحقيقية للمرحلة؛ وهي معالجة الوضع الاقتصادي الذي سببته جائحة كورونا، والانخفاض الكبير بأسعار النفط، علاوة على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة مع بيان الأسس التي سوف تنطلق منها السلطنة على الصعيد الداخلي والخارجي.
وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين" أنه "مع صدور عدد كبير من المراسيم السلطانية خلال العام الأول فإن معظمها ركز على الجانب الاقتصادي، ومن أهمها إنشاء جهاز الاستثمار العماني، ليكون الذراع الأكثر أهمية للاقتصاد الوطني، وهناك إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة والتركيز على رؤية عمان 2040".
وتابع في هذا الصدد: "من خلال خطاباته الثلاثة كان تركيز سلطان عُمان أيضاً على ثوابت النزاهة والمحاسبة والدفع بالكوادر الشابة على صعيد العمل الوطني، وكان هناك تركيز على المجتمع من خلال إطلاق صندوق الأمان الوظيفي والحماية الاجتماعية وأيضاً إطلاق الخطة الخمسية العاشرة للسنوات الخمس القادمة، وهي تركز على توفير 135 ألف وظيفة عمل للمواطنين، بمعدل 27 ألف وظيفة سنوياً".
وبين باقوير أن "الرأي العام أصبح مشاركاً حقيقياً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لإيصال صوته للحكومة في عدد من القضايا، إضافة إلى التركيز على موضوع مؤشرات للوحدات الحكومية، كما تم إطلاق أولى سنوات رؤية عمان 2040، والتي تمتد لعقدين، إضافة إلى إيجاد استقلال مالي وإداري للمحافظات".
كما بين أن خلال العام الأول من حكم السلطان هيثم "تم إيجاد مجلس للمحافظين، وتحديث الجهاز الإداري للدولة، فقد ألغي العديد من الوزارات، وكان الهدف إيجاد جهاز رشيق بعيد عن البيروقراطية، وإيجاد حكومة رقمية، والتركيز على الابتكار والثورة الصناعية، وتقليل النفقات الحكومية، وتحسين التصنيف السيادي للدولة".
وبين أن الإجراءات الحكومية والاقتصادية التي اتخذت تعد "إيجابية"؛ حيث تتم زيادة الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد الكلي على سلعة النفط".