الخليج أونلاين-
يبدو أن توقعات سابقة لمراقبين بتحول الوساطة في الملف السعودي - الإيراني، من بغداد إلى مسقط تحقق على خلفية الزيارة التاريخية التي أجراها سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سيعد للملكة، بدأت الأحد (11 يوليو 2021).
قوة العلاقات التي تملكها السلطنة مع كل من الرياض وطهران، إلى جانب خبرة كبيرة في الوساطات، كفيلة في أن تضع حداً لخلاف يتسبب بتوتر أمني للمنطقة، لا يستثني حتى الدول التي ترتبط بعلاقات طيبة مع الطرفين الخصمين.
تزامناً مع ختام زيارة رسمية على مدى يومين لسلطان عُمان، أعلنت الرياض ومسقط الاتفاق على التعاون "بشكل جدي" حول الملف النووي والصاروخي الإيراني، لتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار.
جاء ذلك وفق بيان مشترك، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية، مفيداً بـ"أهمية التعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي والصاروخي الإيراني بكافة مكوناته وتداعياته بما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي".
كما جدد "التأكيد على مبادئ حُسن الجوار واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية وتجنيب المنطقة كافة الأنشطة المزعزعة للاستقرار".
الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت، في 28 يونيو 2021، إن إيران أعلنت اعتزامها إنتاج "يورانيوم معدني" أو "صفحة وقود" باستخدام اليورانيوم المخصب بنسبة 20% لوقود مفاعل طهران.
شكل سياسة عُمان الخارجية
السياسة الخارجية لعُمان اتسمت بمجموعة من الصفات فرضتها ظروف تاريخية وجغرافية وحتى أمنية، بحسب ما يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي ياسر عبد العزيز في حديثه لـ"الخليج أونلاين".
وهذه السياسات، وفق رأي الكاتب، أثرت بشكل أو آخر على هذه السياسة حيث إن عُمان معروفة بمكانها ومركزها وقربها من إيران وأطماع إيران في نفس الوقت، لكن السياسة الخارجية لعمان رغم هدوئها أثرت بشكل كبير على مستوى العلاقات الخليجية والعربية والإقليمية.
هذه السياسة التي وضعها السلطان قابوس ما تزال قيد العمل وتعتبر المحرك الأساسي حتى مع وصول السلطان هيثم للحكم، وهي ترتكز على ثلاثة ركائز، والحديث لعبد العزيز، مفيداً أن هذه الركائز هي أن العلاقات دائماً تكون جيدة مع دول الجوار ومن ضمنها إيران، والركيزة الثانية عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، والثالثة هي الحلول السلمية للخلافات والنزاعات.
يستشهد عبد العزيز بقوة السلطنة في حل الخلافات من خلال الدور الذي اضطلعت به في التوصل إلى اتفاق في أزمة النووي الإيراني، ولها أدوار أخرى تضطلع به الآن مع الحوثيين.
بوابة بغداد
على الرغم من الصمت السعودي حول تسريبات أكدت أن السعودية وإيران دخلتا في مباحثات تصفية الأجواء عبر بوابة بغداد، لكن أياً من الطرفين ولا المستضيف أفصحوا بداية عن هذه الخطوة.
المرة الأولى التي انتشرت معلومات تفيد بوجود مباحثات جمعت الطرفين كانت في 18 أبريل 2021؛ عندما كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن مصادر قولها إن مسؤولين رفيعي المستوى من السعودية وإيران أجروا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات بعد أربع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية، وأنها عقدت في 9 من الشهر ذاته.
وذكرت أن المحادثات تناولت هجمات الحوثيين على المملكة، كما وصفتها بالمباحثات "الإيجابية"، مشيرة إلى أن الوفد السعودي كان برئاسة رئيس الاستخبارات خالد بن علي الحميدان.
لاحقاً أكدت كل من طهران والرياض تلك اللقاءات، وبين الحين والآخر تعلن الخارجية الإيرانية أن المحادثات مع السعودية "مستمرة" وتتم في أجواء مناسبة.
كما أكد مسؤول بالخارجية السعودية إجراء محادثات مع إيران، في إطار الحديث عن انطلاق جلسات بين الجانبين في العاصمة العراقية بغداد.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح كشف، في 5 مايو المنقضي، أن بلاده استضافت أكثر من جولة محادثات بين السعودية وإيران.
البداية من اليمن
بدأت السلطنة الدخول بصفة مفاوض لحل الخلاف من خلال بوابة اليمن، حيث تدور رحى حرب منذ 2015، إذ تدعم السعودية القوات الحكومية التابعة للحكومة اليمنية الشرعية في مواجهة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
واستضافت مسقط عدة لقاءات بين الحوثيين والمبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن، كما زارها دبلوماسيون من السعودية والكويت واليمن في إطار محاولات حل الأزمة.
وتفاقم التوتر بين البلدين بعد هجوم 2019 على منشآت نفط سعودية ألقت الرياض باللوم فيه على إيران، وهو اتهام تنفيه طهران.
وتصاعد التوتر بين الرياض وطهران بسبب حرب اليمن، حيث صعدت مليشيا الحوثي هجماتها على السعودية منذ مطلع العام الجاري.
ويتحرك السعوديون على أكثر من جهة لإلزام إيران بالتوقف عن زيادة التوتر في الوضع الإقليمي وتهديد أمن دول الجوار، ويريدون أن يشتمل الاتفاق النووي على تعهدات إيرانية واضحة.
لكن هذه الرغبة لا تجد الحماس الكافي من الولايات المتحدة التي تبحث عن تسريع الاتفاق النووي ووضع البرنامج الإيراني تحت المراقبة الدولية.
مصالح متبادلة
على الرغم من أن المنطقة ستستعيد الهدوء في حال إنهاء الخلاف السعودي - الإيراني، فإن الوساطة العُمانية ستصب في مصلحة البلدين؛ المملكة والسلطنة، وفق ما يقول الكاتب والباحث ياسر عبد العزيز.
ويرى عبد العزيز أن "السعودية بحاجة إلى عُمان في ملفين كبيرين بالنسبة للرياض هما أزمة اليمن وحلها؛ حيث أصبحت الضربات الحوثية مستمرة ومزعجة وتؤثر أيضاً على الاقتصاد السعودي، كما أنها بدأت تنظر إلى عمان لكي تفتح لها ثغرة للتهدئة مع إيران".
من جانب آخر يرى عبد العزيز أن "الرئيس الأمريكي جو بايدن ليس جاداً في حل الأزمة الإيرانية؛ حيث توجه المليشيات العراقية الموالية لإيران ضربات مستمرة لمصالح أمريكية في العراق، "ما يعني أن حل الأزمة بالسياسة والمفاوضات لا تصح أبداً مع إيران".
ويتابع في هذا الصدد أن "عُمان بإمكانها أن تنتفع من سياستها الخارجية وتنال الدعم السعودي، وفي ذات الاتجاه تنتفع السعودية من سياسة عُمان لحل أزماتها على الحدود، سواء مع إيران أو الحوثيين في اليمن"، لكن يشير إلى أنه "رغم هذا كله فإن هذه الأمور إن لم تجد ضوءاً أخضر من أمريكا فأظنها في النهاية لن تخرج عن الورقة التي كتب فيها البيان الختامي للقمة التي جمعت سلطان عُمان وملك السعودية".