المونيتور - ترجمة الخليج الجديد-
لطالما اشتكى المستثمرون من الهيكل التنظيمي الصارم للبيئة في سلطنة عُمان، خاصة أن معظم المستثمرين في عمان ليسوا من الشركات الضخمة، بل إن معظمهم مستثمرون صغار من الدول المجاورة ولا يهتمون بالتشريعات البيئية الصارمة، وفق ما يراه المستشار الهندي "مانيشانكار براساد"، الذي كان يقدم الإستشارات للسلطات البيئية العمانية والمناطق الحرة خلال عهد السلطانين "قابوس" و"هيثم".
وأنشأ السلطان "قابوس بن سعيد" (ألذي حكم عمان من عام 1970 حتى وفاته في عام 2020) أول مكتب لحماية البيئة في منطقة الخليج في عام 1974، وكذلك الوزارة الأولى للبيئة في عام 1984، وبموجب دستور عمان، فإن حفظ البيئة ومنع التلوث مسؤولية الدولة.
وتمتعت وزارة البيئة وشؤون المناخ ومكتب حماية البيئة في ديوان البلاط الملكي منذ فترة طويلة بوزن كبير في البلاد، وتعرضت الشركات التي تنتهك اللوائح البيئية لخطر العقوبات الفادحة أو الإغلاق.
الالتزام البيئي مُهدّد
لكن المصاعب الاقتصادية وعجز الموازنة العالي وضع هذا الالتزام البيئي تحت الاختبار، ففي عام 2020، قام السلطان "هيثم" بحل وزارة البيئة وشؤون المناخ، وأصبحت محفظة البيئة الآن في أيدي هيئة البيئة، وهي وكالة حكومية "بلا نفوذ وعاجزة مع صلاحيات محدودة وتمويل محدود"، وفق ما قاله مصدر مقرب من دوائر صنع السياسات العمانية لموقع "المونيتور".
وعلى الرغم من أن الوضع قد تحسن منذ عام 2020 عندما ارتفع العجز في الموازنة، إلا أن عمان لا تزال تتوقع عجزا يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، والذي ستغطيه القروض المحلية والدولية والسحب من احتياطيات الدولة.
وقالت "رميثاء البوسعيدي" مديرة المجلس التنفيذي في "جمعية البيئة العمانية"، وهي منظمة غير حكومية مقرها مسقط وتحمي التراث الطبيعي في سلطنة عمان: "هناك الكثير من المخاوف المتنافسة في الوقت الحالي، والتي لا تقتصر على الجانب البيئي، ونحن بحاجة إلى ضمان الاهتمام بالتعافي الإقتصادي للبلاد أيضًا".
وقالت "رميثاء" لموقع "المونيتور" أنه ربما يكون التركيز قد "تحول"، لكن حماية البيئة لس من المتوقع أن تفقد أهميتها تمامًا.
الرضوخ للمستثمرين
يقول "براساد" إن التشريع البيئي لا يزال موجودا، ولكن مع الاندفاع لخلق فرص عمل، فإن المنظمين البيئيين أصبحوا مُذعنين أكثر للصناعات ويوافقون بشكل أسرع على التسجيل البيئي للمستثمرين.
وتحتاج الشركات الجديدة في عمان (التي قد يكون لها تأثير بيئي) للحصول على التصديق من السلطات المنظمة للبيئة، والتي اعتادت أن تمنع التصاريح عن أي شركات تسبب أضرارا على البيئة غير قابلة للعلاج.
ويتمركز صنع السياسات البيئية في مسقط عاصمة عمان، ومع ذلك، فإن التنفيذ محلّي مما يسمح لكل محافظة والمناطق الحرة بالنظر في السياق المحلي وتكييف السياسات الوطنية، وهذا يتيح أن تكون القواعد البيئية أكثر تحديدًا وفق المنطقة ويسبب المنافسة بين المناطق.
وقال مصدر ثاني داخل دوائر صنع السياسات في عمان لموقع "المونيتور": "كل محافظة ستحاول جذب المستثمرين من خلال كونها أكثر إبداعا في تحديد أولوياتهم الخاصة وخلق النظم الإيكولوجية المواتية للمستثمرين".
وأضاف المصدر أن مجتمع الأعمال المحلي قد تمت طمأنته بأن هناك مفاضلة ستضمن ألا يعرقل فرط القلق بشأن البيئة النمو الاقتصادي، طالما تم الحفاظ على النظم الإيكولوجية المحلية.
وأوضح توجيه ملكي أرسله السلطان "هيثم" إلى المسؤولين الحكوميين في أوائل عام 2021 أن التنمية الاقتصادية تتصدر الآن الأجندة من خلال الدعوة إلى الاستدامة المالية وأهمية جذب الاستثمارات الأجنبية.
وقال المصدر المقرب من دوائر صنع السياسات في عمان: "لم تصب هذه التوجيهات هدفها، بل أثارت منافسة بين الوزراء لمحاولة إثبات أنفسهم أمام السلطان الجديد، كأنهم يقولون: انظر إلي، لقد جلبت المستثمرين، وشمل ذلك المشاريع التي تم رفضها مسبقا لتأثيرها البيئي المدمر."
وزاد مخزون الاستثمارات الأجنبية في عمان 14 ضعفًا ما بين عامي 2000 و2020، مقارنة بقفزة بلغت 141 ضعفًا في الإمارات التي تشجع الأعمال التجارية.
لا تتحمل اللوائح البيئية الصارمة وحدها المسؤولية عن الحد من جاذبية عمان للمستثمرين، حيث يُعزى السبب أيضًا للعمليات الإدارية الثقيلة والتسجيل البطيء والإفتقار لممارسات مواتية للأعمال التجارية في وزارات السلطنة.
وذُكر في خطة التطوير العمانية: "في النهاية، الهدف من ذلك هو التحرك تدريجيا نحو استخدام المواد الخام في تصنيع البضائع بدلا من تصديرها، وبالتالي زيادة القيمة المضافة"، لكن تصنيع المواد المحلية التي كانت تُصدّر مسبقا يمكن أن يرفع مستويات التلوث.
كما تشير مساهمة السلطنة الثانية في اتفاقية باريس (والمقدمة في يوليو/تموز 2021) إلى انبعاثات أعلى مما كان متوقعا سابقا بسبب خط الأساس المنقح.
تقليص القوى العاملة
لكن المستثمرين والكيانات المفضلة للشركات ليست وحدها من يؤثر على السياسات، حيث تعمل "الجمعية البيئية العمانية" بنشاط مع صانعي السياسات بما في ذلك هيئة البيئة، لتسليط الاهتمام على القضايا المهمة وتقديم اقتراحات بشأن تنفيذ السياسات بشكل أفضل.
من المهم الحفاظ على البيئة البكر في عمان، كما إن الأماكن الطبيعية التي لم تُمسّ أو تغير تعد من أهم نقاط جذب السياح الدوليين، في وقت تسعى فيه عمان لتنويع اقتصادها، ويرى المسؤولون العمانيون أن قطاع السياحة يوفر الوظائف بشكل رئيسي للمواطنين.
وعلى سبيل المثال، تنخرط "جمعية البيئة العمانية" مع وزارة النقل لضمان ألا تزعج خطوط الشحن الحيوانات البحرية، مثل الحيتان، لكن "رميثاء" قالت: "لا يمكنك أن تتوقع أن تفعل المنظمات غير الحكومية لدينا كل شيء؛ يجب أن يكون جهد جماعي، يحتاج الجميع إلى المشاركة، بما في ذلك جميع أصحاب المصلحة والأفراد والجمعيات التعاونية والحكومة كذلك ".
ويجب تعزيز قياس ملوثات الهواء، وفق ما تراه الباحثة "عائشة السريحي" من معهد الشرق الأوسط في الجامعة الوطنية في سنغافورة، مضيفة أن البيانات التي تخرج من أنظمة المراقبة المخصصة للتحكم في انبعاثات الشركات "ليست دقيقة بالضرورة".
واقترحت الباحثة أن يعاد النظر في حدود الانبعاثات الخاصة بملوثات الهواء لتصبح مخصصة لكل بلد، قائلة: "تم استيراد معظم اللوائح البيئية في سلطنة عمان ودول مجلس التعاون الخليجي من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، لكن ليس لديهم غبار مثلنا، وهو عامل رئيسي في التأثير على تركيز الملوثات في الغلاف الجوي".
وتعرضت الخطط السابقة لتحديث التنظيم البيئي في سلطنة عمان للموت مع تخفيضات الميزانية العامة وتحول وزارة البيئة وشؤون المناخ إلى هيئة، وقالت المصادر المقربة من دوائر صنع السياسات: "ليس لديهم ميزانية مواصلة العمل على ذلك، و لا حتى موارد القوى العاملة اللازمة للقيام بذلك."
وفي مايو/أيار 2020، قررت سلطنة عمان أن تتخلى عن 70% من الخبراء الأجانب والاستشاريين العاملين في الوحدات المدنية والحكومية وطلبت من الموظفين العامين العمانيين الذين تجاوزت خدمتهم 30 عاما التقاعد بحلول نهاية عام 2020.
ومع ذلك، تقول "رميثاء" إن هيئة البيئة تعمل حاليا على الانتهاء من استراتيجية خضراء لسلطنة عمان ويُفترض أن تُنشر في غضون العامين المقبلين، وخلصت إلى أن المثير للاهتمام في هذه الاستراتيجية هو أنهم أدركوا حقا أنها لا تحافظ على البيئة فقط، لكنها تدعم الاقتصاد أيضا.