داني مكي/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
كان لقاء وزير الخارجية العماني "بدر البوسعيدي" مع رئيس النظام السوري "بشار الأسد" في يناير/كانون الثاني الماضي آخر حلقة في سلسلة الجهود التي تبذلها بلاده لدفع التطبيع العربي مع سوريا.
وأثبتت الأيام أن التقارب الإقليمي الأوسع مع "الأسد" هو عملية معقدة للغاية، لأسباب ليس أقلها التحذيرات الأمريكية والأوروبية. كما أن رفض السعودية الانخراط مع النظام السوري في ظل الظروف الحالية يجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
ومع ذلك، بدأت عزلة النظام السوري تتراجع - وإن كان ذلك بشكل تدريجي - ويعود جزء كبير من الفضل إلى الدور الذي تلعبه مسقط التي احتفظت بخطوط اتصال وعلاقات واضحة مع دمشق في أسوأ الأوقات.
وقال مصدر دبلوماسي سوري: "ليس سرا أن علاقاتنا الثنائية مع سلطنة عمان جيدة جدا وكانت دائما كذلك.. وسيستمر ذلك في المستقبل المنظور". ولطالما اشتهرت عُمان بأنها نادراً ما تنحاز إلى طرف في الخلافات السياسية حيث تفضّل دور صانع السلام بدلاً من المواجهة.
وينبع جزء كبير من هذا الحياد الشبيه بالنهج السويسري من المبادئ الأساسية لسياسة الزعيم العماني الراحل السلطان "قابوس"، الذي سعى دائمًا إلى إدارة عقيدة براجماتية عند التعامل مع الجيران المتقلبين والمشاحنات في منطقة مضطربة.
ورفضت عُمان الانضمام إلى المجموعة التي تقودها السعودية والتي تسعى إلى تغيير النظام في سوريا والتي ظهرت في عام 2011. وفي الواقع، سارت في الاتجاه المعاكس، بل أرسلت وزير خارجيتها إلى دمشق في عام 2015 في ذروة الصراع العسكري.
كان "يوسف بن علوي"، وزير الخارجية العماني آنذاك، يخطط لعودة سوريا إلى الحظيرة العربية، وحتى قبل 7 سنوات قال إنه يبحث عن "أفكار مطروحة على الصعيدين الإقليمي والدولي للمساعدة في حل الأزمة في سوريا".
وقال "آرون لوند"، المحلل في مؤسسة "سينشري للأبحاث"، إن "موقف عمان يساعدها في التحدث إلى الجميع حيث تقف بمعزل قليلًا عن جيرانها في مجلس التعاون الخليجي"، مضيفًا أن "العمانيين حافظوا على العلاقة من أجل فرص الوساطة".
وكان السلطان "هيثم بن طارق" أول زعيم خليجي يهنئ "الأسد" على إعادة انتخابه في عام 2021، وعبّرت برقية التهنئة عن "أطيب تمنياته للرئيس في قيادة الشعب السوري نحو المزيد من التطلعات للاستقرار والتقدم والازدهار".
كما كانت السلطنة أول دولة خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا، وقد زار وزير الخارجية السوري "فيصل المقداد" عُمان في رحلة استغرقت 3 أيام في مارس/آذار، حيث أعرب السوريون عن أملهم المتجدد في إعادة القبول في جامعة الدول العربية.
وكانت سياسة عمان مهمة في تمهيد الطريق لدول أخرى مثل الإمارات التي سعت مؤخرًا بقوة لتطبيع العلاقات مع "الأسد". وقد وصف رئيس برلمان النظام "حمود الصباغ" عمان خلال زيارة "البوسعيدي"، بأنها حليف مهم، قائلاً: "السلطنة الشقيقة وقفت إلى جانب سوريا في حربها ضد الإرهاب". وعادة ما يقتصر هذا النوع من المديح على إيران أو روسيا، أكبر الداعمين لـ"الأسد".
وتسعى عمان إلى مزيد من التعاون مع النظام السوري حيث ألمح "البوسعيدي" إلى أن الزيارات المتبادلة ستتكثف مع نمو العلاقات.
وبينما تحذو دول عربية أخرى حذو عمان، لا تزال هناك قيود يجب التغلب عليها. ولا يزال الكثير من العالم العربي قلقًا من علاقات سوريا الوثيقة مع إيران، وليس لدى دمشق الكثير لتقدمه اقتصاديًا، حيث تخضع لعقوبات شديدة. وقد تكون استعادة عضوية جامعة الدول العربية مهمة، لكنها تعتمد على إنشاء علاقة أفضل مع السعودية، والتي لم يتم إقناعها بعد.
لكن ذلك لم يمنع دولًا مثل مصر من بذل جهود لتسهيل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وقال وزير الخارجية المصري الشهر الماضي: "نأمل أن تتوافر الظروف لعودة سوريا إلى الساحة العربية وتصبح عنصرا داعما للأمن القومي العربي. وسنواصل التواصل مع الدول العربية لتحقيق هذا الغرض".
وليس من قبيل المصادفة أن وزير الخارجية المصري قال هذه التصريحات وهو يقف إلى جانب "البوسعيدي" في مسقط.
في النهاية راهنت عُمان على الوضع في سوريا وانتصرت. وكما يوضح "لوند": "بالرغم أن العديد من الدول العربية أبقت سفاراتها في دمشق، إلا أن عُمان كانت متقدمة على بقية الدول في التعامل على مستويات عالية مع النظام السوري".
ويرى "لوند" أن سوريا لا تمتلك الكثير لتقدمه إلى الدول العربية في مقابل إعادة العلاقات. وفي حال تم إلغاء العقوبات الغربية أو تخفيفها بشكل كبير، وإذا بدأت سوريا في التعافي اقتصاديًا، فقد يكون هناك دوافع اقتصادية للتطبيع مع النظام السوري. في المقابل، لم تستند سياسة عمان تجاه سوريا على توقع نتائج كبيرة من الناحية الاقتصادية.
وستتطلب عودة سوريا إلى الجامعة العربية تقديم بعض التنازلات من قبل النطام، فضلا عن موافقة السعودية. وقد عارضت دول أخرى مثل قطر والمغرب بشدة عودة سوريا. وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبوالغيط" مؤخرا إن "الإجراءات الضرورية" لعودة سوريا لم تتحقق بعد.
في المقابل، أعاد الأردن فتح معبر نصيب الحدودي الرئيسي مع سوريا بالكامل في سبتمبر/أيلول الماضي، وهي خطوة تعمل على تعزيز الاقتصاد الأردني والسوري، ناهيك عن كونها علامة على إعادة دمج دمشق في الاقتصاد العربي.
كما اتبعت البحرين هذا الاتجاه وعينت أول سفير لها في سوريا منذ ما يقرب من عقد من الزمان. ومن وجهة نظر مسقط، فإن دور عُمان في تنمية علاقة إيجابية مع سوريا قد تعزز مع انتصار "الأسد" المتتالية في الحرب.
ويمكن أن تحصل مسقط على الكثير من الفضل في إعادة دمج سوريا مرة أخرى في الجامعة العربية، وفي المقابل سيكون لها رصيد هائل من الامتنان في دمشق، ما يجعلها مؤهلة للتوسط في مستقبل علاقات سوريا مع دول الخليج والشرق الأوسط.