طه العاني - الخليج أونلاين-
شهدت العاصمة العراقية بغداد جولة جديدة من المحادثات بين ممثلين من السعودية وإيران بوساطة عمانية، بهدف إعادة العلاقة بين البلدين وإنهاء قطيعة دامت سنوات.
وأفادت وسائل إعلام عالمية، من بينها وكالتا "فرانس برس" و"سبوتنيك"، بأن الجولة الخامسة من المحادثات السعودية الإيرانية عقدت الخميس 21 أبريل 2022، في بغداد بحضور مندوب عن الحكومة العراقية.
وأشارت إلى أن جولة المحادثات الأخيرة كانت ناجحة، مضيفاً بأن "أجواء الجلسة كانت إيجابية جداً".
وبين مصدر دبلوماسي، وفق "سبوتنيك"، أن الوفدين ناقشا معظم ملفات المنطقة، فضلاً عن ملف العلاقات الثنائية وأمن منطقة الخليج.
أجواء إيجابية
ورغم عدم الإفصاح عن الكثير من التفاصيل بشأن حيثيات اللقاء بين البلدين فإن وسائل إعلام إيرانية أكدت تصاعد الآمال بإعادة إحياء العلاقات الإيرانية السعودية.
وكشفت وكالة "نور نيوز" الإيرانية شبة الرسمية التابعة لمجلس الأمن القومي، في 23 أبريل الجاري، عن أن الجولة الخامسة من المحادثات أسهمت في تشكيل صورة أوضح لإعادة إحياء العلاقات بين البلدين.
وتحدثت الوكالة عن دور مهم لمسؤولين عراقيين وعمانيين رفيعي المستوى، في عقد الاجتماعات المشتركة بين ممثلي طهران والرياض.
وبحث الطرفان خلال خمس جولات من المحادثات الصريحة التحديات الرئيسية في سبيل إحياء العلاقات بين البلدين، وفق الوكالة.
وحضر الاجتماعات مسؤولون كبار من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ورئيس جهاز المخابرات السعودي، بصفتهم ممثلين عن البلدين.
ورغم عدم الكشف عن نتائج الجولة الأخيرة من المحادثات والاتفاقات المحتملة فإن المعلومات التي تلقتها "نور نيوز" تشير إلى أن أجواء إيجابية خيمت على الاجتماع الأخير، ما بعث الآمال لدى البلدين لاتخاذ خطوة نحو إحياء العلاقات.
وتفيد الوكالة بأن أجواء من الحوار البناء هيمنت على المباحثات بين ممثلي البلدين في الجولة الخامسة من المحادثات، ومن المتوقع في قادم الأيام انعقاد اجتماع مشترك بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي.
وكان من المقرر انعقاد الجولة الخامسة من المفاوضات في مارس الماضي، لكنها تأجلت بطلب إيراني من دون الإفصاح عن أسباب التأجيل.
لكن محللين أعربوا عن اعتقادهم بأن قرار تعليق المحادثات الشهر الماضي تزامن مع إعدام السلطات السعودية لنحو 80 شخصاً بتهمة الإرهاب، نصفهم من المكون الشيعي، وتوجيه إيران ضربة صاروخية لأربيل، بذريعة استهداف مقر للموساد الإسرائيلي.
دلالات ولكن!
يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي د. نوري حمدان إن دلالات انعقاد الجولة الخامسة للمفاوضات السعودية الإيرانية في بغداد تحمل جوانب إيجابية، وهذا يعكس ما يدور في المنطقة بشكل عام، وكذلك يعكس الوضع في اليمن والتطورات التي حصلت هناك.
ويوضح "حمدان" في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الملفات متشابكة، مشيراً إلى أن التسريبات الخاصة بالمفاوضات تتم عبر مسؤولين عراقيين أو تصريحات بالإعلام الإيراني، فيما لم يتحدث المسؤولون السعوديون عن مضامين هذه الجولات وإلى أين وصلت.
هذا يعكس، وفق "حمدان"، رغبة السعودية بأن تكون هذه الجولات سرية لأسباب يرجعها بتقديره لعدم اقتناع المملكة بالدور الإيراني، مشيراً إلى أن الرياض بحاجة لتطمينات وتعزيز مصادر الثقة من طرف طهران بسبب هيمنة الأخيرة وتوسعها وإصرارها على مشروعها النووي.
وأشار إلى أنه يجب على إيران تقديم ما يطمئن المملكة ودول المنطقة بشكل عام وليس كما يدعي الجانب الإيراني بأن لديه الرغبة في الحوار وإعادة العلاقات، مبيناً أن هذا كله بحاجة إلى وضوح من خلال الحد من نشاط إيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن، علاوة على الوضوح الكامل في برنامج إيران النووي.
ويلفت إلى أن التوترات في المنطقة "بحاجة إلى تأطير ووضوح"، معتقداً أن الأمور تتجه إلى اتجاهات إيجابية في بعض ملفات المفاوضات، في مقدمتها الملف اليمني وما طرأ عليه من تطورات؛ كالهدنة رغم الاتهامات المتبادلة بانتهاكات وخروقات.
ويرى أن الأيام المقبلة قد تشهد وجود تقارب وإنهاء الحرب في اليمن، مستنداً في ذلك إلى تأكيد السعودية باستمرار رغبتها في الحل السياسي في اليمن، ودعمها نتائج المشاورات اليمنية في الرياض، والتي أفضت إلى تشكيل مجلس رئاسي، علاوة على التصريحات العُمانية التي تحدثت عن دور إيران في الهدنة.
وفي العراق يشير المحلل السياسي إلى أن القضية لا تزال معقدة، إذ إن الرياض داعمة لاستقرار العراق وتشكيل حكومة وطنية قوية، وهو مرحب به عراقياً، في حين أن الدور الإيراني معروف عنه التدخل الكبير في الشؤون العراقية وانحيازه إلى طرف دون آخر، "وهو ما يزعج العراقيين، ويؤثر في جولات الحوار بين الرياض وطهران وإن كانت في بغداد".
ونوه بأن الوضع في سوريا ولبنان "متأزم وغير محسوم".
وخلص إلى أن السعودية تؤكد ضرورة تعاطي إيران مع الملفات العربية وفق "الرؤية العربية وليس رؤية طهران وتوسعها في هذه المناطق".
من جانبه يقول المحلل السياسي إحسان الشمري، إن الجديد في الجولة الخامسة الأخيرة من المفاوضات السعودية الإيرانية هي أنها تؤشر إلى انتهاء القطيعة بين البلدين، خصوصاً بعد موقف السعودية بتعليق المفاوضات نتيجة التدخلات الإيرانية ببعض القرارات القضائية الخاصة داخل المملكة.
ومن جانب آخر يعتقد الشمري في حديثه لـ"الخليج أونلاين" بوجود رغبة بين الطرفين لاستكمال الحوارات لغرض الوصول إلى توافق في عدد من الملفات، ومن أهمها حل الأزمة اليمنية.
ويزعم الشمري أن إيران تسعى لإنهاء خلافاتها مع السعودية لغرض تحسين موقفها، فهي بحاجة إلى موقف يعزز مصداقيتها في التزاماتها، خاصة في ظل التزامن مع مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا.
ويرى أن نتائج هذه الجولة قد تكون بحاجة إلى مزيد من المفاوضات، ولا سيما أن الرياض وضعت عدة ملفات للحوار، فالأمر لا يقتصر فقط على الأمن القومي للمملكة العربية السعودية، بل كذلك حول منطقة الخليج العربي، وحول النفوذ الإيراني في بعض المناطق الأخرى.
ويعتقد أن عدم الوصول إلى نتائج ما بعد خمس جولات يعني "عدم قبول الإيرانيين الرؤية والاشتراكات التي قدمتها الرياض"، مشيراً إلى أنه يبدو أن كل ما تقدمه طهران إلى الرياض هو عبارة عن وعود، في حين تريد الرياض أن تضمن من إيران بأنها لن تهدد الأمن القومي لمصالحها.
إلى ذلك يبين المحلل السياسي علي البيدر أن "هذه الجولات من المفاوضات التي تجريها السعودية وإيران في العراق، يفترض أن تخفف من وطأة التدخل الإيراني في الموقف والقرار العراقي، وعدم تقويض الإصلاح في المنطقة بشكل عام".
ويتابع البيدر في حديثه لصحيفة "العالم الجديد" العراقية، في 16 مارس الماضي، أن "إيران متهمة برعاية الفوضى في المنطقة، وعليها إثبات عكس ذلك؛ عبر إصدار بيانات أو إقامة بعض المواقف أو رفض بعض الأحداث التي تجري أو استنكار بعض العمليات المشينة".
ويستدرك أن "هذه الدول تفكر بمصالحها، والمنظومة السياسية في العراق تفكر بمصالح الآخرين أكثر من مصالحها، فعندما تكون مصلحة إيران استقرار العراق فإنها سوف تعمد على استقراره بكل ما أوتيت من قوة والعكس صحيح، وهذا ينطبق على السعودية أيضاً".
جولات سابقة
واستضافت بغداد أولى مباحثات التقريب بين طهران والرياض، في 9 أبريل 2021، حيث شهد العام الماضي 4 جولات من المحادثات في العاصمة العراقية.
وكشف الرئيس العراقي برهم صالح، في مايو الماضي، لأول مرة، عن استضافة بلاده في أكثر من جولة حوار مباشرة بين السعودية وإيران.
فيما أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أن مفاوضات بلاده مع الرياض في بغداد حققت تقدماً رغم أن نتائجها الملموسة كانت قليلة ومحدودة.
وأما السعودية، التي قطعت علاقاتها مع إيران عام 2016 عقب اقتحام سفارة المملكة في طهران، فقد وصفت المحادثات بأنها ودية لكنها ما زالت استكشافية، بينما قال مسؤول إيراني، في أكتوبر، إن المحادثات قطعت "مسافة جيدة".
وتعمق الخلاف بين طهران والرياض في العديد من الملفات، وأبرزها الملف اليمني، حيث تقود السعودية تحالفاً عسكرياً لدعم القوات الحكومية في مواجهة مليشيا الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى منذ سبتمبر عام 2014.