يوسف حمود - الخليج أونلاين-
يتأكد يوماً بعد يوم، أن عُمان لاعب أساسي في أي مفاوضات تتعلق بالملف النووي الإيراني، وأصبحت محل ثقة لدى الغرب؛ بسبب تمكنها سابقاً من إنجاح اتفاق 2015.
ولم تكن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لسلطنة عمان، في مايو الماضي، مفاجئة أو مستغربة؛ فالبلدان يتمتعان بعلاقات وطيدة وكبيرة منذ سنوات طويلة، غير أنها جاءت في وقتٍ يضغط المجتمع الدولي بكل ثقله في سبيل إنجاح اتفاقٍ جديد بينه وبين طهران بشأن الملف النووي الإيراني، وسط خطوات عُمانية للوساطة.
ولعل الزيارات المتبادلة والمباحثات التي تجريها مسقط مع إيران من جهة، ومن جهة أخرى مع عدة دول بينها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، تأتي جميعها في سياق هدفٍ واحد يتمثل بهذا الاتفاق.
ولعل سياق هذه التحركات المستمرة قد جاء في وقتٍ فشلت فيه مفاوضات فيينا، بين المجموعة الدولية وطهران، في التوصل لحلول جذرية للخلافات بينهما، ووسط فشل كبير لمحاولات تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران، لتطرح تساؤلات حول إمكانية نجاح تحركات مسقط كما نجحت سابقاً في اتفاق 2015.
اتصالات مكثفة
في سياق التحركات المكثفة خلال الأشهر القليلة الماضية، بحث وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي مع المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي، تطورات الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى.
وفقاً لوزارة الخارجية العُمانية، فإن البوسعيدي تلقّى في (27 يوليو 2022)، اتصالاً هاتفياً من مالي، تناول أيضاً عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وتزامن هذا الاتصال، مع آخر في اليوم ذاته تلقاه البوسعيدي من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبحثا خلاله تطورات المفاوضات النووية المتعثرة منذ شهور، حيث أبلغ عبد اللهيان نظيره العماني جديّة طهران في التوصل إلى اتفاق قوي ومستدام.
هذه المباحثات قد جاءت في ضوء تصريحات من الجانبين الأمريكي والإيراني، أكد فيها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، (26 يوليو)، أن الولايات المتحدة مستعدة بالفعل لإحياء الاتفاق إذا انخرطت إيران بشكل بنّاء في التفاوض على اتفاق مطروح منذ مدة.
أما عبد اللهيان فقد أكد بدوره (22 ييوليو، وجود اتفاق مكتمل بنسبة 96%، لكنه قال إن ذلك لا يضمن مصالح إيران الاقتصادية، مشيراً إلى أن طهران لن توقّع على أي اتفاق لا يضمن مصالحها.
وهذه الخلافات والتصريحات تأتي بعد أشهر من فشل الاتفاق بين الجانبين، حينما أعلن الاتحاد الأوروبي في مارس 2022، "توقف" المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، بسبب "عوامل خارجية"، وسط اتهامات بين إيران وأمريكا بالتسبب في إفشال المفاوضات.
عُمان.. تحركات لا تتوقف
اتصالات عُمان الأخيرة ليست الأولى، فعلى مدار الأشهر الماضية كثفت تحركاتها، ولعل أبرز ذلك قد تمثل في زيارة الرئيس الإيراني لمسقط في مايو الماضي، والتي قيل إنها في سياق العلاقات الثنائية، وبحث الملف النووي.
أما سلطان عُمان هيثم بن طارق، وخلال زيارته لألمانيا منتصف يوليو الجاري، فقد بحث مع المستشار الألماني أولاف شولتس، عدداً من القضايا، وفي مقدمتها مصير العودة للاتفاق النووي مع إيران، حيث تمثل ألمانيا إحدى الدول الأوروبية في المحادثات للعودة للاتفاق.
بدوره، بحث وزير الخارجية العُماني، منتصف يونيو الماضي، مع نظيره الإيراني، "عزم الجانبين على متابعة تنفيذ نتائج زيارة الرئيس الإيراني، مؤخراً، لسلطنة عمان".
فيما أكدت الخارجية الإيرانية أن عبد اللهيان بحث مع البوسعيدي، تطورات مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، وقال الوزير: "على مسؤولي المنطقة ألا يسمحوا للغرباء بالتأثير على التعاون والاستقرار الإقليميين"، مضيفاً أن الحوار والتنسيق بين دول المنطقة وشعوبها هما اللذان يقرران مصيرها.
وبعدها بأيام، وتحديداً في 22 يونيو، أجرى عبد اللهيان، والبوسعيدي، محادثات تناولت القضايا الإقليمية والدولية، في مقدمتها تطورات الاتفاق النووي.
وفي 7 يوليو، بحث وزير الخارجية العُماني مع كبير مفاوضي إيران في الملف النووي، علي باقري، بمسقط، تطورات المحادثات الرامية إلى إحياء اتفاق 2015 بين طهران والقوى الغربية الكبرى.
بوابة الولوج لطهران
يشير الأكاديمي العماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، إلى أن استئناف مسقط أدوارها المركزية في الملف النووي "يشكل قيمة مضافة ربما تعزز فرص الوصول الى اتفاق".
ويقول "الغيلاني" لـ"الخليج أونلاين": إن سلطنة عُمان "لا تزال بوابةَ الولوج إلى طهران، كما أنها تتمتع بثقل مقدَّر في الأزمة اليمنية".
كما يؤكد أن نجاح المفاوضات أو تعثرها "لا يرتهن إلى دور الوسيط فحسب، فعملية التفاوض عملية مركبة وبالغة التعقيد تؤثر فيها جملة من العوامل الدولية والإقليمية".
ويوضح: "مثلاً الدور القطري، من حيث الثقل الجيوسياسي، يوازي الدور العماني، وما يُحسب للدوحة أنها أبقت على باب التفاوض مفتوحاً، ولعل الدور القطري هو الذي حال دون القطيعة النهائية بين واشنطن وطهران".
ويرى أن الوسيط الخليجي (العماني والقطري) ينقصه "امتلاك مبادرة مستقلة يلتقي عليها فرقاء الصراع".
يشير الأكاديمي العماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية، عبد الله الغيلاني، إلى أن استئناف مسقط أدوارها المركزية في الملف النووي "يشكل قيمة مضافة ربما تعزز فرص الوصول الى اتفاق".
ويقول "الغيلاني" لـ"الخليج أونلاين": إن سلطنة عُمان "لا تزال بوابةَ الولوج إلى طهران، كما أنها تتمتع بثقل مقدَّر في الأزمة اليمنية".
كما يؤكد أن نجاح المفاوضات أو تعثرها "لا يرتهن إلى دور الوسيط فحسب، فعملية التفاوض عملية مركبة وبالغة التعقيد تؤثر فيها جملة من العوامل الدولية والإقليمية".
ويوضح: "مثلاً الدور القطري، من حيث الثقل الجيوسياسي، يوازي الدور العماني، وما يُحسب للدوحة أنها أبقت على باب التفاوض مفتوحاً، ولعل الدور القطري هو الذي حال دون القطيعة النهائية بين واشنطن وطهران".ويرى أن الوسيط الخليجي (العماني والقطري) ينقصه "امتلاك مبادرة مستقلة يلتقي عليها فرقاء الصراع".ووفقاً لـ"الغيلاني"، فإنه "حسب المعطيات الإقليمية الراهنة، تبدو فرص استئناف التفاوض والوصول إلى اتفاق، أفضل من ذي قبل، فتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، والتقارب السعودي-الإيراني، والهدوء النسبي على الجبهة اليمنية، كلها عوامل تعزز فرص نجاح التفاوض".
وأضاف: "تنفرد كل من الدوحة ومسقط بخصائص جيواستراتيجية تُمكنها من التأثير في صيرورة
المفاوضات، فلو اجتمعت تلك الخصائص في مبادرة عمانية-قطرية لَتشكَّل منها مشروع مشترك له قدرة تأثيرية أكبر. ومن ثم فإنَّ دمج الوساطة العمانية-القطرية في مبادرة مشتركة من شأنه أن يعظِّم فرص إنجاز اتفاق حول الملف النووي".
ويرى أيضاً أن إرادة الطرفين الأمريكي والإيراني "هي الرافعة التي يمكن أن تنقل عملية التفاوض من مرحلة اختبار النوايا والضغط المتبادل إلى مرحلة التصميم الاستراتيجي"، مشيراً إلى أن طرفي الصراع "لا يزالان بعيدين نسبياً عن تلك المرحلة"، موضحاً: "ما الإخفاقات المتعاقبة إلا قرينة على ما ذهبنا إليه".
عُمان.. ومزيد من الدبلوماسية
وكانت عُمان تؤدي دوراً مهماً في التوسط بين الطرفين، وقد أكدت دول الخليج خلال قمة جدة التي حضرها الرئيس الأمريكي منتصف يوليو في مدينة جدّة، تمسكها بالدبلوماسية لمنع طهران من تطوير سلاح نووي.
وتسعى طهران إلى تنشيط التواصل مع الإدارة الأمريكية عن طريق الوسطاء؛ خصوصاً سلطنة عمان، كما لعبت الحكومة القطرية دوراً في توصيل الرسائل المتبادلة بين الجانبين.
وإلى جانب ذلك، فإن هناك ارتباطاً كبيراً بين الملف النووي والأزمة اليمنية، وتعمل مسقط منذ البداية ععلى حلحلة هذه الأزمة، حيث شهدت تحركات دبلوماسية إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي للحرب الكارثية في اليمن، وأسفرت مؤخراً عن هدنة بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
وترتبط مسقط بعلاقات طيبة مع طهران، منذ فترة السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور، الذي انتهج الدبلوماسية التصالحية في المنطقة، وكان أبرز وسيط تعوّل عليه إيران في علاقتها المتوترة مع الدول العربية، والغربية خاصةً الولايات المتحدة.
ومنذ 40 عاماً تؤدي مسقط دور الوساطة بين واشنطن وطهران، إضافة إلى سويسرا راعية المصالح الأمريكية في إيران.
وساعدت عُمان في جهود وساطة خلال محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013، حيث تم التوصل إلى الاتفاق نفسه عام 2015 بين إيران والمجموعة الدولية في لوزان السويسرية، وتكللت بجمع الإيرانيين والأمريكيين على طاولة تفاوض مباشر بمسقط في العام نفسه.