حازم عياد- السبيل-
رفضت سلطنة عُمان عبور الطائرات المدنية الإسرائيلية في أجوائها يوم امس الجمعة بعد طول انتظار وترقب من شركات الطيران الاسرائيلية، لتبرر صحيفة "يسرائيل هيوم" القرار في خبرها بالضغوط التي مارستها طهران على مسقط، وكان آخرها -بحسب زعم الصحيفة- اتصال وزير الخارجية الايراني امير حسين عبد اللهيان بنظيره العماني بدر البوسعيدي قبل ساعات قليلة من القرار.
الصحيفة العبرية تجاهلت الحقيقة الكبرى في السلطنة والممثل بالتحول الكبير في المزاج العام الرسمي والشعبي في عمان خلال العامين الفائتين، خصوصا بعد تولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في السلطنة.
وقد عبر عنها أكثر من مرة مفتي السلطنة العلامة الشيخ أحمد بن سليمان الخليلي اذ اكد اكثر من مرة إدانة الاحتلال والتطبيع معه، فالموقف العماني موقف أصيل ونابع من قناعات وحسابات ذاتية وموضوعية.
باتت سلطنة عُمان أكثر انسجاما وتوافقا بين موقفها الرسمي والشعبي، وأكثر حساسية لواقع محيطها الاقليمي والدولي؛ فمصالحها بعيدة المدى مع دول الإقليم والنظام الدولي تتناقض مع العلاقة مع "اسرائيل".
فمسقط تربطها علاقات قوية مع الصين والهند وايران والسعودية، في حين لا تعد "إسرائيل" جزءاً مهماً وأساساً من هذه المنظومة، بل عائقاً كبيراً امام تطورها، وعاملاً خطيراً يدفع نحو الاستقطاب، وبروز المحاور المتصارعة، لا على صعيد الإقليم؛ بل النظام الدولي بأسره.
إذ تسعى أمريكا ومن خلال الكيان الصهيوني إلى خلق محور مناهض للصين، وعقد تحالفات مع الهند تتناقض مع مصالح الجارة باكستان، وهي حالة فوضوية لا تتناسب مع مصالح السلطنة وتوجهاتها تاريخياً.
قرار السلطنة جاء منسجماً مع التحولات في المزاج الإقليمي، فالحماسة المفرطة للتطبيع مع الكيان الصهيوني تراجعت بشكل كبير؛ نتيجة الاضطراب السياسي داخل الساحة الاسرائيلية، وتصاعد الحملات العسكرية والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني، إلى جانب الفشل والفتور الكبير في العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني عقب إلغاء العديد من الاتفاقات التجارية بين الكيان وأبوظبي.
وذلك على خلفية القرار الأمريكي القاضي بضرورة التدقيق في نشاط الشركاء في أبوظبي، وحرمان شركائها الصينيين من الاستفادة من العقود المبرمة مع الكيان (ناقل النفط بين عسقلان وإيلات/أم الرشراش انطلاقا من أبوظبي)، أو نتيجة الرفض الاسرائيلي لعقود الاستثمار والتشعيل الإماراتية لميناء حيفا، أو نتيجة لتجميد واشنطن بيع طائرات "أف 35" لأبوظبي بحجة علاقتها بالصين، وإمكانية تسرب التكنولوجيا الامريكية الى الصين.
الى جانب ذلك، فإن السعودية وإن رفعت حظرها على مرور شركات الطيران المدينة في أجوائها أيًّا كانت جنسيتها، إلا أنها بقيت متحفظة في ذكر الطيران الإسرائيلي في ديباجة القرار؛ ما جعل من قرار السلطنة أكثر تكاملا وانسجاما مع الموقف السعودي المتحفظ؛ فقرار عُمان رفع الحرج عن السعودية وضَيَّق مساحة الحركة الاسرائيلية في أجواء السعودية بطريقة غير مباشرة.
أخيرًا، فإن قرار سلطنة عمان حظر مرور الطائرات المدنية التابعة لدولة الكيان الصهيوني جاء بمثابة اعلان لانكسار موجة التطبيع، وتراجعها على صخرة التحولات الاقليمية والدولية، المتزامنة مع التحولات الداخلية في عُمان، والتي عبر عنها وصول السلطان هيثم بن طارق لسدة الحكم، الامر الذي جعل من قرار الحظر ممكناً،
فصانع القرار يعد العنصر الاهم والاكثر تأثيرًا في ارض الواقع، وهو ما أعطى الموقف الشعبي والمتغيرات الدولية والاقليمية أهميتها وقيمتها الفعلية.