أشرف كمال - الخليج أونلاين-
وصف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، سلطنة عُمان بأنها "مركز المحادثات" في المنطقة، وهو ما يعزوه محللون إلى حاجة إيران للدور العماني في عدد من الملفات المتعثرة حالياً.
وجاءت تصريحات عبد اللهيان خلال زيارته لمسقط التي بدأها (27 ديسمبر 2022)، والتي التقى خلالها السلطان هيثم بن طارق، وسلّمه رسالة خطية من الرئيس إبراهيم رئيسي، ودعوة رسمية لزيارة طهران، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا).
ونقلت "إرنا" عن عبد اللهيان، قوله: إن السلطنة "هي مركز الحوار الإقليمي حول مختلف القضايا سواء في ما يتعلق بإيران أو الأزمات الإقليمية"، وإن المسؤولين العمانيين "لعبوا دائماً دوراً خيّراً".
وأكد الوزير الإيراني أن مسقط لعبت دوراً إيجابياً في المفاوضات الدائرة بين الحوثيين اليمنيين (المدعومين من طهران)، ودول التحالف بقيادة السعودية، وذلك قبل أن يلتقي وفد المليشيا المفاوض في السلطنة.
توقيت مهم
وتأتي زيارة عبد اللهيان لمسقط، التي عرفت دائماً بدبلوماسيتها الصامتة، في وقت وصلت فيه العديد من الملفات الاستراتيجية المتعلقة بإيران إلى نقطة فاصلة.
فعلى صعيد الأزمة اليمنية، التي تعتبر إيران لاعباً رئيساً فيها بدعمها المالي والعسكري للحوثيين، استضافت مسقط خلال أكتوبر الماضي، مفاوضات سرية مباشرة بين الحوثيين والسعوديين، وفق ما أعلنه كبير مفاوضي مليشيا الحوثي محمد عبد السلام، في الـ20 من الشهر الجاري.
وتهدف المفاوضات إلى إحياء الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة بين أبريل وأكتوبر الماضيين، والتي لم تفلح الأطراف في تمديدها، بسبب ما وصفه المبعوث الأمريكي لليمن تيموثي ليندركينغ، بأنه "تعنت" من قبل الحوثيين.
وفيما تحاول الأطراف إحياء الهدنة على أمل تحويلها إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، صعّدت الولايات المتحدة رقابتها في مياه الخليج، وأعلنت في نوفمبر، ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة الإيرانية وهي في طريقها للحوثيين.
إلى جانب ذلك، فإن زيارة عبد اللهيان لعُمان تتزامن مع تصعيد طهران لهجتها التصالحية مع الرياض وتأكيدها الرغبة في مواصلة المفاوضات التي بدأت بين الطرفين في بغداد قبل عام ونصف العام، والتي توقفت بالكامل خلال الشهور الماضية.
وكان عبد اللهيان قال في وقت سابق من الشهر الجاري، إن نظيره السعودي فيصل بن فرحان، أبلغه خلال قمة "دول جوار العراق" التي عُقدت في الأردن، استعداد الرياض لمواصلة المفاوضات.
كما أعلن عبد اللهيان استعداد بلاده لعقد نقاش موسع مع دول الخليج على مستوى وزراء الخارجية والدفاع؛ في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
وفيما تبدو محاولات إحياء الاتفاق النووي بين الولايات وإيران، في حالة موت سريري، فإن طهران ما تزال تؤكد رغبتها في التوصل لاتفاقٍ شريطة ألا يتجاوز خطوطها الحمراء.
دور عماني بارز
خلال سنوات، لعبت مسقط دور الوسيط في عديد من الأزمات الكبيرة، وقد أكد وزير خارجيتها بدر البوسعيدي، مراراً، استعداد السلطنة للتوسط في أي خلاف، وقال إن الاتفاق النووي الإيراني كان أفضل إنجاز دبلوماسي بالمنطقة.
وبالنظر إلى العلاقات الكبيرة بين طهران ومسقط، فإن زيارة عبد اللهيان قد تحمل طروحات إيرانية لعديد من القضايا التي بإمكان العمانيين لعب دور مهم فيها، خصوصاً في ما يتعلق باليمن والعلاقات مع السعودية.
كما أن الزيارة تأتي بعد أيام من لقاء جمع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بنظيره اليمني أحمد بن مبارك في أنقرة، وحديث تركي عن تدخل لإنهاء أزمة اليمن.
وقد يدفع دخول تركيا على خط أزمة اليمن إلى محاولة تحجيم أي دور إيراني متوقع، خصوصاً مع التقارب الكبير بين الرياض وأنقرة، نظراً إلى حالة التنافس الإيراني التركي في ملفات مهمة مثل سوريا والحرب الأذرية - الأرمنيية في "قرة باغ".
وكانت السعودية ودول الخليج أكدت خلال الفترة الماضية وفي أكثر من لقاء، ضرورة التزام إيران بحسن الجوار كشرط لتصحيح العلاقات، التي قال وزير الخارجية السعودي في وقت سابق، إنه شرط أساسي لاستقرار المنطقة.
ولا تحمل هذه التصريحات كلها جديداً، حيث دأب الطرفان على ترديدها بلا توقف، بينما لا يخطوان خطوة حقيقية نحو الأمام.
فقد أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني (26 ديسمبر 2022)، أن السعودية وإيران "متفقتان على نهج بنّاء، وعقدتا 5 جولات من الحوار في بغداد".
وأضاف: "أصدقاؤنا بذلوا جهوداً جيدة في هذا الصدد، وقد جرت محادثات جيدة بين وزيري خارجية البلدين، ونرحب بتصريحات السعوديين، ونأمل استئناف المحادثات".
دور محوري
الكاتب العماني سعيد باقوير، يرى أن زيارة عبد اللهيان لمسقط في هذا التوقيت تعكس أهمية الدور العُماني في عديد من الملفات المهمة، التي تواجه تعثراً في الوقت الراهن.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، قال باقوير إن الزيارة مدفوعة بالتوترات التي تعيشها طهران مع الولايات المتحدة ومع عدد من دول الخليج، خصوصاً مع السعودية التي لم تتقدم رغم محادثات بغداد، حسب قوله.
ويرى أن طهران بحاجة للخبرة السياسية التي تمتلكها مسقط في قضايا المنطقة، ولدورها المحوري، خاصةً أن جهودها السابقة دفعت باتجاه توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
ويضيف المحلل العماني: "المشهد السياسي في المنطقة أصبح مقلقاً بسبب التوتر الإيراني - الأمريكي - الإسرائيلي، وعدم تحقيق تقدم في العلاقات الإيرانية السعودية".
ومن ثم، يرى أن دول المنطقة، سواءً الخليج أو إيران، تنظر إلى مركزية الدور العماني في إيجاد حلول واقعية وإبعاد شبح الحروب والصراعات التي عانت منها المنطقة خلال العقود الـ4 الأخيرة.
إلى جانب ذلك، فإن المنطق السياسي العماني يعتبر أكثر قبولاً في ظل التحديات الراهنة؛ لكونها تتمتع بعلاقات جيدة مع الأطراف الدولية والإقليمية كافة، كما يقول باقوير.
وخلص المحلل العُماني إلى أن طهران وغيرها من الدول تحاول الاستفادة من دبلوماسية مسقط لإنهاء أزمات كأزمة اليمن على سبيل المثال.