يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تعتبر عملية إطلاق النار التي تبناها تنظيم "داعش" المتطرف، والتي حدثت في مسقط، واقعة نادرة في سلطنة عُمان.
لم يكن الـ15 من يوليو 2024 يوماً عادياً بالنسبة لعُمان، بل تحول إلى أحد أسوأ أيامها على مدار العقود التي مضت، بعدما أمست على حادثة إرهابية مرعبة أودت بحياة 9 أشخاص، في بلدٍ لطالما وصف بأنه من أبرز بلدان العالم أماناً واستقراراً.
وتعتبر عملية إطلاق النار التي تبناها تنظيم "داعش" الإرهابي، والتي حدثت في مسقط، واقعة نادرة في سلطنة عُمان التي عادة ما تلتزم مواقف حيادية في النزاعات القائمة في المنطقة، ولم يسبق لها التدخل في نزاعات مختلفة حدثت خلال السنوات الماضية.
وعلى مدار عقود، أولت سلطنة عمان تطوير أجهزتها الأمنية كل اهتمام، وبذلت جهوداً جبارة في توفير متطلبات الأمن، وتجهيز مرافقه وكوادره وفق أعلى المستويات المهنية، وتحققت في هذا الشأن قفزات مذهلة، من نتائجها تعزيز الكفاءة العملياتية بمختلف الوحدات والتشكيلات الأمنية.
إرهاب غير مسبوق!
بينما كان مقيمون من جنسيات مختلفة يقيمون مجلس ما يسمى بـ"ذكرى عاشوراء"، هاجم ثلاثة مسلحين، ليل الـ15 من يوليو، محيط مسجد للشيعة في العاصمة العمانية، وهو الهجوم الذي يأتي لينهي عقوداً من السكينة في السلطنة التي تعد واحدة من أكثر الدول استقراراً في منطقة الشرق الأوسط.
وفي حين أصاب هذا الحادث النادر العمانيين بالصدمة، أعلنت الشرطة السلطانية والأجهزة العسكرية والأمنية إنهاء إجراءات التعامل مع واقعة إطلاق النار، التي قالت إنها أسفرت عن مقتل 5 أشخاص، وأحد رجال الشرطة إضافة للجناة الثلاثة.
وذكرت الشرطة، في بيان، أنه أصيب خلال الحادثة 28 شخصاً من جنسيات مختلفة، بينهم 4 أشخاص في أثناء تأدية واجبهم الوطني من رجال الشرطة ومنتسبي هيئة الدفاع المدني والإسعاف.
وبعد يوم من الحادثة، أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم، وقال إن ثلاثة ممن وصفهم بـ"الانغماسيين من الدولة الإسلامية هاجموا تجمعاً للشيعة في أثناء ممارسة طقوسهم السنوية عند معبد لهم بمنطقة الوادي الكبير بالعاصمة".
وجاء في البيان الذي نقلته وكالة "رويترز"، أن "المقاتلين فتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة على الشيعة، ثم اشتبكوا مع القوات العمانية التي وصلت للمكان، واستمرّت الاشتباكات حتى صباح اليوم التالي".
ولاحقاً أعلنت شرطة سلطنة عُمان (18 يوليو)، أن الثلاثة المتورطين في إطلاق النار هم إخوة من مواطنيها وقد تمّت تصفيتهم، كاشفة أن التحقيقات دلّت على تأثرهم بأفكار "ضالة".
تضامن وتنديد
الحادثة التي أفزعت عُمان وجيرانها، دفعت دولاً خليجية لإدانتها بشدةٍ، حيث أعربت الخارجية البحرينية، في بيان الثلاثاء (16 يوليو)، "عن إدانة المملكة الشديدة لحادث إطلاق النار، مؤكدة أن "الاعتداء الآثم، يتنافى مع كافة القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية، ويستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في سلطنة عُمان الشقيقة".
بدورها، أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن إشادة الدولة بالإجراءات المتخذة من قبل جهات الاختصاص في عمان إثر حادثة إطلاق النار، وقالت إنها تدعم "الإجراءات التي تتخذها جهات الاختصاص في السلطنة الشقيقة لحفظ الأمن والأمان في السلطنة".
وأصدرت الإمارات بياناً دانت فيه الحادثة، وأعربت عن تضامنها مع جميع الإجراءات التي تتخذها السلطنة لحماية أمنها واستقرارها، وعبرت عن "رفضها الدائم لجميع أشكال العنف التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتعرض حياة السكان للخطر، وتتنافى مع القانون الدولي".
وفي السعودية، أعربت وزارة الخارجية عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة في عُمان، وسرعة وكفاءة التعامل مع حادثة إطلاق النار بمنطقة الوادي الكبير.
من جانبه ندد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، بأشد عبارات الشجب والاستنكار، بحادثة الوادي الكبير، مؤكداً أن "هذا العمل الإجرامي البشع يتنافى مع كافة مبادئ ديننا الحنيف والقيم الإنسانية والأخلاقية".
زعزعة استقرار عُمان
يقول الصحفي العُماني المختار الهنائي، إن هذا الحدث ليس استثنائياً فقط، "بل يحصل للمرة الأولى في تاريخ سلطنة عُمان الحديث، خصوصاً أن عُمان كانت وما زالت بعيدة عن الصراعات الإقليمية في المنطقة".
ويشير إلى أن الداخل العماني "لم يتأثر بالخلافات والمشاكل المحيطة، وظلت عُمان هي صمام الأمان عبر مساعيها وجهودها في التوسط بين الخلافات الدولية، وتوسطت في حل كثير من المشكلات، واحتضنت أراضيها لقاءات الوساطة وأقرب مثال الهدنة في اليمن".
ولفت، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى عدم وجود "مبرر ولا مسببات يمكن أن نضع عليها أي احتمال؛ المجتمع العماني متسامح ومتعايش بصورة لا يمكن مقارنتها بأي دولة في المنطقة، ولم يتأثر بجميع الأحداث المجاورة، ونما لديه وعي كبير، حتى على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي هو بعيد عن الضجيج والدخول في شؤون الدول الأخرى".
ويرى أن ما حدث "سبّب حالة من الصدمة المجتمعية، خاصة مع هذا التوقيت الذي تعيش فيه عُمان استقراراً من جميع الجوانب، سواء الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية".
ويعتقد أن هدف الحدث بهذا التوقيت "زعزعة هذا الاستقرار، ومحاولة الضغط على حكومة السلطنة لتقديم تنازلات فيما يتعلق بموقفها الثابت من القضية الفلسطينية ورفضها التطبيع مع "إسرائيل" وعدم دخولها في التحالف ضد اليمن، ولم تسمح باستخدام أراضيها ومياهها الإقليمية ومجالها الجوي في توجيه ضربات لليمن".
وعن تنظيم "داعش" الذي تبنى العملية، يقول الهنائي: "المتابع للتنظيم الإرهابي المتهالك يدرك بأن هناك أجهزة مخابرات وراءه لدول تتعامل معنا كأصدقاء، ويتم إخراجه كذريعة في تنفيذ الأعمال الإرهابية".
وأضاف: "الحدث كشف بأن هذه الدول ليست صديقة ولا تتعامل إلا وفق مصالحها، متناسية أصول العلاقات الدولية، هي ذات المبادئ التي تتعامل معها ضد الأبرياء في فلسطين، الأسوأ في الموضوع بأنك تتعامل مع إرهاب دول وليس مع جماعات إرهابية".
ويرى أن بلاده تعد "حالة استثنائية، ونموذجاً للتوافق بين الشعب والحكومة في مختلف القضايا الدولية"، مؤكداً ان هذا الحدث "لم يزعزع هذه الثقة، بل يرفع مستوى الالتفاف حول القرار السياسي في البلاد، وسيشكل دفعة إيجابية في مسيرة التعايش والترابط المجتمعي".
من جانبه، يؤكد جمعة الجرادي، المحاضر الزائر بجامعة السلطان قابوس والمتخصص في الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، أن الحادثة "لا يمكن قراءتها خارج السياق الإقليمي وما يحدث في المنطقة من تداعيات سياسية".
وتحدث، في تصريح مصور نقلته صحيفة "أثير" العمانية، عن أن هذا الحادث جاء في وقتٍ بدأ العمل على "مشروع على أرض الواقع يتمثل في تصفية القضية الفلسطينية وإدماج "إسرائيل" في المنطقة باعتبارها قائداً لمنظومة أمنية سياسية تتشكل في المنطقة".
وأشار إلى أن وجود استهداف مباشر لقوى مقاومة لهذا المشروع، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحادث جاء "في وقتٍ عرف عن موقف السلطة من أنها عامل استقرار إقليمي في المنطقة وتسعى إلى تهدئة الأوضاع وإطفاء الصراعات الناشئة".
وتابع: "هذا الموقف لا يعجب الكثير وكان له تداعياته في الحدث الأخير".
عُمان.. "سويسرا المنطقة"
وتُعتبر مثل هذه العمليات حوادث نادرة جداً في السلطنة، بخلاف الوضع في دول مجاورة.
وكانت آخر حادثة وقعت في العام 2005، حينما أطلق مدرس سابق النار داخل مبنى حكومي في مسقط متسبباً بوقوع قتيلين وجرح آخرين، قبل أن يقتل نفسه، حسب ما أفادت وكالة الأنباء العمانية حينها، التي أشارت إلى أن دوافعه كانت "شخصية".
ونجحت سياسة عمان، أو "سويسرا الشرق" كما يفضل البعض تسميتها، القائمة على النأي بالذات عن الصراعات والتحالفات العالمية والإقليمية، في تجنيب السلطنة الكثير من العواقب السياسية والتبعات الاقتصادية.
واحتلت عُمان في مؤشر السلام العالمي للعام 2024 المرتبة 37، حيث جاءت من بين الدول التي تتمتع بمؤشرات سلام جيدة، فهي في المرتبة الثالثة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم أن المنطقة تعاني من الكثير من النزاعات بسبب ما تشنه "إسرائيل" من حرب انتقامية جائرة على غزة، وما تعانيه سوريا والسودان واليمن من نزاعات وظروف قاسية.
كما يشير المؤشر إلى أن عُمان تأتي في مرتبة الدول التي تتميز بمؤشرات سلام وأمان جيدة، إذ تأتي من بين 50 دولة حافظت على السلام والأمان في مجتمعها، بل وقدمت أدواراً مهمة في الحفاظ على ممكناته بين دول المنطقة والعالم، إضافة إلى ما تبذله من جهود في الإنفاق العسكري والحفاظ على الأمن الوطني وحماية المجتمع.