دول » عُمان

ديانات وثقافات.. نظرة على تاريخ التعايش في سلطنة عمان

في 2024/08/04

طه العاني - الخليج أونلاين-

تعدّ سلطنة عمان واحدة من الدول العربية التي تتمتع بتاريخ طويل وحافل من التعايش والتسامح بين مختلف الديانات والثقافات المتنوعة.

وعلى مر العصور، شهدت عمان تنوعاً دينياً وثقافياً أثرى نسيجها الاجتماعي وأسهم في بناء مجتمع متماسك ومتسامح، كما يمتاز الشعب العماني بتقبُّله للآخر واحترامه للتنوع، مما جعل السلطنة نموذجاً فريداً في المنطقة.

رفض مجتمعي للعنف

ويحفل التاريخ العماني بشواهد كثيرة على التعايش الديني الممتد منذ العصور القديمة، حيث كانت السلطنة نقطة تلاقٍ لعديد من الحضارات والشعوب، مما جعلها موطناً لعديد من الديانات مثل الوثنية، والمسيحية، والزرادشتية قبل دخول الإسلام.

ووفقاً لموقع وزارة الخارجية العُمانية، يتكون المجتمع العُماني من "مواطنين ومقيمين من الهندوس، والبوذيين، والمسيحيين، واليهود، والبهائية، والمورمون"، فضلاً عن الغالبية المسلمة.

وعلى الرغم من أن "الإسلام هو دين الدولة وأساس التشريع"، فإن النظام الأساسي في عُمان يحظر التمييز على أساس الدين، وينص على حرية ممارسة الشعائر الدينية، و"حماية جميع الديانات الإبراهيمية من الإساءة".

في الآونة الأخيرة، شهدت منطقة الوادي الكبير بالسلطنة في 16 يوليو الماضي، عملية إطلاق نار استهدفت أحد المساجد وأثارت استياء المجتمع بأسره، حيث كانت هذه الحادثة غير معتادة في مجتمع عُماني يتسم بالهدوء والتعايش السلمي.

وجاءت ردود الفعل المجتمعية قوية وواضحة في استنكارها لهذا الهجوم، فقد دعا عديد من المواطنين إلى تعزيز روح التعايش والتسامح التي تُعرف بها السلطنة.

واستخدمت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائل الوحدة والتضامن، مؤكدين أن هذا الفعل لا يمثل القيم الحقيقية للمجتمع العماني، فضلاً عن استهجان المجتمع لهذا العمل العنيف.

وأصدر المفتي العام لسلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، بياناً يدين فيه ما حدث، مشدداً على أن الإسلام دين السلام والتعايش.

ودعا مفتي السلطنة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية كافة ضد مرتكبي الحادثة، وأكد أهمية الوحدة الوطنية والتآزر بين أفراد المجتمع لمواجهة مثل هذه التحديات.

قيم موروثة

ويقول الباحث الدكتور حبيب الهادي، إن سلطنة عُمان تعتبر نموذجاً من نماذج دول العالم الإسلامي التي تتميز بالتعايش السلمي، إذ لم تسجل عبر تاريخها أية حادثة طائفية أو مشاكل ونزاعات مذهبية.

ويوضح "الهادي" لـ"الخليج أونلاين"، أن الفترة الزمنية الأطول في تاريخ عُمان كانت تتسم بالسلم الاجتماعي والأمن والاستقرار، على الرغم من وجود نزاعات قبلية محدودة، بسبب الاختلاف على المصالح الحدودية بين حوزات بعض القبائل.

وحول حادثة الوادي الكبير، يؤكد الهادي أنه لم يؤثر على وحدة المجتمع العُماني إطلاقاً، وهو حادث عرضي لم يلتفت إليه كجانب طائفي، إنما اعتبر تصرفاً فردياً من أشخاص انفعاليين تأثروا ببعض الأفكار الدخيلة على المجتمع العماني.

ويبيّن الباحث أن هناك عوامل عديدة في عُمان ومجتمعها تساعد على التسامح الديني عبر التاريخ، حيث إن التسامح الديني ليس وليد اللحظة في السلطنة.

ويشير إلى أن الشخصية العمانية توصف بأنها شخصية تواصل حضاري وتفاعل مع شعوب الدول المختلفة، إذ استطاعوا مد جسور التواصل والتفاعل والتفاهم والتسامح، ووصلوا عبر السفن إلى الصين الهند وأفريقيا والعراق وبلاد فارس وغيرها.

ولدى العُمانيين قدرة على التفاعل والتفاهم مع مختلف المجتمعات والشعوب، كما يوضح الهادي، مستشهداً بحديث الرسول -صلى  الله عليه وسلم- الذي قال فيه: "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبّوك ولا ضربوك".

ويشير الهادي، إلى أن عُمان استقبلت مختلف المذاهب والطوائف التي جاءت إليها واستقرت فيها، وظلت السلطنة تتميز بإطار الحوار والتسامح والمعرفة والاعتراف والتعارف.

وفي ظل ما تعيشه المنطقة اليوم من أوضاع متفجرة، استطاعت عمان أن تبقى في أمن، بعيداً عن الصراعات والتحديات والمشاكل التي تشهدها دول المنطقة، ونجحت السلطنة في أن تنأى بنفسها عن كل تلك الاضطرابات، وتبقى واحة أمن وسلام داخلياً وخارجياً.

ويضيف الباحث أن القوة الناعمة العُمانية نحو الحوار والثقافة مع الآخرين إقليمياً وعالمياً، قوة مستمدة من روح المجتمع العُماني والبيئة الجغرافية والتاريخية، والهوية الإسلامية.

ويؤكد الهادي أن عمان اليوم تعتبر دولة نموذجية في تعايش، لأنها تسير على منهج التسامح المستمد من الهوية والثقافة والعروبة والقيم العربية والإسلامية، وهذا منهج مرسوم سياسياً واجتماعياً وتاريخياً وثقافياً.

تاريخ من التعايش

وعلى مدى خمسة آلاف عام من التاريخ والتواصل الدولي، طورت عُمان مناخاً فريداً من الانفتاح والتسامح، حيث وجدت الجماعات العرقية والدينية المضطهدة في أماكن أخرى الاحترام وملاذاً آمناً في السلطنة، مما أسهم في اندماجها بسهولة في المجتمع العماني، وفقاً لما ذكرته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية.

وتعتبر سلطنة عمان -وفقاً لصحيفة عمان- حالة استثنائية في محيطها الإقليمي بفضل سياستها القائمة على التسامح والاعتدال، ما أكسبها احترام العالم وتقديره.

وقد أثارت هذه الحالة المتميزة من الوئام والتعايش والفهم المتبادل إعجاب أصدقاء عمان، فأصبحت نموذجاً يحتذى به للتجارب الناجحة في العيش المشترك، ومثالاً يُستشهد به في تعزيز السلم العالمي.

وتؤكد صحيفة "الوطن" العمانية أن السلطنة تؤمن، حكومةً وشعباً، بأهمية التعايش السلمي والقيم الإنسانية التي تعزز التناغم بين الشعوب والمجتمعات.

وأضافت الصحيفة أنه، تاريخياً، حرصت السلطنة على أن تكون منارة للسلام ومنصة لتبادل وجهات النظر البنّاءة؛ وذلك إيماناً منها بدور هذه السياسة الثابتة والمستدامة.

ومن جانبه، قال الدكتور محمد بن سعيد المعمري، وزير الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، خلال حوار مع موقع الأمم المتحدة: "رسالتي للعالم أجمع هي أنه لا بديل عن التعايش والتفاهم والتسامح بين الأمم، ليشترك الإنسان مع أخيه الإنسان في صنع حضارة إنسانية جميلة يعيش فيها الناس بمساواة وكرامة، ويُعدّون الأجيال القادمة لأن تعيش أيضاً في سلام ومحبة ووئام".

ويضيف الدكتور المعمري أن أفضل تعبير عن الأخوة الإنسانية يكون من خلال "المؤتلف الإنساني الذي يؤلف بين الناس على أسس القيم الإنسانية التي يشتركون عليها، ومن خلالها يستطيعون أن يتعايشوا ويتعاملوا، ويكون هناك نوع من التدافع الإيجابي بين بعضهم البعض".

ويُنبّه الوزير العماني إلى أن العالم يئن الآن في كثير من بقاعه، بسبب الحروب والصراعات والأزمات، سواء من صنع الإنسان نفسه أو أنها كانت من البيئة أو من تغير المناخ أو غير ذلك، ومن ثم "فلا بديل عن الإنسانية والعيش معاً والعمل المشترك باعتبارنا أسرة إنسانية واحدة".