فريد أحمد حسن- الشبيبة العمانية-
تهتم المنظمات الدولية غير الحكومية مثل تلك المعنية بحقوق الإنسان والحريات ومحاربة الفساد بكل خبر يأتيها عن أي دولة خليجية يتضمن اتهاما لها بالتضييق على الحريات أو عدم مراعاة حقوق الإنسان أو وجود ملفات فساد تورط فيها مسئولون ، والمثير أن هذه المنظمات تأخذ بكل ما يأتيها من هذا القبيل من دون التحقق من صحته حيث يبدو أنها تعتبره صحيحا ودقيقا طالما أنه جاء من فرد أو جهة غير حكومية ، والمثير أيضا أنه رغم أن حكومات دول التعاون تعلم أن كثيرا من هذا ليس إلا ادعاء إلا أنها تهتم به وترد على تلك المنظمات حسب ما هو متبع من إجراءات أقرتها الأمم المتحدة . تلك المنظمات لا تكذب خبرا يأتيها من أي مكان ومن أي كان طالما أنه يمكن أن يسيء إلى هذه الحكومات بل أنها تحرص على الاستفادة منه بتوظيفه كي يخدم أغراضها التي هي في كل الأحوال تحقق غايات أفراد متنفذين أو مؤسسات دولية تابعة لحكومات صار الجميع يعرفها .
هنا مثال . يتجاوز موظف حكومي حدوده فينشيء له حسابا على التويتر يهاجم من خلاله المسئولين في الإدارة التي يخدم فيها فيتم تنبيهه كي لا يتجاوز لأن في التجاوز إساءة لتلك الإدارة أو الوزارة وتعطيل لمهامها فيرفض ويصر على أنه إنما يمارس حقه في التعبير ، ولأن القانون يتيح للمسئول التعامل مع الموظف بما يكفل توقيفه عن هذا الفعل لذا فإنه يطبق عليه القانون فيسرع الموظف إلى اعتبار ذلك تضييقا على حريته وغيابا لمنهج الديمقراطية ولا يتأخر عن توصيل الخبر إلى تلك المنظمات التي تتلقفه شاكرة وفرحة لأنها تعلم أنه يخدم خططها ومصالحها .
الأمثلة من هذا القبيل كثيرة ، ولأن أمورا كهذه يمكن أن تحدث يوميا لذا فإن الملف الذي تخصصه تلك المنظمات لهذا الموضوع يمتلئ سريعا فتعتبره حجة على هذه الدول وتبدأ في شن حملة عليها كي تظهرها وكأنها مخالفة للأعراف الدولية وظالمة لشعبها وأنها تضيق على الحريات وغير ديمقراطية وفاسدة ، وتضع فيها كل ما تشاء من عيوب .
هذه إشكالية تحتاج إلى البحث فيها ودراستها بعمق خصوصا وأن الكثيرين يعرفون جيدا أن لتلك المنظمات أهدافا وغايات وأنها لا تفعل كل هذا الذي تفعله من أجل سواد عيون ذلك الموظف الذي تضايق من إدارته أو هذا المواطن الذي اعتبر تجاوزه للعادات والتقاليد والأعراف أمرا يدخل في باب الحريات وإن أساء إلى المجتمع ورموزه .
هذه الإشكالية أو المشكلة تعاني منها كل دول مجلس التعاون من دون استثناء وإن برزت في بعضها بصورة أكبر ، لذا صار لزاما على هذه الدول أن تواجه كل هذا وتبين للعالم مدى افتراء تلك المنظمات عليها وكيف أنها تحاول أن تضع إسفينا بينها وبين شعوبها كي تستفيد وتحقق أهدافها المغلفة بشعارات جميلة ومغرية .
مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة نظم الأسبوع الماضي في المنامة ندوة لمناقشة هذه المشكلة تحت عنوان "المؤسسات والمنظمات الدولية غير الحكومية : بين المهنية والتسييس" شارك فيها نخبة من المفكرين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين وأعضاء مجلسي النواب والشورى ، وطرحت فيها مجموعة من الأوراق والبحوث ، منها بحث أثبت بالأدلة القاطعة كيف أن هذه المنظمات والمؤسسات غير الحكومية قامت بتزوير نتائج الانتخابات التي جرت في البحرين العام الماضي إلى حد أنها أخطأت في متوسط الأرقام كي تقلل من نسبة المشاركين فيها فاستعاضت عن الرقم 60 مثلا بالرقم 48 ، هكذا بكل بساطة ، واعتبرت ما تنشره الصحف دليلا رغم أنه من غير الممكن علميا ركون أي بحث إلى ما ينشر في الصحف حيث العكس هو الممكن . هذه الندوة خلصت إلى نتيجة مفادها أن هذه المنظمات والمؤسسات تبتعد عن المهنية وتسيس كل موضوع بغية تحقيق أهدافها وما يريده ممولوها أو الدول التابعة لها وأنها بعيدة عن الموضوعية وتعتمد كل شكوى أو تقرير يصلها من أي جهة غير حكومية بل من أي فرد أيا كان موقعه بينما لا تهتم بما يصلها من الحكومات وتعتبره بعيدا عن الحقيقة حتى من دون أن تكلف نفسها عناء قراءته . وقد خلصت إحدى الدراسات التي تم عرضها في الندوة إلى أن بعض المنظمات يثار بشأنها الكثير من علامات الاستفهام التي تلقي بظلال الشك عما إذا كانت تستهدف بحق تشجيع احترام وحماية حقوق الانسان أم هي أدوات تستخدمها جهات أجنبية لإثارة الفتن وتمزيق اللحمة الوطنية واختراق الأوطان بغير حق، وشككت في مصادر تمويلها .
من الطبيعي أن تتفاوت الحريات في دول مجلس التعاون ، ومن الطبيعي أن تكون هناك أخطاء وتجاوزات لأسباب غير مقصودة أو حتى مقصودة من قبل مسئولين أو إدارات ، لكن من غير الطبيعي القول إن هذه الدول تضيق على شعوبها ولا يتوفر فيها هامش للحريات كبير أو أنه هامش ديكوري فقط وأنها تعاني من الفساد ومن غياب الديمقراطية وغير هذه من عناوين براقة لا تخدم إلا من يريد السوء بهذه الدول .
دول التعاون ليست دولا مثالية ، بل لا توجد دولة في العالم تعتبر نفسها مثالية ، لكن اتهامها بمثل تلك الاتهامات فيه ظلم كبير لها ولقادتها الذين يبذلون الكثير من الجهود كي يحصل المواطنون على كل ما يتمنونه من حقوق وامتيازات وتتطور حياتهم إلى الأحسن وتتقدم ، خصوصا وأن كل هذا ظاهر للعيان ويشهد به العالم أجمع .