شؤون خليجية -
كانت كلمة (ماعدا عمان) التي تداولتها وكالات الأنباء والمواقع والنشرات الإخبارية فور إعلان تدشين تحالف عربي بقيادة المملكة السعودية لمحاربة جماعة الحوثي "الشيعية المسلحة" باليمن، هي الأبرز، وهي السياسة التي اعتبرها المحللون والمراقبون، بأنها "تغريد خارج السرب الخليجي"، ويبدو أن موقف "عمان" لم يكن له علاقة باليمن تحديدا، فقد عاودت مسقط التأكيد على تمسكها بنهجها ووقفت في الجهة المقابلة لمواقف دول الخليج خاصة المملكة السعودية في العديد من القضايا الساخنة بالمنطقة.
ففي الوقت الذي تقطع المملكة السعودية العلاقات الدبلوماسية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وتصر على رحيله، أرسلت سلطنة عمان وزير خارجيتها يوسف بن علوي في زيارة مفاجئة إلى دمشق، أمس الاثنين، التقى خلالها الأسد، وهي الزيارة التي يبدو منها أن مسقط فتحت ذراعيها مجدداً لاستقبال أبرز ملف في المنطقة، وهو العلاقات الخليجية الإيرانية، وما يرتبط بهذه العلاقات من حلفاء وملفات معقدة من بينها الأزمة السورية، حيث تمول إيران الأنظمة والمليشيات المتحالفة معها في سوريا.
وهي الخطوة التي وصفها مراقبون، بالضربة الجديدة للسياسيات الخليجية، حيث جاء اللقاء العماني السوري بشكل مفاجئ تحت مبرر حرص البلدين على مواصلة التعاون والتنسيق بينهما للحفاظ على مصالح الشعوب واستقرار المنطقة، وتناقلت وكالات الأنباء أن الطرفين تبادلا الترحيبات وإبداء التقدير.
السلطنة خارج السرب الخليجي
الأمر الذي يذكر بمواقف سلطنة عمان منذ انطلاق الثورة السورية وحتى الآن، حيث لم تقطع السلطنة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري كما هو حال باقي دول الخليج العربي التي سارعت بإغلاق سفارات بلادها في دمشق كالكويت وقطر والسعودية والبحرين، وهو الموقف الذي كان معارضا تماما للقرار الجماعي لمجلس التعاون الخليجي.
كما تجاهلت السلطنة تطلعات الشعب السوري في الحرية والخلاص من نظام بشار، وأصرت على دعم النظام السوري سياسيا، وظلت المراسلات والاتصالات الرسمية قائمة بين الحكومتين.
وعلى الجانب الإعلامي، استخدمت وسائل الإعلام العمانية توصيفات مناهضة للثورة السورية، حيث وصفت أبطال الجيش السوري الحر بمقاتلي المعارضة وجيش بشار الأسد بالجيش السوري وهو ما اعتبره مراقبون بأنه تغييب متعمد للحقيقة وخداع للشعب العماني وخروج عن الإجماع العربي المساند للمعارضة السياسية السورية.
الرؤية الثانية للموقف العماني
ومن الزاوية الأخرى للمشهد العماني، يتبين إصرار مسقط على الاحتفاظ بعلاقات صداقة مع كثير من دول العالم، هو ما مكنها من القيام بأدوار وساطة في العديد من القضايا الشائكة في المنطقة، لا سيما قضية إيران النووية.
ويرى مراقبون أن السياسية الخارجية لسلطنة عمان تتسم بالحيادية على المستوى الدولي، هو ما وفر لها المناخ الملائم للبناء والتطوير على المستوى الداخلي، وقد نجحت بذلك بالفعل، إذ غالباً ما يكون موقفها المعلن من الأحداث الخارجية رافضاً للانحياز لأي طرف في الصراعات.
وأشاروا إلى أن عُمان في الوقت الحالي تتعامل مع متغيرات المنطقة وفقاً لاستراتيجيات ثلاث؛ هي الاستفادة من مكانتها طرفاً محايداً لتصبح الجسر الرئيس بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع طهران، إلى جانب تكثيف التعاون الأمني مع الغرب.
المعارضة ترى الزيارة محاولة للحل السياسي
من جهته، قال المتحدث باسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد رمضان، إن الائتلاف على علم بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، الاثنين إلى دمشق، مؤكداً عدم وجود تنسيق مع الائتلاف بشأن الزيارة.
وكشف رمضان أن رئيس الائتلاف خالد خوجة، قد زار مسقط قبل أسبوع "ولم يتطرق خلال الزيارة لوجود وساطة عمانية".
وأضاف في تصريح لصحيفة "الخليج أونلاين" أن عُمان "حريصة على دور سياسي انطلاقاً من طبيعتها، وليس انحيازاً للنظام السوري"، موضحاً أن الزيارة "تأتي في محاولة عمان دفع الأمور باتجاه الحل السياسي والبحث عن جنيف 3".
كما أكد المتحدث باسم الائتلاف السوري أن "الائتلاف لا يريد وساطات وأن الموضوع يتعلق بدفع النظام لتطبيق قرارات جنيف".
وكان بيان "جنيف1" قد صدر برعاية الولايات المتحدة وروسيا في 2012، والذي نص بشكل أساسي على تشكيل هيئة حكم انتقالية، تضم أعضاء من النظام والمعارضة، وتمكن الأخضر الإبراهيمي من جمع المعارضة السورية والنظام على طاولة المفاوضات في جنيف 2، بعد تأجيلها عدة مرات، دون أن تفلح تلك اللقاءات في الوصول إلى اتفاق.
حث على توحيد الرؤى في الملفات الخارجية
وكانت الكاتبة السعودية إحسان الفقيه، قد قالت في مقال لها بعنوان "عُمان بين إيران الخليج... ومغامرة الحياد"، أنها تلتمس العذر لسلطنة عُمان في رفض مشروع الاتحاد الخليجي، ودعونا نتحدث بصراحة، فالعلاقات بين دول الخليج التي يشوبها القلق والتخوين وانعدام الثقة، لم تقطع خطوات للتكامل يُفترض أن تسبق أي حديث عن الاتحاد.
ولكن "الفقية" طالبت مسقط أن تدرك أن أكبر ضامن لأمنها القومي هو الانخراط والانصهار مع دول المجلس رغم كل ما يشوبه من سلبيات، إلا أنه هو السبيل الوحيد، وليس الارتماء في أحضان إيران أو تغليب النظر إلى المصالح الآنية على المصالح العليا الإستراتيجية.
وحثت "عمان" على التخلص من هواجس الهيمنة السعودية، وهو الهاجس المشترك بين دول الخليج كلها تقريبا، مطالبة عمان بتوحيد الرؤى في الملفات الخارجية والأزمات الناشبة في المنطقة، على رأسها الموقف من المشروع الإيراني، والأزمة السورية والعراقية واليمنية.