محمود الريماوي- الخليج الجديد-
تقاطر، في يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مواطنون عُمانيون مقيمون في دول الخليج إلى سفارات بلادهم، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشورى العماني الثامن، ولا شك في أنه مشهد مثير في دول الخليج، إذ على الرغم من أن هناك بلدين يتمتع مواطنوهما بحق الترشيح والانتخاب، هما الكويت والبحرين، إلا أن حق التصويت الممنوح للمقيمين في الخارج يعتبر سابقة طيبة، وليس معلوماً لماذا لم تتسع الدائرة لتشمل المقيمين العُمانيين في دول أخرى.
في اليوم نفسه، كان العُمانيون يتوافدون في الولايات الإحدى والستين في بلدهم على صناديق الاقتراع للهدف نفسه. إنها أجواء انتخابية حقيقية، وإن سادها الهدوء، والهدوء، على أي حال، طبع عُماني، وقد بلغت نسبة التصويت 55,66%.
وواقع الحال أن مجلس الشورى (85 عضواً) يجمع بين شيء من الديمقراطية العصرية، هو حق الانتخاب وحق الترشيح للمواطنين الراشدين من الجنسين، وبين مفهوم الشورى المتوارث الذي يعني حق إبداء الرأي والنصح والمشورة، وترك القرار لصانعي القرارات، غير أن الطموحات المعلنة أكبر من ذلك، وتتجه نحو إضفاء صفة الرقابة والتشريع على المجلس الذي أنشئ في عام 1991 بديلاً للمجلس الاستشاري الذي دام عشرة أعوام. ففي مارس/آذار عام 2011.
وفي أجواء موجة الربيع العربي، وحيث جرت مسيرات شعبية في هذا البلد مطالبة بالتطوير والإصلاح، أصدر السلطان قابوس بن سعيد مرسوماً سلطانياً وسّع فيه صلاحيات المجلس، بما في ذلك انتخاب رئيس المجلس من بين أعضائه، وكان رئيس مجلس الشورى يتبوأ موقعه بالتعيين، على أن يكون من بين أعضاء المجلس، وليس من خارجه.
تعطي الصلاحيات الممنوحة حيزاً واسعاً لمناقشة الموازنة العامة وخطة التنمية الخمسية، وسائر مشاريع القوانين التي تحال إليه من مجلس الوزراء، باستثناء مشاريع قوانين "تقتضي المصلحة العامة رفعها إلى السلطان مباشرة"، علماً أنه يمكن للسلطان أن يحيل إلى مجلس الشورى مباشرة مشاريع قوانين أو مشاريع مراسيم سلطانية، من دون المرور بمجلس الوزراء.
ولأعضاء المجلس حق دعوة الوزراء لمناقشتهم في خطط وزاراتهم أو أدائهم. وبطبيعة الحال، يظل النظر في المسائل المتعلقة بالدفاع والأمن والسياسة الخارجية بعيداً عن متناول أعضاء المجلس. يقول المرء "بطبيعة الحال"، لأنه حتى في المجالس النيابية المنتخبة، في غالبية الدول العربية التي تعتمد الخيار النيابي، تظل المسائل الأمنية والدفاعية خارج الصلاحيات الفعلية للمجالس النيابية، فيما يتم المرور مرور الكرام على شؤون السياسة الخارجية.
وقد وُصفت رسمياً الصلاحيات الموسعة عن ذي قبل بأنها تُضفي طابع الرقابة والتشريع على المجلس. بهذا الصدد، صرح المحلل العُماني، أحمد علي المخيني، إن "المجلس المنتهية ولايته لم ينجح في الاستفادة من صلاحياته الجديدة، بسبب هيمنة الحكومة على الحياة السياسية".
وقال إن المجلس "لم ينجح في استجواب وزير أو إخضاع عضو للحكومة للتصويت على الثقة أو المبادرة بوضع مشاريع قوانين". والمسألة، كما هو واضح من هذه التصريحات، تتعلق من جهةٍ بمناخٍ عام لم يترسخ فيه بعد مفهوم الفصل بين السلطات، حتى لدى بعض من يخوضون الانتخابات. ومن جهة أخرى، يتعلق بطبيعة الصلاحيات، فمناقشة الخطط وشخص الوزير لا تعني الحق في التصويت على الثقة بالوزير، بل دعوته إلى تصويب الأخطاء متى ما وجدت.
كذلك، فإن المجلس يناقش مشاريع القوانين المحالة إليه من مجلس الوزراء أو السلطان، لكن المجلس، حسب الصلاحيات الممنوحة، لا يحق له، حتى الآن، المبادرة باقتراح مشاريع قوانين.
يُذكر هنا إنه يتوفر في عُمان، إلى جانب مجلس الشورى المنتخب، مجلس آخر، هو "مجلس الدولة"، ويضم 83 عضواً يتم اختيارهم بالتعيين. ويُشكل المجلسان معاً "مجلس عُمان". وكما هو الحال في وجود مجلس للمستشارين في المغرب ومجلس للأعيان في الأردن ومجلس شورى في مصر.
مع عدم وجود جمعيات أو منتديات سياسية، كما هو الحال في البحرين والكويت، أو صحافة سياسية نشطة، كما هو الحال في قطر والإمارات، وحتى مع غياب التزمت السياسي بصفة عامة في عُمان، فإن حملة انتخابات الشورى العُماني، أخيراً، تميزت بطغيان المسائل الاجتماعية والاقتصادية على ما عداها. وقد ترشح لهذه الدورة 596 مرشحاً، بينهم 20 امرأة، مقابل 70 امرأة في الدورة السابقة.
وقد نجحت مُرشحة واحدة، هي نعمة بنت جميل البوسعيدية في محافظة العاصمة مسقط. وسبق أن مُنحت المرأة حق الترشيح في 1994. وفوز سيدة واحدة فقط (في مجالس سابقة وصلت سيدتان..) قد يُعتبر غريباً في بلد تقدمت فيها النساء نسبياً، ويُعتبر فيه المجتمع العُماني أقل محافظة من مجتمعات خليجية أخرى، بيد أن الثقافة السائدة في المجتمعات العربية عموماً، حتى المتقدمة منها مثل المغرب ولبنان ومصر، تجعل الناخبين لا يفسحون مجالاً لامرأة كي تمثلهم، حتى لو أبدوا ( على مضض!) قبولاً بوجودها في مراكز ومواقع متقدمة أخرى.
وهو ما يُملي إعادة النظر في القوانين الانتخابية، بما في ذلك التوجه إلى تخصيص كوتا للنساء، لضمان وصول عدد منهن إلى المجالس التشريعية، وهو ما حدث في الأردن، مثلاً. وسوى ذلك، لن يُتاح للمرأة فرصة التمثيل، والتي لا تحظى بكبير دعمٍ شعبي حتى من بنات جنسها.
عُمان التي لا تتمتع بوفر نفطي، وتشكو من عجز مالي للسنة المقبلة، نتيجة انخفاض أسعار النفط يقدر بـ 2.5 مليار ريال عماني (أزيد من 6 مليارات دولار)، تسير نحو الخيار الديمقراطي، وفق خطة متدرجة (توصف بالمزاوجة بين الخصوصية والعصرية).
ولا شك في أن هذا البلد، على الرغم من أي ملاحظات، يسير في الاتجاه أو الخيار الصحيح، وإذا كانت هناك مبادرات مطلوبة من مستويات السلطة لتطوير الحياة التشريعية، فإن أعضاء مجلس الشورى أنفسهم مطالبون بإطلاق مبادرات تحت سقف المجلس وخارجه، وكذلك الحال، فإن النخب العمانية والجمعيات المهنية مدعوة إلى إطلاق مثل هذه المبادرات، وبدون القفز عن مبدأ التدرج، بل وفاءً وإعمالاً له.