بدر الراشد- الخليج الجديد-
فاجأت عُمان الأوساط السياسية، الخليجية تحديدا، بزيارة وزير خارجيتها، يوسف بن علوي، إلى دمشق، ما اعتبر كسرا للعزلة على الرئيس السوري، بعد سنوات من اندلاع الثورة السورية في 2011.
وجاءت مقاربة الزيارة متقاربة من وكالتي الأنباء الرسمية في البلدين، حيث تحدثت وكالة الأنباء السورية ووكالة الأنباء العمانية عن "عموميات" تخص الزيارة، ارتكزت على محورين: محاربة "الإرهاب" في سوريا، والجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل "للأزمة السورية"، من دون الحديث عن أي تفاصيل من الجانبين.
لكن الزيارة لا يمكن عزلها عن أمرين هما التحركات الدولية الإقليمية لإيجاد حل للملف السوري، ولا سيما بعد التدخل الروسي العسكري المباشر، والأدوار السياسية "الناعمة" والمؤثرة التي تقودها عُمان لمقاربة مشكلات المنطقة تاريخيا، والتي يمكن اعتبار الاتفاق النووي الغربي مع إيران تاج نجاحاتها.
ضمن هذا السياق، لم تكن زيارة الوزير العُماني إلى دمشق، مجرد محاولة معزولة عن السياق الإقليمي للتباحث حول الحرب السورية، حيث سبق الزيارة لقاء مع رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، خالد خوجة، وأعقبه لقاء مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في مسقط، في إطار التحضيرات لحل سياسي للملف.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لتثير من الأسئلة أكثر من توضيحها للإشكاليات، إذ أكد الجبير على أنه لم يطلع على نتائج جهود الدبلوماسية العُمانية في الملف السوري، ولا سيما نتائج لقاء الأسد. لكنه أكد في الوقت نفسه، على "المصير المشترك لكل دول الخليج، وأن هذه الدول تتقاسم المصير ذاته والموقف ذاته من الأزمة السورية"، على حد قوله. كما ذكر بأن السعودية "لا تشك في نوايا الأشقاء في مسقط".
وبينما تقف دول الخليج مع السعودية في موقفها المتشدد تجاه إيران، وبشار الأسد، والذي وصل ذروة تصعيده بإعلان وزير الخارجية عادل الجبير أن "إيران تحتل أراضي عربية، وسنفعل كل ما بوسعنا لمواجهتها"، يأتي الجانب العُماني ليقارب المسألة من منظور آخر، محاور للأسد – كما في زيارة بن علوي – ولديه علاقات إيجابية مع الجانب الإيراني.
لكن الكاتب والإعلامي السعودي، جميل الذيابي، يرى في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الزيارة تمثل خطا مناقضا للسياسات الخليجية تجاه الأزمة السورية، وبشار الأسد باعتبار أن هناك شبه توافق دولي على رحيل الأسد أخيراً"، على حد قوله.
ويرى الذيابي أيضا أن الزيارة تكسر الحصار على الرئيس السوري. ويعتبر الكاتب السعودي أن التحركات العمانية تأتي مدفوعة من الجانب الإيراني للبحث عن مبادرات أو إمكانية أداء دور وساطة لإيجاد حل في سورية. ولا تتوافق مع سياسات الخليج تجاه التدخلات الإيرانية في المنطقة.
لكن لا يمكن الحديث عن التحركات العمانية الأخيرة، من دون معرفة علاقتها مع الأطراف الإقليمية، ولا سيما إيران، ودول مجلس التعاون الخليجي، كأطراف أساسية في الصراعات المندلعة في المنطقة. وتتقاسم هذه الدول وجهات نظر متناقضة تماماً في مقاربة الأوضاع الإقليمية، ولا سيما في سورية والعراق واليمن.
العلاقات العمانية - الإيرانية
يمكن وصف العلاقات العمانية – الإيرانية بالاستراتيجية تاريخياً. فعُمان حافظت على علاقات جيدة مع إيران الشاه، محمد رضا بهلوي، قبل ثورة الخميني في العام 1979. كما احتفظت بعلاقات شبيهة مع إيران الثورة، فقد ساعدت إيران الشاه السلطنة في السبعينيات على إخماد "ثورة ظفار" اليسارية المدعومة من المعسكر السوفييتي. لاحقا، وقفت عُمان على الحياد في الصراع الخليجي، العراقي–الإيراني، وبعكس النظام السوري آنذاك الداعم لإيران في عهد المرشد روح الله الخميني ضد العراق، وقفت عُمان موقفاً محايداً، لم يؤثر في علاقاتها مع الدول الخليجية الداعمة للعراق بشكل مباشر ومعلن، سياسياً ومالياً وعسكرياً.
بل على العكس من هذا، حاولت عُمان إيقاف الحرب، فقد استضافت مسقط محادثات عراقية – إيرانية سرية للتباحث حول وقف إطلاق النار بين الطرفين.
هذا السياق جعل السياسة الخارجية العمانية تتخذ مواقف مغايرة للدول الخليجية، لكنها لم تكن مصادمة لها. وكانت دول الخليج تتفهم هذه الخصوصية العمانية.
دخلت سلطنة عمان في تنظيم محادثات شاقة وسرية بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وإيران من جهة ثانية في العاصمة العمانية مسقط، منذ 2011، والبعض يرجع هذه الجهود إلى 2009، من أجل مقاربة الملف النووي والعقوبات الغربية المفروضة على إيران. توجت هذه الاجتماعات السرية، والتي حدثت من دون معرفة دول الخليج، ولا سيما السعودية، باتفاق "جنيف" بين إيران ودول 5+1 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، والذي مثل خطوة تقدم علنية وكبيرة تجاه توقيع الاتفاق النووي في 2015.
لم تكن عُمان مدفوعة يومها في حرصها على إتمام الاتفاق النووي الإيراني–الغربي بالعوامل السياسية والعسكرية فقط، لكن عُمان تضررت اقتصاديا أيضا من العقوبات الأميركية–الغربية على النظام الإيراني، ولاسيما في الجوانب النفطية، حيث عطلت تلك العقوبات مشاريع إمداد الغاز الإيراني إلى السلطنة، وخصوصا مع سعي مسقط لمد أنبوب غاز بحري بين البلدين.
تتخذ العلاقات العمانية–الإيرانية جانبا جيوسياسيا أيضا، يتمثل في ضمان الملاحة البحرية في مضيق هرمز، إذ دأبت إيران على تهديد الغرب بإيقاف الملاحة في المنطقة، التي يقع جزء رئيسي منها ضمن السيادة العمانية، مما يعني أن عمان ليست معنية فقط بعلاقتها مع إيران، لكن يهمها أيضاً علاقة الدول الغربية مع إيران، لأنها ستكون متضررة شاءت أم أبت من أي صراع عسكري في إقليمها.
يمكن قراءة تجنب أي صراع عسكري مباشر مع إيران في المنطقة كعامل ثابت في سياسات الأمن القومي العُماني منذ عقود. ورؤية سلطنة عمان "التوافقية" للمنطقة ليست جديدة. فقد حاولت عمان في العام 1976 عقد محادثات خليجية – عراقية – إيرانية لبحث أوضاع المنطقة والدول المطلة على الخليج العربي، لكنها لم تحقق آنذاك أي تقدم يذكر في نزع فتيل الصراع الإيراني–الخليجي.
العلاقات الخليجية – العمانية
على مستوى العلاقات الخليجية–العمانية، لا يخلو الأمر من تعقيدات وتباينات، فقد تأسس مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 ككتلة سياسية يمكن اعتبار الصراع مع إيران هاجسها الأول، وانضمت سلطنة عُمان لمجلس التعاون، لأنها أيضاً تتقاسم مع هذه الدول الخوف مع إيران، لكنها لم تجنح أبداً للمنطق التصادمي معها إطلاقاً.
من هنا، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، جاء رفض عمان القاطع والحاد لفكرة "الاتحاد الخليجي" في 2013، في حين كان الصراع الخليجي – الإيراني في بداياته في الثمانينيات، كان بإمكان عُمان التكتل مع جاراتها من دون خلق توترات كبيرة مع الجانب الإيراني، بينما اليوم، في ذروة هذا الصراع، والذي أصبح حربا عسكرية واسعة غير مباشرة، بقيادة السعودية خليجياً، تجد عمان نفسها رافضة للدخول كطرف في الصراع.
ويمكن قراءة هذا التوجه في التعبير الحاد لوزير الخارجية العماني آنذاك، حيث صرح بن علوي بشكل قاطع رافضاً فكرة الاتحاد بقوله "إن سلطنة عمان لن تنضم إلى الاتحاد الخليجي في حال قيامه، وإن التحفظات تشمل تحفظات سياسية واقتصادية وعسكرية، إلى جانب عدم الحاجة لتوسعة قوات درع الجزيرة باعتبار أن المنطقة ليست بحالة حرب".
فعلى الجانب الاقتصادي، رفضت عُمان سابقا فكرة العملة الموحدة في الخليج، كما أنها تتحفظ على التصادم السياسي والعسكري مع إيران منذ الثمانينيات، فلن تقبل به اليوم وهو يقترب من حدودها مع اليمن، في حرب التحالف العربي، بقيادة السعودية، على الرئيس المخلوع علي عبدالله، ومليشيات الحوثيين، المدعومة إيرانيا.
لذا لم تنضم عُمان إلى التحالف العربي لدعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. كما أنها تحفظت على فرض حلول في اليمن باستخدام التدخل العسكري. واحتفظت بعلاقات جيدة مع كل الأطراف، ولا سيما الخليجية، فيما استقبلت وفوداً من الحوثيين ومن حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، لإجراء محادثات بينهم وبين المبعوث الأممي إلى اليمن من جهة. كذلك شكلت مسقط محطة للمفاوضات بين الحوثيين والأميركيين.
في ذات السياق، لم ترفض السلطنة زيادة التنسيق الأمني لمواجهة التهديدات الداخلية التي تحدق بدول الخليج العربي، فقد وقعت مسقط على الاتفاقية الأمنية، مما يعني أن عُمان ليست ضد التعاون الخليجي، لكنها ضد اتحاد يأتي كإعلان جبهة مواجهة للطرف الأخر على الخليج العربي.
أما ردة فعل دول الخليج على الاتفاق النووي الإيراني الذي رعت عُمان محادثاته الأولية، فلم تكن سلبية. فبينما أظهرت كل من الكويت والإمارات حماسها للاتفاق، حيث باركته، لم ترفضه السعودية، ولكن تقبلته بحذر، باعتباره نواة لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي. في الإطار نفسه، لم تخف الرياض خشيتها من أن تعتبر طهران الاتفاق النووي إطلاقاً ليدها في المنطقة.