خميس التوبي- الوطن العمانية-
على الرغم مما يدعيه الغرب من مخاوف ارتدادات الإرهاب الذي زرعه ورعاه في المنطقة بدعم من القوى الرجعية، فإن واقع دور جميع التنظيمات الإرهابية السابقة واللاحقة لم يخرج عن الإرادة الغربية والصهيونية، بل إن وقائع الأحداث كافة أثبتت علاقة الأمومة والأبوة بين هذه التنظيمات مجتمعة وأجهزة الاستخبارات للقوى الغربية الاستعمارية الامبريالية والموساد الإسرائيلي، وأينما وجدت هذه الأجهزة وجدت التنظيمات الإرهابية، ووظيفتها في ذلك مزدوجة وهي تقديم المبررات اللازمة لعمل الاستخبارات أو لتحقيق مشاريع استعمارية كبرى، وممارسة دور التخريب والتدمير والتهجير والإبادة على النحو المشاهد الآن في العراق وسوريا وليبيا ولبنان وغيرها.
وفي الوقت الذي تواصل فيه النازية الإسرائيلية جرائمها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من إعدامات ميدانية واعتقالات عشوائية أو تهجير قسري، أو بحق الأرض من استيطان وتهويد، أو بحق المقدسات من تدنيس وتدمير كما هو حال المسجد الأقصى وبقية المساجد، لا تزال بوصلة التنظيمات الإرهابية باتجاه الدول العربية الكبرى والفاعلة التي يسيل لها لعاب الاستعمار والتي تمثل دول الطوق لكيان الاحتلال الإسرائيلي. وكما هو معروف أن هذه التنظيمات الإرهابية لا تتحرك من ذاتها وإنما وفق يصدر إليها من توجيهات من تلك الاستخبارات سالفة الذكر.
وما تجدر الإشارة إليه، هو أن المبررات التي مطلوب من هذه التنظيمات الإرهابية توفيرها، ليست بالضرورة أن تكون في صورة عمل إرهابي أو تخريبي، وإنما قد تكون في صورة دعاية تتولى أجهزة الاستخبارات ذات العلاقة بتلك التنظيمات الترويج لها إعلاميًّا، وتتكفل به ماكينات الإعلام المشبوهة في المنطقة. وفي هذا السياق وفي ظل علاقة الأمومة والأبوة هذه، لن تخرج دعوة تنظيم القاعدة الإرهابي على لسان زعيمه أيمن الظواهري أذرع التنظيم إلى توحيد صفوفها لتنفيذ هجمات إرهابية ضد الغرب وخاصة روسيا الاتحادية و”الرافضة النصيرية”، عن ما وُجِّهَ به التنظيم، خاصة وأن سياق الأحداث يرسم خطوط الطول والعرض للمبتغى والهدف من وراء ذلك، بعد العصف العسكري الروسي بالتنظيمات الإرهابية الخارجة من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي، والذي بدأ يطيح ببنيان الأحلام الذي أقامته قوى الطغيان والاستكبار والتآمر والرجعية عبر أذرعها الإرهابية في سوريا لإلحاقها في قائمة الدول العربية الفاشلة؛ إذ إن من مقتضيات المحافظة على بنيان الأحلام محاولة البحث عن ما يؤخر سقوطه أو يسنده ليبقيه قائمًا، حيث يعمل حلف التآمر والعدوان على استجماع قواه لتعطيل العصف العسكري الروسي أو الحد من قوته؛ ولذلك يمكن أن تضاف “الدعاية القاعدية” بشن هجمات ضد الغرب بما فيه أميركا إلى قائمة المبررات السابقة التي من بينها إرسال قوات أميركية خاصة إلى شمال سوريا بزعم محاربة تنظيم “داعش”.
الشاهد الآخر الدال على علاقة الأمومة والأبوة بين أجهزة الاستخبارات الغربية والأميركية والموساد الإسرائيلي وبين التنظيمات الإرهابية، وأن الأخيرة تدين بالولاء والطاعة لتلك الأجهزة، هو العمل الجماعي بينها على طمس القضية الفلسطينية، وتشتيت الأنظار عن جرائم النازية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وعن القوانين الإرهابية والعنصرية التي يوالي كيان الإرهاب الإسرائيلي إصدارها ضد الفلسطينيين العزل، حيث ظلت فلسطين منذ نشوب مؤامرة “الحريق العربي” وإلى الآن خارج دائرة الاهتمام والتغطية للمدعين الذين يسمون أنفسهم بـ”الثوار” و”الأحرار”، فضلًا عن تزامن “دعاية” تنظيم القاعدة تجاه الغرب وأميركا مع إحياء الشعب الفلسطيني ذكرى وعد بلفور المشؤوم. وبدل أن تكون دعوة التنظيم الإرهابي لأذرعه لتوحيد صفوفها للجهاد في أرض فلسطين، والانتصار للقضية الفلسطينية وتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من “قبضة اليهود”، ورفع مظاهر الظلم والعدوان عن الشعب الفلسطيني، أخذ التنظيم الإرهابي “يعض البردعة بدل أن يعض الحمار”، في استخفاف واضح بالعقول وضحك على الذقون.
على أن الاستخفاف الأكبر بالعقول هو محاولة الغرب الاستعماري الامبريالي الفرز بين ظاهرتين إرهابيتين أبدعهما بالتعاون مع قوى تابعة له بالمنطقة، هما تلك التنظيمات الإرهابية التي تنتسب إليه وتعمل على تفتيت المنطقة وتدميرها نيابة عنه، وكيان الإرهاب الإسرائيلي الذي بات يشكل مع تلك التنظيمات بنية تجمع بين الإرهاب والاحتلال والاستعمار. وما يمثل استخفافًا أكبر بالعقول وتغريبًا بها أيضًا، هو أن يدَّعي دعاة “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان” محاربة “داعش” الإرهابي لحماية المدنيين وللنجاح في ذلك يجب إقامة مناطق “آمنة أو عازلة”، في الوقت الذي يدعمون فيه عصابات إرهابية تبيد أولئك المدنيين وتهجرهم، ويستميتون في الدفاع عن جرائم النازية الإسرائيلية ويعدونها “حقًّا في الدفاع عن النفس”، بينما واقع الأمر أن إرهاب تنظيم القاعدة وأخواته وأذرعه مثلما يبيد المدنيين ويعيث فسادًا في الأرض السورية والعراقية والليبية واللبنانية والمصرية وغيرها، يبيد إرهاب الدولة أو النازية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة المدنيين الفلسطينيين ويعيث في أرضهم فسادًا وتدميرًا.